محمد الوشيحي

لا يتولاها إلا الفاغرون…

العهدة على الراوي، والراوي وكالات الأنباء، والمروي عنه هــــــو تلـــفـــــزيـــــــون سي إن إن، والعهدة تقول إن العلماء توصلوا إلى طريقة تمكنهم من زرع شريحة في دماغ الإنسان تحفظ له ذكرياته ومعلوماته وأحداثه من النسيان إلى أن يموت وتنتفي حاجته إليها، وستتوفر هذه الشرائح في الصيدليات خلال عشر سنوات كحد أقصى، بعد أن نجحت التجارب التي أجريت على الفئران.
وأزعم أنني أحد "قراء الكتب" المخضرمين، وأزعم أن معلومات كثيرة مهمة مرت من أمامي من دون أن أوقفها وأحفظها، فتلاشت كدخان سيجارة، فأنا من فصيلة إذا دخلت معلومة في أدمغتها أزاحت ما قبلها، والبقاء للأحدث.
على أننا في الكويت نحتاج إلى شرائح أخرى أكثر أهمية من شريحة الذاكرة… نحتاج إلى شريحة الصدق، رحم الله الصدق، وأكثرنا حاجة إليها حكومتنا التي تحضنا على الصدق، وبعض أطراف المعارضة. ونحتاج إلى شريحة الشهامة "بدل فاقد"، و"شريحة الحياء"، الحياء من الذات، والحياء من الكذب السافر أمام الناس، والحياء من رشوة الناس، والحياء من تلقي الرشوة وتصدر المجالس، والحياء من الطعن في أعراض كل من يخالفنا الرأي السياسي، ووو…
وشريحة أخرى أتمنى زرعها، هذه المرة في ألسنتنا لا أدمغتنا، وتكون على هيئة إبرة، اسمها "شريحة الوطنية"، مربوطة بـ"شريحة الصدق"، فإذا ادعى أحدنا الوطنية وهو كاذب، تحركت الإبرة لتضرب سقف حلقه بقوة، فيضطر إلى فغر فيه، ويضطر الآخر أيضاً إلى فغر فيه، والثالث والرابع والعاشر، وآه كم من سقف حلق سينزف، في بلد لا يتولى مسؤولياته، في الغالب الأعم، إلا الفاغرون.

سامي النصف

المكارثية الكوارثية في الكويت!

كتب أحد الزملاء الأفاضل قبل الأمس مقالا شائقا في جريدة «الراي» يستحق مناقشة محتواه، حيث رأى الزميل ان هناك مكارثية جديدة في الكويت تشن ضمنها حملة لإرهاب الناس لمجرد انتمائهم السياسي ويرفع خلالها شعار أما ان تكون معي أو تكون ضدي، مضيفا ان تولي المناصب العامة يجب ألا يكون قائما على الانتماء السياسي بل يجب ان يخضع لشرط الكفاءة والقدرة، واضيف الى ما ذكره شرط الأمانة ونظافة اليد وطهارة الذمة.

٭٭٭

ما طالب به الزميل الفاضل من رفض عودة المكارثية ومحاربة الناس على آرائهم السياسية امر مقبول جدا اذا ما طبق في اتجاهين لا اتجاه واحد، فالمعلومة التاريخية تظهر ان الحكم والحكومة لم يكونا البادئين بذلك المسار المكارثي او الكوارثي بل العكس من ذلك تماما، فقد كان رموز المعارضة في الكويت يمنحون قبل غيرهم المناصب القيادية في الدولة وأهمها منصب الوزير الذي عرض عشرات بل ومئات المرات حتى على اكبر عتاة المعارضة، فبعضهم قبل وبعضهم الاخر رفض، وما انطبق على منصب الوزير ينطبق على ما هو أقل منه حتى احتكرت لفترات طويلة من الزمن بعض القوى السياسية المعارضة المناصب القيادية في الدولة لا بسبب الكفاءة بل بسبب الانتماء.

٭٭٭

ان من ابتدأ سنة ونهج المكارثية الكوارثية في الكويت أي محاسبة الناس على آرائهم السياسية لا على كفاءتهم وأمانتهم هم للاسف بعض القيادات السياسية المعارضة التي اختصت مخالفيها بالرأي من المسؤولين بالاستجوابات الكيدية لإبعادهم وقطع أرزاقهم دون ان يثبت قط اي تجاوز منهم على الأموال العامة في وقت غضت فيه البصر عن مؤيديها من المسؤولين ممن كانت الكويت قاطبة تعلم فيه فسادهم الشديد والثراء الفاحش الذي اصابهم حتى ان بعضهم كان يتسلم الرشاوى الساخنة بشنط السفر التي تصل جهارا نهارا لمكتبه.

٭٭٭

ونزل تقصد بعض القوى السياسية المعارضة حتى لمستويات ادارية أدنى وأقل عند رفع شعار من يشاركنا آراءنا السياسية المعارضة نهدد الوزراء بالاستجواب الكيدي المعتاد والابعاد اذا لم يتعينوا دون وجه حق وكلاء ووكلاء مساعدين ومديرين.. الخ، ومن هو ضدنا نمنع ترقيته حتى لو كان اكفأ وأطهر وأقدم الموظفين، وامتد تأثير القوى السياسية المعارضة حتى لصغار الموظفين فمن هو معنا نفرض تعيينه وترقيته وهو جالس في بيته ومن هو ضدنا نضغط بشدة لقطع رزقه حتى ولو كان أفضل وأخلص العاملين.

ان اخراج العمل الوظيفي من قضية التباين السياسي كما يطالب الزميل هو قضية محقة اذا ما جعلناها طريقا ذا اتجاهين، واذا ما كانت الحكومة وكما ذكرنا قد اظهرت هذا التوجه مئات وآلاف المرات عبر المناصب التي منحت للقوى السياسية المعارضة ودون منة، فالواجب يقتضي ان نرى من المعارضة السياسية نهجا مماثلا يتمثل في عدم التعرض لمخالفيهم بالرأي بسبب آرائهم السياسية تلميحا او تصريحا، والايمان بالمبادئ الدستورية والديمقراطية القابلة بالرأي والرأي الآخر، فهل يفعلون ذلك لمصلحة الكويت؟!

٭٭٭

آخر محطة: اتى في مقال الزميل الفاضل الداعي لمحاربة المكارثية ان مخالفيه بالرأي السياسي يجب ان يكتب في جوازاتهم ان مهنتهم هي «النصب والاحتيال» وان مقاله موجه لخصمه السياسي المحامي.. يكيكي! اغتيال الشخصية وتسفيه أصحاب الآراء السياسية المخالفة.. هو للعلم جزء من المكارثية الكوارثية!

 

احمد الصراف

قالب ثلج الداو

يروى عن رضا شاه، والد آخر ملوك إيران، قبل أن يطيح الخميني بالملكية فيها، أن مسؤولاً أميركياً اشتكى له من أن الفساد يأكل بعضاً من المساعدات التي تقدّمها بلاده للمشاريع الإنمائية في إيران. فرد عليه الشاه بأن المساعدات تشبه قالب الثلج، فهو يتسلمه ليعطيه لرئيس وزرائه ليقوم هذا بدوره بتسليم القالب لوزير الاقتصاد ليعطيه لمدير الخزينة.. وهكذا، وما إن يصل قالب الثلج إلى مدير المشروع حتى يكون بنصف حجمه، بعد أن أذابت «حرارة الأيدي» التي تناولت تسلمه وتسليمه نصفه الآخر، وبالتالي من الصعب تحديد المسؤولية! ومن هنا يمكن القول إن تحديد الجهة التي يجب تحميلها مسؤولية غرامة الداو، تشبه تحديد المسؤولية في تآكل أو ذوبان قالب الثلج «الإمبراطوري»!
ففي قضية الداو هناك جهات قررت، قبل 7 سنوات، التفكير في الدخول في المشروع، وقامت جهات أخرى بالتفاوض على شراء نصف موجودات شركة داو الأميركية بمبلغ سبعة مليارات ونصف المليار دولار، وفي أي عملية شراء إما يدفع الثمن كاملاً، وإما يلتزم المشتري بدفعه بـ «عربون» لبيان الجدية وحسن النية! وجهة ثالثة حاولت تمرير المشروع بكل تعقيداته وشروطه على مجلس الأمة! وهذه رفضت تمريره في المجلس دون دراسة متأنية لشك بعض الأعضاء في وجود مستفيدين مباشرين من إقراره، ومدى فائدة الدولة من المشاركة فيه. وجهات أخرى تريد كسب الوقت، وعدم انتظار الإجراءات التشريعية، فالوقت يمر وهو ليس في مصلحة الكويت، وإعطاء المجلس الوقت للدراسة سيقتل المشروع في مهده. وجهات إعلامية وأخرى سياسية حاربت المشروع بضراوة، خدمة لأجنداتها! ولو سألت أي جهة من الجهات أعلاه عن مبررات تصرفها، لسمعت من الأولى أن الكويت دولة نفطية، وهي بحاجة ماسة إلى تنويع دخلها والدخول في السوق العالمي من خلال تملك مشاريع صناعية ضخمة، وبالتالي كان لا بد من التفكير في مشروع بمثل تلك الضخامة. أما الفريق الذي وافق على البند الجزائي، فسيبرر تصرفه بأن الصفقة ما كانت ستتم من دونه وأنه حق للبائع، طالما كنا جادين في الصفقة! أما الجهة الفنية والحكومية، فإنها دافعت بالقول إن المشروع أخذ حقه من الدراسة والبحث، ولم يبق وقت طويل قبل أن تنتهي المهلة وتلغى الصفقة وتخسر الكويت. أما الجهات الشعبية التي طالبت بالتأني، فقد بررت موقفها من أنها «لدغت من جحر الحكومة» مرات ولا تريد أن تلدغ أكثر، وعلينا التأني ومعرفة شروط العقد. إزاء كل ذلك، لم يكن أمام الجهة المختصة، التي سئمت من كل ذلك التناحر، إلا أن تلغي الصفقة وليتحمل كل طرف مسؤوليته. والآن، من هو المسؤول عن تآكل قالب الثلج؟ لا أحد! واعتقد أن هذه هي النتيجة التي ستخرج بها لجنة التحقيق! فالمشكلة لم تكن في اختيار المشروع، ولا في شرطه الجزائي، ولا في إصرار المشرّع على دراسته، ولا في التسرع بإلغائه، بل في آلية الإدارة الحكومية، والتخبط والفساد اللذين نعيشهما! ولو كان المشروع قد أقر في حينه، لربما كانت هناك مسرحية مماثلة أخرى، ولكن في الاتجاه المعاكس!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

سعيد محمد سعيد

أحوالُ «المواطن»… المُرعبة (2)

 

إذاً، هل في مقدور الحكومة زيادة الرواتب للمواطنين أم لا؟ الجواب: «الحكومة ترى شيئاً لا يراه المواطن»! على أية حال، لنرجع إلى يوم الأربعاء (27 مارس/ آذار 2013)، حين عقد وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة اجتماعاً مع لجنتي الشئون المالية بمجلسي الشورى والنواب… تمام. وكان ذلك الاجتماع مخصصاً لمناقشة رد الحكومة على مطالب النواب بزيادة رواتب موظفي القطاع العام 15 في المئة ضمن الموازنة العامة للدولة للسنتين الماليتين 2013 – 2014… تمام. والمعلوم أن الطلب رُفض بسبب ارتفاع الدين العام والفوائد عليه والتي ستصل إلى 180 مليون دينار سنوياً… تمام.

الحديث عن الدين العام، في غمرة الشوق العارم في نفوس المواطنين لسماع كلمة ولو «جبر خاطر» عن زيادة مرتقبة، جعل عضو لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس النواب محمود المحمود لأن يصرح بقوله: «وزير المالية لم يتحدث عن زيادة الرواتب عند السؤال عنها بل تحدّث عن الدين العام والعجز وفوائد القروض، في ردٍ واضح على رفض مطلبنا بزيادة الرواتب، وإن ردود وزير المالية أثارت سخط واستياء النواب؛ لأنها جاءت مخيبةً للآمال بعد كل هذه المدة من الانتظار».

النائب المحمود أيضاً، أعاد التذكير في تصريحه بمطالب «الفاتح» والتي منها إصدار أمر بزيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين وموظفي القطاع الخاص وإنشاء صندوق يخصص لرفع رواتب موظفي القطاع الخاص، وأن يستفيد الشعب من الوفر الذي يحققه الدعم الخليجي لرفع مستواه المعيشي.

التعقيدات كثيرة، لكن، وكما نقول بالعامية: «المواطن… وين يصرف هالكلام كله؟»! ذلك أن المواطن يواجه مصاعب معيشية كثيرة لا حصر لها، والحديث هنا عن طبقة ذوي الدخل المحدود في ظل تآكل الطبقة الوسطى. وفي هذا الصدد، يشير الباحث عبدالحميد عبدالغفار في دراسته بعنوان: «الفقر… البحرين نموذجاً – مايو2007)، إلى أن زيادة عدد العاطلين «وليس معدل البطالة» وما يؤدي إليه من ارتفاع في عدد الفقراء واستمرار المعدلات العالية للتضخم وما تسببه من تآكل للطبقة الوسطى، ينجم عنه تكاليف اجتماعية مؤكدة وباهظة (انتهى الاقتباس). وبالطبع، استند كل ذلك إلى تحذير خبراء اقتصاديين واجتماعيين من حدوث هوة بين الطبقات الاجتماعية واتساع رقعة الفقر وتآكل الطبقة الوسطى غير المستقرة التي يعتمد عليها تماسك الهرم الاجتماعي، مع غياب المسوحات المعنية بتحديد حجم هذه الطبقة التي اتسعت في الطفرتين النفطيتين العامين 1974 و1997، بينما تآكلت في الطفرة الثالثة لتساهم في اتساع دائرة الفقر على رغم الاتفاق على ضرورة الاعتماد على مستويات الدخول للتصنيف.

بلا شك، فإن الحديث في نطاق الدراسات الأكاديمية، على رغم أهميته، لا ينبغي أن يجعلنا في منأى عن تشخيص الكثير من المشاكل التي يعاني منها المواطن يومياً. ومع شديد الأسف، فإن المجتمع البحريني، مع وجود الباحثين والمتخصصين، إلا أنه يفتقر لدراسات محلية تتعمق في مناقشة تأثير ضعف الأجور على الأمن الاجتماعي واستقرار الأسرة البحرينية. والأمر المقلق، أنه كلما تردت الأوضاع المعيشية، كلما أصبحنا على مشارف تبعات وانعكاسات سيئة بدءاً من تدهور تنمية الأسرة وانتهاءً عند بروز ظواهر تؤثر على استقرار الحياة في المجتمع وهي كثيرة كالعنف، السرقة، الخلافات الأسرية، التسرب من التعليم وربما قائمة أخرى من المشاكل التي لا نتمناها لمجتمعنا قطعاً.

حسناً، حينما يلجأ المواطن إلى البرامج الإذاعية وإلى صفحات الصحف المخصصة لنشر المشاكل والمعاناة، بل حينما يستخدم الناس وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت لطرح تلك القضايا التي تشمل الأجور، الإسكان، العلاج، تعطل المعاملات، الدراسة، أوضاع الأسر المعوزة وما يتفرع من تلك المعاناة، فإن الحاجة إلى استراتيجية وطنية سليمة لتحسين المعيشة المواطنين يلزم أن تأخذ مسارها الصحيح في التطبيق الفعلي. إن تصريحات الرفاهية في الإعلام يمكن أن تكون مدغدغة للمشاعر حيناً ما… لكنها تتحول إلى حالة من النقمة والغيظ والسخط أمداً ما، فهل تعجز الدولة وأجهزتها عن وضع تلك الاستراتيجية فعلاً؟