سامي النصف

مواجهة حول الجريمة الإسكانية!

ضمنا ضمن برنامج «مواجهة» حلقة ساخنة عن الاسكان وكان ضيوفها السفير جلال النصافي والشاب عيد الشهري ووزير إسكان سابقا وكان الثلاثة قد اتفقوا على أننا لا نعيش أزمة إسكانية، بل نعيش «جريمة إسكانية» وكل ذلك بسبب ان الدولة لا توفر بيتا ملكا لكل مواطن حال تخرجه أو التحاقه بعمله أو حتى مع لحظة مولده.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!

****

الوزير السابق الذي وافق بقوة على أننا نعيش «جريمة اسكانية» أقر بأن الطلبات في عهده لم تتعد آلافا قليلة، إلا أنه لم يقر بفشله الشديد في حل تلك «الجريمة» حيث بقيت المشكلة قبل وأثناء وبعد رحيله، كما ذكر ذلك المسؤول وبجدية بالغة ان على وزير الاسكان أيا كان أن يبني البيوت الحكومية دون استئذان الجهات الحكومية الاخرى مثل وزارة الكهرباء أو وزارة الاشغال ..الخ، أي ان يعمل على مبدأ «حارة كل من ايدوا الو» وتحل جريمة الاسكان بجريمة أكبر وأشنع، أي بيوت للشباب لا كهرباء ولا ماء ولا مجاري ولا شوارع فيها.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!

****

مما ذكرناه ردا على النيران العدوة التي كانت أخف ضررا من النيران الصديقة، أنه لا توجد أزمة، ناهيك عن جريمة إسكانية، في الكويت ضمن المصطلح المتفق عليه عالميا والذي لا يرى في السكن بالايجار أزمة، بل تتلخص المشكلة الاسكانية عالميا في عدم وجود سقف أو مأوى يسكن فيه الناس وهذا أمر غير قائم في بلدنا. ان التوصيف الصحيح لما يجري في الكويت هو الرغبة في «تملك» بيت حكومي في «أقصر» مدة ممكنة، ويمتاز بلدنا بدفع الدولة لبدل الايجار وهو أمر غير معمول به في الدول الاخرى، وكان رد أحد الضيوف ان جميع الدول الاخرى تدفع بدل إيجار لمواطنيها (!) ضاربا المثل ببريطانيا! ولا حول ولا قوة إلا بالله!

****

كما رأينا ان هناك دفعا مغرضا وغير عقلاني لخلق إحساس «كاذب بالظلم» لدى الشباب تمهيدا لإخراجهم في الشوارع عبر خلق أسقف وردية ومشاريع وهمية لا توجد إلا في الخيال أو في المدن الفاضلة التي لم تخلق بعد، وعبر إقناعهم بأن الوضع الطبيعي في العالم ان يبنى بيتك أثناء دراستك وما ان تتخرج حتى تجده أمامك بطوابقه الاربعة، وما المشكلة؟ ـ على حد قول المسؤول السابق ـ فلدينا أراض شاسعة، وكأن البلدان تبنى من الحدود الى الحدود.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!

****

وقد حذرنا ضمن اللقاء من تحول بعض الاحلام الوردية الى كوابيس مرعبة تدمر الوطن وتهد البناء علينا جميعا، فبناء البيوت دون حساب كلفة الطاقة المستهلكة قد يجعلنا، كما أتى في تقرير البنك الدولي، نستهلك جل نفطنا بعد سنوات قليلة لتزويد بيوتنا بالطاقة، خاصة أن مبالغ دعم الكهرباء والماء في الميزانية الحالية جاوزت عشرات المليارات من الدولارات، وقد قوبل ذلك الرأي بالرفض من الشاب الذي يرى أنه لا يوجد دعم للكهرباء في الميزانية العامة! ومن المسؤول الذي رأى ان كل ذلك «تنظير»! ولا حول ولا قوة إلا بالله!

****

آخر محطة:

1 – بعد أن جُعلت القروض البنكية القائمة في العالم أجمع «جريمة» نكراء وعارا وشنارا يجب أن يطهر المواطن الكويتي منه عبر دفع الدولة مليارات الدولارات من المال العام بدلا من المقترض، يسوق الآن لمفهوم ان من الجرائم النكراء ان يسكن كويتي «بالايجار» وان علينا أن نخصص كل نفطنا وأي دخل يأتي منه للتخلص من تلك الجريمة الشنعاء عبر بناء بيوت تذروها الرياح.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!

2 – نؤيد دعوة وزير الإسكان الشاب الى ضرورة إشراك القطاع الخاص في عمليات البناء عبر تسهيل حيازة الأراضي الحكومية للمطورين بأثمان معقولة كي تصبح الوحدات السكنية في متناول الجميع، كما هو الحال في جميع الدول الأخرى.

احمد الصراف

دافنينه سوا

كان رجلان يمتلكان حمارا ويعتمدان عليه في معاشهما، وفي أحد الأيام، في طريق عودتهما من تسليم شحنة ثقيلة لخارج البلدة، حرد الحمار فجأة ورفض التحرك وعندما قسوا عليه بالضرب وقع على الأرض ونفق من فوره، فأصيب الاثنان بصدمة كبيرة لخسارتهما مصدر رزقهما الوحيد، وجلسا يندبان حظهما! وبسبب طول علاقتهما بذاك الحمار قررا عدم تركه هناك في العراء، بل دفنه بطريقة مناسبة، وما ان انتهيا من اهالة التراب عليه في الحفرة، وجلسا والارهاق والهم والغم بادية عليهما، مر عابر سبيل ورأى امارات الحزن عليهما، فرق قلبه لمنظرهما، وظن أنهما يبكيان حبيبا فقداه، فوضع بجانبهما بعض الطعام وقطعة نقود! فشكراه وتناولا الطعام ووضع احدهما قطعة النقود في جيبه، ورفع يديه يحمد ربه، بدعاء طويل، على نعمته، فمر عابر سبيل آخر وسمع الدعاء ورأى منظرهما امام القبر ، فغلبته طيبته فوضع قطعة نقود هو أيضا أمامهما وطلب من الداعي أن يدعو له بالتوفيق في مهمته! وهنا برقت في رأس أحد الرجلين فكرة، فقام من فوره وذهب للمدينة القريبة وعاد منها ومعه بعض الملابس وقطع قماش بيضاء وبضع قطع رخام ومونة وقام ببناء ما يشبه القبر المعتبر، بحيث أصبح شكله أكثر مدعاة للاحترام. وقاد الحظ رجالا ونساء للمرور بالطريق نفسه ورؤية الرجلين وهما بأرديتهما الدينية الوقورة يرسلان الدعاء خلف الآخر والرجاء بظهر أخيه، ويهزان رأسيهما بوقار شديد، وتزيدهما هيبة قطع القماش التي لفاها على رأسيهما كعمتين، فقام هؤلاء المارة وعابرو السبيل بالتبرع لهما، حاثين غيرهم على التبرع فلا بد أن الرجلين يرعيان قبر «ولي» من الصالحين، ويستحقان العون. ومع الأيام تكاثر الزوار من حولهما، وانقلب المكان لمزار بعد أن دفعا للبعض لكي يروجوا لرؤيتهم معجزات يعود الفضل فيها للمدفون في ذلك القبر، ونقل ما رأوه من قدراته على تقريب البعيد وجعل العاقر تحمل والعانس تقترن. وهكذا جذب هذا غيرهم من منتفعين وشذاذ آفاق، من الذين عادة ما يتواجدون في مثل هذه الأماكن، والذين قاموا بالمزايدة على غيرهم في وصف معجزات الولي الصالح، بعد أن أصبحت مصالحهم مرتبطة بصحة ما يشاع عن قدراته الخارقة، وقام آخرون بفتح محال لبيع الخرز والمسابح والتعاويذ، وتخصص غيرهم في كتابة الأدعية، وفتح آخرون مطاعم ومقاهي ومشارب لخدمة الزوار، ونصب غيرهم خياما لايواء قاصدي المزار والتبرك. ولم يمر وقت طويل قبل ان يتحول القبر اليتيم الى قرية صغيرة ثم لما يشبه المدينة، والفضل كل الفضل لـ«الولي الصالح»، الذي أصبح مزاره مركز المدينة ومصدر قوتها وثراء قاطنيها، بحيث ارتبط رخاء عيشهم به، وهكذا انقلبت حياة صاحبي الحمار من الفقر المدقع الى الثراء الفاحش، بعد أن اصبحت الأموال تجري بين أيديهما كجريان حبات الرمال من ثقوب المنخل! وفجأة دب الخلاف بينهما في احدى الليالي، أثناء اقتسام الغلة، على قطعة قماش ثمينة وضعت في المزار، وتعالى صوتاهما، وهدد أكبرهما بفضح السر، وبأن المدفون ليس اماما صالحا ولا وليا ناصحا بل حمارا نافقا! فرد عليه الآخر: يبدو أنك نسيت أننا دفناه معا! فذهبت مقولته مثلا!

أحمد الصراف