حسن العيسى

حول الثقافة الداوية

الثقافة الداوية (نسبة للداو) تعني ممارسة السلطة بصورة منفردة مع غياب كامل للمسؤولية، فالمعروف أنه لا سلطة دون مسؤولية، وبقدر حجم السلطة يتحدد مدى المسؤولية، لكن في الثقافة الداوية كما أنتجتها الدولة الكويتية، لا ترابط بين السلطة والمسؤولية، ولا تتحدد الثقافة الداوية بقضية تحمل المال العام أكثر من ملياري دولار، تنفيذاً لشرط جزائي بين المتعاقدين لم تكترث الحكومة السابقة بالنظر إلى موضوع العقد، ولا لأحكامه، وحددت مهامها فقط بتجنب أي مساس بالكبرياء المشيخي يتم من خلال مجلس الأمة، وإنما تمتد الثقافة الداوية الى عمق منهج السلطة في إدارة الدولة في السياسة والاقتصاد، فلم تكن صفقة "سانتا في" الخاسرة في الثمانينيات بداية أعراض مرض الثقافة الداوية، ولا صفقة مصافي هولندا بعدها كانت البداية، ولا قضية الناقلات بدورها حددت أعراض الحالة الداوية، وفي حكمها استثمارات إسبانيا، وكل الحالات التي استعرضها تقرير الشال الأخير لم تكن، إلا على سبيل المثال وليس الحصر والتحديد، فالحالة الداوية كمرض استوطن الجسد الكويتي يمتد إلى لحظة تصدير النفط في نهاية الأربعينيات، وتم عندها تكريس الحالة الريعية في الدولة، الريع الذي يأتي من بايب بيع النفط دون جهد إنساني، تتملكه السلطة الحاكمة، وتوزع مدخوله، بالتالي، بينها وبين الأفراد، ويكون لها حصة الأسد، وللأفراد ما تبقى من الريع، يوزع على شكل مشاريع أعمال للقطاع الخاص التابع لصاحب الريع الكبير، ثم تأتي نفقات الرواتب والخدمات والبنية التحتية ودعم السلع الغذائية.
في تشخيص الحالة الداوية تكون حصة السلطة الحاكمة هي الهبرة الكبرى، والباقي من الريع يوزع كفتات يقسم بطريقة تراتبية هرمية، تكون الأولوية فيها للدوائر الصغيرة المحيطة بالنظام، ثم بعدها تتسع دوائر عطايا الريع ويقل حجمها بقدر بعدها عن مصدر القرار السياسي، ويتم بهذا، وبطريقة فعالة، نقل المرض الذي أضحى وباء اجتماعياً مدمراً من أعلى لأسفل، ومن قمة الهرم الإداري نزولاً إلى الوظائف الدنيا والصغيرة في الدولة.
من أعراض هذا المرض، تطفو صور بشعة لثقافة عدم الاكثراث للمال العام، أو الملكية العامة، فتدميرها أو إهمالها يصبح أمراً عادياً عند الناس، كتدمير البيئة البرية والبحرية ورمي المخلفات في الأماكن العامة والشوارع تصبح، بمجملها، مسائل سلوك مألوف عند الناس، وليس لها عقاب فاعل، ولو كانت، هناك فرضاً، نصوص عقابية إلا أنها لن تكون مفعلة، بسبب استشراء الحالة الداوية، ومصاحبتها لأمراض الواسطة والمحسوبية وشراء الولاءات في مجتمع غلت فيه يد القانون، أو تحرك بطريقة انتقائية. فحين يمد أحد المواطنين من سور عقاره قليلاً خارج المنزل مثلاً، أو يحاصر الشاطئ بـ"مسنات" وحوائط عزل، فلا جزاء، لأن مضمون دفاع ذلك المواطن يتلخص في حكمة "حالي من حال غيري" الأكبر والأهم، ومادمتم قد سكتم عن أكبرها وأسمنها، فلماذا يتم استثنائي…؟!
الموظف لا يلتزم بمواعيد الدوام، لأن قدوته ومثاله "الأخ الاكبر"، الذي يقبض الآلاف والملايين، ويغتني في لحظات منسية من العمر الكويتي، لا يساءل بدوره عن جهده وعمله، وبطبيعة الحال، ولن يتم طرح سؤال: من أين لك هذا؟! الغش والنهب في تنفيذ المشروعات العامة وعدم إنجازها في الوقت المحدد بالعقد من قبل مقاولي الدائرة الضيقة، ليس مهماً لغياب المحاسبة، وإن تمت أحياناً فهي تحدث بمنهج فارغ خاو معروفة نتائجه سلفاً، وتختم بعدم الإدانة أو حفظ التحقيق لعدم كفاية الأدلة أو غياب النص القانوني المجرم، كما حدث في قضية الودائع المليونية لبعض النواب السابقين، وتكون بالتالي وسيلة لذر الرماد في الأعين، حبكت بشكل أراجوزي ممل يضج سماجة، ويعرف الجميع نتائجه مقدماً، وسرعان ما يطوى الموضوع في دائرة النسيان، والمواطن عادة، لن يكترث، فهو لا يدفع ضريبة تشعره بأنه يملك جزءاً من هذا المشروع، وأن الأموال التي أهدرت هي أمواله في النهاية.
حالات أعراض طاعون الداوية لا يمكن حصرها، بدأت من ابتلاع أراضي الدولة بالبراميل، واحتكار العقار بالتالي من ملاك البراميل الكبار الحيتانيين، وبيعها في ما بعد مجزأة لسمك أصغر منها، والتي تقوم بإعادة دورة الاحتكار وتعيد تقسيمها، ثم يعرض المحدود من الأرض على المواطن، وهو، هنا، السمكة الصغيرة التي تبتلع مدخراتها لبيت العمر بأسعار خيالية.
لا نهاية للحالة الداوية، ولا علاج لها بغير قيام مؤسسات شفافية محايدة، تراقب أعمال السلطة في الدولة، والسلطة المعنية هنا بمفهومها الواسع التي تشمل كل السلطات، والتي عليها بدورها أن تراقب وتحد من تفرد أعمال السلطات الأخرى، وهذا غير موجود، وبهذا المجلس النيابي المفصل على مقاس أنا وحدي، تم إعدام "القليل" المتبقي من الرقابة المالية، بعد أن تم استلحاق السلطة التشريعية بالسلطة الحاكمة، وأشهرت الثقافة الداوية رسمياً ونشرت في الجريدة الرسمية بحبر سري لا يفكه غير الضالعين في بحور الفساد.

احمد الصراف

أخلاق «الداخلية»

هناك بند في قانون الجنسية يسمح بمنحها لغير المواطنين لجليل ما قدموه من أعمال! وبالرغم من أن قلة فقط حصلت على الجنسية الكويتية عن جدارة، فإن المحسوبية والواسطة كان لهما الدور الأكبر في حصول الكثيرين عليها دون وجه حق! كما أن عددا ممن خدموا الكويت بصدق، عندما كانت ضعيفة الحال والمال، توفوا، بعد ان اصبحت الكويت ذات جمال وحلال، ونسيتهم دون أن يحصلوا على جنسيتها أو يحظى أبناؤهم بـ«شرف الإقامة الدائمة فيها»، وهذا هو موضوع مقالنا هذا.
فبعد ما يقارب السبعين عاما على بدء تصدير البترول، وتسارع ثراء الدولة وزيادة عدد من قدم للعمل بها، فإن لا أحد منهم تقريبا حصل على حق الإقامة الدائمة، حتى لو كانوا من كبار المستثمرين الذين لم تشب سيرتهم يوما شائبة، ولا حتى مخالفة مرور أو من التربويين الذين افنوا أعمارهم في تدريسنا، ومن بعدنا ابناؤنا، أو الذين عملوا بإخلاص في إدارة مرافقنا الحيوية، التي عجزنا عن ادارتها! وكان الممكن، لو كانت لدينا وزارة داخلية نصف عصرية أو حتى ربع ظهرية، أن يتم منح هؤلاء الإقامة الدائمة دون ان يطلبوها، ولكن في ظل غياب أو انعدام سجلات إقامة عصرية وقاعدة بيانات يمكن الاعتماد عليها لمعرفة اسماء وسير وسجل «خدمات»، فإن الطلب يصبح صعب التحقيق، ولكن هذا لا يعني اليأس، فأنا أعرف عددا لا بأس به ممن قضى الواحد منهم اكثر من ثلثي عمره، حتى الآن في الكويت، وآخرين ولدوا فيها قبل أكثر من نصف قرن، وبعضهم جاوز الستين عاما في البلاد دون انقطاع، وهؤلاء تعرفهم من لهجاتهم وعاداتهم التي أصبحت مقاربة لعاداتنا، وتتلمس مشاعرهم ومحبتهم لتراب هذا الوطن من أحاديثهم، وعميق حزنهم ان اصابته مصيبة، ومع هذا «يتمرمطوا» في كل مرة يجددون فيها إقامة أو إجازة قيادة، أو عند إجراء أي عملية نقل معلومات على الجواز أو تعديل اسم كفيل أو عنوان سكن. كما زاد الطين بلة قيام جهات كثيرة بالتضييق على كبار حملة الشهادات العلمية والشك فيها، بالرغم من مرور عقود وهم يعملون على أساسها كأطباء ومهندسين وغيرهم، بالطلب من هؤلاء تصديقها من الجامعات الكندية أو الأميركية أو الأوروبية المرموقة التي أصدرتها، علما بأن بعض هذه الجامعات لا تعمل بنظام تصديق الشهادات أصلا. إن هؤلاء المقيمين بين ظهرانينا، من مواطنين عرب وغيرهم، لم يأتوا للعمل غصبا عنا، بل بملء إرادتنا، ولحاجتنا الماسة غالبا لخبراتهم وجهودهم التي فشل أبناؤنا في سدها. وبالتالي يتطلب الأمر العناية بهم، ليس فقط لأنهم بشر اسوياء يستحقون كل خير، ما لم يثبت العكس، بل وايضا لكي يعطونا أفضل ما عندهم، متى ما شعروا بالاستقرار والأمان. ولو كنت وزيرا للداخلية، وهذا حتما ما لا أتمناه، لقمت بتأسيس إدارة خاصة لإعطاء من قضى في الكويت أربعين عاما مثلا أو اكثر، عناية خاصة تليق به، إن كانت سيرته خالية من اي سوابق أو مخالفات جسيمة. وبمثل هذه الأعمال يمكن أن نجاري الدول المحترمة في إنسانية أنظمتنا.
* * *
• ملاحظة: بصرف النظر عن اي اعتبارات، متى يعود الزميل فؤاد الهاشم للكتابة؟

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com