سامي النصف

الكويت بين اقتصاديين واقتصاديين!

لولا الحكماء والعقلاء من رجال الاقتصاد الكويتي لما خلقت الكويت أصلا ولما استمرت لقرون وقرون دون زرع أو ضرع أو أنهار أو أمطار بسبب إبداع تلك العقول المبهرة التي استطاعت قبل أربعة قرون أن تحول بلدنا إلى مركز مالي مرموق في المنطقة بعد أن دعوا لخفض الضرائب، وأطروا للتسامح الديني والسياسي والاجتماعي، وخلقوا أكبر أسطول نقل بحري في المنطقة (لم تكن هناك آنذاك أساطيل نقل جوية وإلا لحازوا السبق فيها).

***

ولايزال في الكويت رجال وسيدات اقتصاد من الطراز الأول حتى أن بعضهم تم اختياره لرئاسة مؤسسات اقتصادية عربية وعالمية مرموقة، وبعضهم الآخر لم يتسلموا مؤسسة أو شركة أو هيئة إلا وطوروها وارتقوا بأدائها وخرجوا منها كما دخلوا بملابس وضمائر وذمم بيضاء ناصعة.

***

يقابل هؤلاء اقتصاديون كويتيون من طراز آخر، دمروا البلاد وأضروا بالعباد رغم أسمائهم الرنانة وشهاداتهم العلمية الطنانة، فكارثة بورصة عام 76 خلقها وتسبب بها اقتصاديون كويتيون للأسف، وكارثة المناخ عام 82 كذلك ولا يوجد سوق مالي في العالم تعرض للهزات والانهيارات التي تعرضت لها البورصة الكويتية خلال العقود الماضية، بل ان القطاع الأسوأ أداء في البورصة حتى اليوم هو القطاع الذي يديره بعض الاقتصاديين ممن لا يحتاج عملهم إلا التحليل الصائب والنظرة المستقبلية الصحيحة.. وما أصعبها على البعض منهم.

***

آخر محطة: (1) يقوم بعض رجال الإعلام الاقتصادي الأميركي المتابعين لتحليلات وتوصيات كبار رجال الاقتصاد المختصين في بورصة الوول ستريت بمقارنة الأسهم التي يقترحون شراءها مع ما يختاره قرد حقيقي يعطى حديدة مدببة ليرميها على لوحة كبيرة تحتوي على قائمة شركات البورصة الأميركية وقد اكتُشف أن اختيارات الشمبانزي في كثير من الأحيان أفضل بكثير من خيارات كبار اقتصادييهم.

(2) للعلم.. ضم الاتحاد السوفييتي أكبر عدد من حملة الدكتوراه في الاقتصاد بالتاريخ الإنساني، الاتحاد السوفييتي لم ينهر ويتفكك وينقسم نتيجة هزيمة عسكرية خارجية، الاتحاد السوفييتي انهار بسبب النظريات الاقتصادية الخاطئة التي رسمها أساتذة جامعاته ومستودعات عقوله الاقتصادية.

(3) اشتهر بعض الاقتصاديين من رجال ونساء الاتحاد السوفييتي بقدرتهم على التحرك بين النواب في مجلس الشعب (الدوما) لحشد الدعم للحكومة، تلك القدرة على اللوبي لا تعني انهم الأفضل بالتنظير الاقتصادي أو يمكن ائتمانهم على المشاريع أو الوزارات الاقتصادية.

 

احمد الصراف

سنوات النظر

بدأت في استخدام النظارات، والجمع هنا أفضل، لاحتوائها على عدستين، قبل نصف قرن تقريبا. وبناء على نصيحة سمعتها أخيرا من طبيب قللت من الاعتماد الكلي عليها، لأن استخدامها بكثرة يضعف عضلات العينين، والتخلي عنها بين الفترة والأخرى يعيد للعضلات قوتها ويجعل النظر من دونها ممكنا، خصوصاً عند ضياعها. وهكذا اصبحت، مع الوقت، «ادبر نفسي» واقود السيارة وأمارس الكتابة والقراءة في أحيان كثيرة من دون نظارات! وعندما فكرت، كاقتصادي سابق، في ما صرفته من ثروة صغيرة على عشرات النظارات والعدسات المختلفة الشكل واللون والاستخدام طوال السنوات الماضية، مع التقدم التكنولوجي الكبير في طريقة صنع عدساتها وإطاراتها واستخداماتها بحيث أصبحت تنفع لتقريب الأشياء وقراءة الحروف الصغيرة عن قرب وتصلح في الوقت نفسه لاستخدامها في الوقاية من الشمس، وغير قابلة للخدش بسهولة وخفيفة الوزن، وذات عدسات بالغة الدقة، كل هذا دفعني للبحث في تاريخ النظارات فوجدت أن قدماء المصريين اشاروا الى استخدام شيء ما يمكن عن طريقه رؤية الأجسام باكبر من حجمها الحقيقي. كما نجح علماء في عهد الامبراطور الروماني نيرون، قبل الفي عام، في قراءة كلمات بالغة الصغر من خلف زجاج عليه ماء أو آنية زجاجية بها ماء. وأول كتابة علمية عن استخدام العدسات المنحنية convex lens في تكبير الصور كانت عام 1021 في كتاب «المناظر» للعالم ابن الهيثم، الذي يعرفه الغرب بـ «الهازن Alhazen»، ويقدره أكثر منا، فليس هناك حسب علمي معلم واحد يحمل اسم هذا العالم الكبير الذي قدم اسهامات عظيمة للبشرية في علوم البصر وغيرها. وكالعادة مات نسيا منسيا بعد أن ادعى الجنون، خوفا على حياته من بطش الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله! وقد ترجم كتاب «المناظر أو البصريات» لللاتينية في القرن 12، وكانت مادته أساس تطوير نظارات البصر بعدها بمائة عام في إيطاليا. كما عرفت الصين في القرن 12 ما يشبه النظارات الشمسية، وبدأ صنع نظارات البصر لأول مرة في إيطاليا عام 1313 وتظهر لوحات فنية لشخصيات كنسية وسياسية معروفة «بورتريه» وهم يرتدون النظارات. كما كان للعالم الأميركي بنجامين فرانكلين الفضل في اختراع العدسات التي تبين البعدين، كما تطور مع الوقت شكل وطريقة الإطارات وأول نوع منها يمكن وضعه على الأذنين اخترع عام 1727، أي قبل ظهور الوهابية في الجزيرة العربية بــ14 عاما! وفي القرن العشرين كان لعلماء مصانع زايس الألمانية الفضل الأكبر في تطوير العدسات لمختلف الاستعمالات، وبالرغم من انتشار استخدام العدسات اللاصقة وعمليات الليزر لتعديل البصر إلا أن استخدام النظارات التقليدية استمر في ازدياد، مع التقدم الكبير في تقنيات صنعها. ويذكر أنه في نهاية الحرب العالمية الثانية اكتشف كارل زايس، أن مصنعه سيكون ضمن المنطقة التي ستخضع للسوفيت، فتركه بكامل اختصاصييه وعلمائه ومبانيه وآلاته وهرب إلى القسم الغربي ليبني مصنعا جديدا من الصفر، وهو اليوم واحد من أكبر المصانع في العالم، أما ما تركه وراءه، تحت الحكم الدكتاتوري، فقد انهار بعدها بسنوات قليلة.

أحمد الصراف