حسن العيسى

ضعوه قرطاً في آذانكم

الدولة تنهب بنهج مبرمج في أغلب الأحوال، وبعشوائية غياب المسؤولية وحكم القانون، كان هذا انطباعي السريع من متابعة لقاء "توك شو" للكبير أحمد السعدون، الذي أجراه معه الزميل محمد الوشيحي.
لم يتحدث أحمد السعدون بعموميات إنشائية مستهلكة عن الفساد ورموز الفساد وكل الكلام الذي لم يعد مجدياً عند من تكلست ضمائرهم وتحجر وعيهم بهموم المال العام، وسيادة إمبراطورية الفساد في الدولة.
تحدث أحمد السعدون، بالأرقام الموثقة، تحدث من أوراق رسمية، قدم لنا أرقاماً مخيفة عن عمليات التقنين التي جرت "ومازالت" للسرقات الكبرى في الدولة، سرقات لا يمكن أن يطالها قانون الجزاء الكويتي المحصور نطاق تطبيقه، إما بمتهم آسيوي ضبط يصنع الخمور المحلية في أحد كهوف منطقة الحساوي، أو على مغرد شاب نقل همه ببضع كلمات في "تويتر" أو على نواب سابقين مثل مسلم البراك وفيصل المسلم وغيرهما جاهدوا كي يكشفوا عن مواطن الزلل المريع والهبش الرسمي من خاصرة الأجيال، هي سرقات "مقننة" لأنها تجري وفق القانون وحسب أحكامه، هي سرقات "شرعية" لأن القانون إن لم يكن غائباً عنها، فهو يشرعها مفصلة على مقاس المافيا المحيطة بأصحاب المعالي.  
الأرقام المفجعة التي ذكرها أحمد السعدون عن تكاليف "مشروعات التنمية المستدامة" كما تروج لها الدعاية الرسمية، لا يكترث لها التائهون بدنيا إسقاط القروض، وزيادة الكوادر، ولا يعتد بها من شغلتهم همومهم اليومية من علاج صحي رديء، أو مناهج تعليم بائسة، أو اختناقات وفوضى مرورية دائمة، مع أنها تمثل بعض الصور المشوهة لعوالم الفساد الرسمي، هي أرقام مفجعة عند من يهتم ويغتم لمستقبل أبنائه وأجيال وطنه، هي مفجعة عند من يعلم أن بئر النفط المباركة ستنضب يوماً ما، أو ستهوي أثمانه، في اقتصاد قائم على فلسفة إدارة صاحب الدكان.  
الأسئلة الحائرة من الشباب المقدمين على الحياة الأسرية، ويبحثون عن مأوى بسيط، هي قطعة أرض صغيرة يبني بها بيت الأحلام، فلا يجد غير أرض قاحلة تعجز كل مدخراته ومعونات والديه (إن وجدت) عن الشراء، ليس لأي سبب غير احتكار الأرض الفضاء من مافيا لها السلطة والنفوذ كي تفرض قرارها على العالم الكويتي. ثم هناك، والقائمة تمتد بلا نهاية، مناقصات مشاريع بالمليارات خصصت لجماعات حزب يرفع يافطة "إن حبتك عيني ما ضامك الدهر". العجائز من أهلنا المستغربين والمستنكرين لحراك الرفض المعارض، لأن عندهم وفي قناعتهم البسيطة أن شيوخنا ما قصروا، فهم يدعمون جبن "الكلاسات، والبيض، وخياش السكر والرز البسمتي…" هؤلاء المساكين لا يعرفون، أو لا يكترثون كيف يتم الدعم الرسمي بالقانون وبالتشريع لغيلان الفساد، كي يزداد الأثرياء ثراء ويزداد "المقرودون" قرادة…!
لك أن تتحدث، وتنتقد مؤسسات الدولة (مع أنها ليست مؤسسات بل مقاطعات خاصة لأصحاب السيادة) لكن نقدك، وكلماتك المستاءة واعتراضك لن تكون مجدية، وإن تطاولت بكلمات عالية وخرجت وتظاهرت، فالقانون لك بالمرصاد، وغداً، الاتفاقية الأمنية ستلاحقك أينما كنت في خليج الحريات…!
اخرقوا شحمة الأذن، وعلقوا أرقام السعدون قرطاً مؤلماً بها يذكركم بأن الشمس لن تبزغ فجر الغد ما لم تزيحوا غبش عتمة اللامبالاة عن أعينكم.
لي ملاحظة: أعتذر للنائب السابق غنام الجمهور عن كل كلمة نقد كتبتها بحقه، وبسعيه المحموم لحل أزمة الأراضي السكنية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، فقد كانت يدي في الماء، واليوم هي في النار…

احمد الصراف

الهيئة الذهبية

يقول شارلز دارون إن الأنواع، أو الكائنات الحية، التي بقيت دون أن تنقرض ليست تلك الأقوى، ولا التي تمتعت بأعلى درجات الذكاء، بل تلك التي كان لديها استعداد أكبر من غيرها على التغير والتبدل!
ورد في صحف الثلاثاء أن النائب نواف الفزيع سحب طلب تشكيل لجنة لزيارة هيئة استكمال أحكام الشريعة! ولا أعرف السبب وراء سحب الطلب أو أساس تقديمه، ونتمنى تعلقه بما تتكلفه الدولة، منذ ما يقارب 20 عاما، من أموال طائلة على هيئة هلامية الهدف! أو ربما لأن السيد النائب لقي صداً من داخلها! ولنحسن الظن أكثر سنفترض أن الكيل فاض به، وأراد معرفة ما يدور في هيئة تبيض ذهبا لمن يديرها وتبيض حجرا لمن يصرف عليها! علما بأن الهيئة تأسست بهدف سحب البساط من تحت أقدام بعض نواب مجلس ما بعد التحرير، الذين طالبوا السلطة بتعديل المادة الثانية من الدستور، وبالتالي كان لابد من المزايدة عليهم، وتشكيل جهة لدراسة الأمر والبحث والتداول فيه، والتوصية به، لكي يمر الوقت وتنسى الجماعة الأمر أو تتغير الظروف، دون نتيجة، فقد عانت الهيئة منذ اليوم الأول لتأسيسها من فراغ الهدف والضياع، فعالم اليوم المتغير غير عالمهم، وعالم ما ينادون به. وأقول صادقا إنه لا أحد استفاد من عملها غير العاملين بها، الذين ارتضوا لأنفسهم رواتب وبدلات ومكافآت سخية ربما من دون أداء عمل حقيقي. وبالرغم من كل سابق كتاباتي عن مثالب الهيئة وسقطاتها، فإنني حقيقة لا ألوم كثيرا القائمين عليها لسكوتهم عن سكوت الحكومة عنهم، بل عن مدى مشروعية وجودها، فلا قطع هؤلاء الحق من أنفسهم واستقالوا، ولا طلبت الحكومة منهم الاستقالة لانتفاء الغرض «السياسي» من وجودهم! كما أن «فركشة» أو حل هذه الهيئة سيمهّد السبيل لحل الكثير من اللجان والهيئات الأخرى العديمة الفائدة مثلها! وفي هذا السياق، وربما لقطع الطريق على الطرق السابقة للنائب الفزيع، قام وزير الإعلام بتذكر وجود هيئة تطبيق الشريعة، فقام بزيارة مقرها، وأكد هناك «حرص» الوزارة على الاستفادة من خبراتها في تدعيم خطط وبرامج وزارتي الإعلام والشباب! وهنا نكون شاكرين للوزير تزويدنا بهذه الخطط والبرامج، وكيف يمكن أن يستفيد من أعمال الهيئة؟ كما شدد الوزير الشيخ سلمان، خلال زيارته، على أهمية تبادل الخبرات والتنسيق بين «وزارته» والهيئة، بما يصبّ في خدمة المجتمع الكويتي المحافظ بطبيعته (هكذا!). وأن تبادل الخبرات والتجارب معها من شأنه دعم مسيرة الوزارة الإعلامية، بهدف إيصال رسالتها الهادفة من خلال تسليط الضوء على الإيجابيات والسلبيات في المجتمع، لدعمها ومعالجة بواطن الخلل والقصور في مواقع أخرى! (هل فهمتم شيئا من هذا الكلام الإنشائي؟ وإن فهمتم هل من الممكن تطبيق %1 منه؟)، كما أشاد الوزير بدور اللجنة في دعم انسجام وترابط وتكافل المجتمع الكويتي في جميع مكوناته (وهنا أيضا أتمنى على الوزير أن يدلّني، أنا المواطن البسيط، على ما قامت به الهيئة في دعم وانسجام وترابط مجتمعي! كما نوه الوزير في الوقت ذاته بشمولية عمل اللجنة، التي تقع على عاتقها مسؤولية التخطيط لتطبيق أحكام الشريعة). وبدوره قال رئيس الهيئة إنه يشدد على أهمية وضع معايير أخلاقية ومجتمعية وبرامج اجتماعية تسهم في تحفيز روح الوطنية والمواطنة المنبثقة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، ومن عادات وتقاليد المجتمع الكويتي المحافظ والمتماسك (هكذا)، كما دعا إلى تبني العديد من المشاريع والبرامج المشتركة بين اللجنة ووزارتي الإعلام والشباب الهادفة لخدمة جميع شرائح المجتمع الكويتي، واضعا خبرات وبحوث ودراسات اللجنة في خدمة مؤسسات الدولة لتحقيق الهدف المنشود. انتهى! والسؤال هنا: هل يعني هؤلاء ما يقولونه؟

أحمد الصراف