محمد الوشيحي

اللصوص يبتسمون أيضاً…

والجهل يهدم بيت العز والشرف، يقول الشاعر… وطيبة القلب الزائدة تسحبك من يدك الكريمة بلطف وتُدخلك في دائرة الجهل.
ويتحدث أحدنا في الديوانية عن فساد النائب فلان، فيحتجّ آخر: "اتق الله في نفسك، ما علمنا منه إلا الابتسامة في وجوهنا، ومشاركتنا أفراحنا وأتراحنا، ووقوفه معنا وقت الحاجة، فقد نقل زوجتي من مقر عملها المزعج إلى موقع أفضل، وقدّمَ اسمي مرشحاً لرئاسة القسم، عندما كان غيره مشغولاً في سن قوانين لا نعرف ماذا يراد بها…".
وبكل بلاهة الدنيا، يسلهم أحدهم عينيه في مكان آخر وهو يحدثك عن "طيبة قلب" المسؤول فلان، وتسأله: كيف عرفت؟ فيجيبك بانطلاقة: "يا أخي ابتسامته تسابق حضوره، ولين تعامله مع المواطنين، وقفشاته التي لا تتوقف، ووو"!
سامح الله الأفلام العربية التي خدعتنا وغررت بنا حتى ظننا أن رجل المباحث لن يكون رجل مباحث إلا إذا ارتدى "البالطو الطويل"، حتى في الصيف، ولن تكتمل صورته إلا إذا أمسك بصحيفة. وسامح الله الأفلام الهندية التي خدعتنا وصورت لنا أن كل المجرمين مصابون بجروح في خدودهم، وعيونهم حمراء فاقع لونها، بينما أهل الخير كلهم يجب أن يكونوا على درجة كبيرة من الوسامة، وإلا فلن يكونوا خيّرين، نرجو المعذرة.
والفاسدون في الكويت ليسوا فاسدين، بدليل أن أحداً منهم لا يحمل سكيناً في بنطلونه يخفيها قميصه، ولا أحد منهم يضحك بقهقهة وجلجلة كما يضحك أبولهب في المسلسلات الإسلامية "ها ها ها ها ها"، وبالطبع لا يمكن أن يسرقوا بدليل ابتساماتهم الرائعة ومشاركتهم الناس أفراحهم وأتراحهم.
وتتحدث الكتب عن عائلتين إفريقيتين تقاتلتا بضراوة، قبل قرون من الزمان، إحداهما تريد قتل الهولندي تاجر العبيد وسيد السخرة ثأراً لابنها، والثانية تدافع عنه بحجة اهتمامه بها، ثم إن مظهره لا يدل على أنه يعذب أبناء جلدتهم في هولندا كما يقال عنه، بل على العكس، يبدو أنه من أهل السماء، فملامحه ووسامته وأناقته ولطف تعامله الظاهر كلها تؤكد ملائكيته… والخلاصة، نجا الهولندي ومات الكثير من أبناء العائلتين.

احمد الصراف

كيف نتغلب على فتنتهن؟

يتطلب التواصل والتعامل بيسر مع الآخر رؤية بعضنا وجه بعض، فهكذا اعتاد الانسان على التخاطب منذ مئات آلاف السنين، ولم تتأخر تكنولوجيا الاتصال الهاتفي في تلبية هذه الحاجة، بحيث أصبحنا نرى وجوه من نتحدث معهم وتعابيرهم على الهاتف الثابت أو النقال، كما ان البعض يجد درجة من الصعوبة في «التفاهم» مع من يخاطبه من خلف ستار أو حجاب، خصوصاً إن كان الحاجز مفتعلا. فنحن غالبا ما نقبل بالتحدث مع شخص يبعد عنا ولا نعرفه أو نعرف كيف يبدو، ولكن ما إن يصبح هذا الشخص أمامنا ويحاول تغطية كل أو جزء من وجهه، لسبب أو لآخر، فإننا نشعر بنوع من عدم الارتياح، وهنا نتكلم عن القناع أو الشادور او البوشيه أو اي قطعة قماش تغطي وجه من نخاطب، كاللثام الذي يستخدمه رجال الطوارق، وشبه الأكياس التي يجبر رجال طالبان نساءهم على تغليف أنفسهن بها!
وقد ورد في بعض المصادر أن المرأة المصرية كانت اسبق من غيرها في العالم العربي في تلقي التعليم العالي، والإقدام على العمل في شتى المجالات والوظائف. كما كانت الأولى عربيا في قيادة السيارة والطائرة، وأول من دخلت الحكومة والبرلمان. ولكن وضعها الاجتماعي ومكانتها كإنسانة تراجعا مع نهاية السبعينات، بعد أن وقعت مصر في قبضة الأفكار السلفية وانتشر فيها المذهب الوهابي، المدعوم بأموال النفط، سواء عن طريق الفضائيات المملوكة للسلفيين، أو بواسطة ملايين المصريين الذين عملوا سنوات في الخليج، وعادوا مشبعين بأفكار السلف والإخوان، والكادحين منهم بالذات من الطبقة غير المتعلمة جيدا. ورأينا كيف عاد النقاب للظهور من جديد في مصر، مدعوما ليس فقط بدعاية قوية، بل وبمن يعتقد أن من لا يدعو لارتدائه فإنما يدعو للإباحية والانحلال! ولو طرحنا سؤالا يتعلق بمدى قوة الحجاب في منع الفتنة ونشر الفضيلة، لما حصلنا على إجابة مقنعة أبدا! فالدول التي ينتشر فيها الحجاب ليست بالضرورة الأكثر فضيلة، ولو كانت كذلك فهل الفضيلة، بمعناها الضيق المرتبط بوضعية المرأة بالذات، هي التي تحدد نظافة وسعادة وقوة اي مجتمع، أم أن المسألة أكثر تعقيدا من ذلك بكثير؟ فالحياة في اي مدينة عصرية معقدة، وفي طريقها لأن تصبح اكثر تعقيدا مع استمرار شح الموارد وقلة الوظائف وزيادة أعباء ومتطلبات الحياة، والتسارع في أهمية دور المرأة في المجتمع، نظرا لانشغال الرجل وتزايد الحاجة الى مساهمتها في ميزانية الأسرة، إضافة الى دورها في تربية الأولاد، وكل هذه تحتاج لخلق إنسانة تتمتع بدرجة كافية من التعليم والثقة بالنفس، لكي تنجح في أي عمل تقوم به. فالفضيلة لا تأتي بحجاب ونقاب، بل من خلال حصول الجميع على حقوق عمل متساوية! ولا يمكن للمرأة أن تشعر بالثقة إن أقنعها المجتمع بأنها أصل الغواية، وأن مقاومة الرذيلة لا تتم إلا بوضعها خلف حجاب، وأنه كلما زادت كثافة ذلك الحجاب زادت قدرتها على مقاومة «الإغراء»! وفي سياق مختلف، يقول مفكر غير معروف بأن الفلسفة هي في القدرة على تبرير البحث عن قط اسود في غرفة مظلمة. أما الميتافيزيق، او ما وراء الطبيعة، فهو تبرير البحث عن قط اسود غير موجود اصلا في غرفة مظلمة. أما عندما نبحث عن قط أسود، غير موجود، في غرفة مظلمة، ومع هذا نصيح قائلين بأننا وجدناه، فهذا هو التطرف الديني، أما العلم فإنه يطلب أن نبحث عن القط الأسود في الغرفة المظلمة.. باستخدام مصباح إنارة!

أحمد الصراف