محمد الوشيحي

رفع البلد بالزند الأيسر

إضافة إلى الجمل والمصطلحات التي ذكرتها في مقالات عدة في السابق، هناك جمل ومصطلحات أخرى لها وجهان، كقطعة النقود تماماً… يتحدث سياسي في جموع الناس: “أنا أخدم وطني من أي مكان، وفي أي مكان”، وهو تصريح “عَرض خدمات”، أو “إعلان للبيع”، يقوله النائب كي تسمعه الحكومة فتعرض عليه منصباً وزارياً، لكنه سيرفض المنصب إذا عُرضت عليه وزارة “أقل من مستواه” كما يراها، وسيلعق تصريحه السابق لعقاً مبيناً. ويأتيك من يأتيك من ساستنا الأكارم فيعتقد أن الشعب ما زال في حضن أمه، ترضعه وتغسله و”تمهّده”، أي تضعه في المهاد! ويخاطب الشعب بلغة “بكرة تكبر وتفهم”، فيعلن: “أنا مستقل، لا أتبع تياراً ولا تكتلاً سياسياً بل أتبع الكويت وأهل الكويت”، وكأن التيارات السياسية تتبع موزمبيق الشقيقة، أما الكتل البرلمانية فهي عميلة لبوركينا فاسو، تراسلها بالحبر السري. وأتذكر، وأنتم معي تتذكرون، بوش الولد عندما أعلن ترشحه لرئاسة أميركا: “أنا لا أتبع الحزب الجمهوري ولا الديمقراطي ولا الخضر، أنا أتبع أميركا وأهل أميركا”، فأطلقت نساء أميركا الزغاريد ورمى رجالها قبعاتهم إعجاباً بموقف بوش وولائه النقي. وكذلك فعل باراك أوباما، وقبل هذا وذاك كلينتون وكارتر وريغان وغيرهم من الرؤساء الأميركيين الذين أعلنوا أنهم لا ينتمون إلى حزب بل إلى أميركا وأهل أميركا. وأتذكر، وأنتم معي تتذكرون، مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل، زعيمة حزب “الاتحاد الديمقراطي المسيحي” التي تخلت عن حزبها، وأعلنت توبة نصوحاً، وتقدمت إلى الانتخابات الرئاسية “طرق عباتها”، أي بمفردها، ورغم ذا فازت في الانتخابات بفضل الله أولاً ثم بفضل دعاء الوالدين وهمة أبناء خالتها الكرام وبنات جيرانها، وها هي تعيد التوازن إلى ألمانيا، كما يرى المراقبون، بجهدها الذاتي. كل القادة المخلصين لأوطانهم ولشعوبهم لا ينتمون إلى أحزاب، لأن الأحزاب والتيارات السياسية خيانة، والتحالفات والائتلافات غدر وطعنة في قلب الوطن. كلهم قادوا بلدانهم بلا أحزاب ولا تيارات، باستثناء الخائن الأكبر “ِشتولتنبرغ” رئيس الوزراء النرويجي، الذي خان أمته النرويجية وتنافس على منصب رئيس الوزراء عبر “حزب العمال” وفاز، عليه من الله ما يستحق من اللعنات بقدر خيانته. ورغم أنه وضع النرويج على منصة تتويج الدول كأفضل دولة في الأرض، إلا أن ذلك لا يغفر له، وسيلقى بإذن الله المصير الذي يليق به كخائن ينتمي إلى حزب والعياذ بالله. وفي الكويت، ولله الحمد، لدينا نواب يرفضون الانتماء إلى التيارات السياسية والكتل البرلمانية، ويعلن أحدهم أنه ينتمي إلى “تيار” الكويت وأهل الكويت، ويبدو أن باستطاعته أن يحمل البلد، بمفرده، على زنده الأيسر بعد أن يكثف التمارين السويدية وتمارين المعدة. سعادة النائب رياض العدساني… كثّف تمارينك يرحمنا ويرحمك الله.

سامي النصف

كي لا نبرئ صدام

يردد الصداميون ويردد معهم بعض الكويتيين بغفلة أو حسن نية ان هناك مطالبة عراقية «دائمة» بالكويت تتمثل حسب قولهم بما حدث في عهود عراقية ملكية وجمهورية مختلفة كحال – ما يدعون – انها مطالبات «بضم وتبعية» الكويت للعراق في عهود الملك غازي ونوري السعيد وعبدالكريم قاسم واخيرا صدام ما يعني ان هناك مطالبات تاريخية قائمة ومستمرة الى اجل غير مسمى.

*****

واذا ما فهمنا اسباب ترديد اعلام ايتام صدام لتلك الاقاويل الكاذبة كوسيلة لتبرير غزوه الغاشم لبلدنا عام 1990 بل وليشكره التاريخ والعراقيون على ذلك الفعل «المجيد» ما دام ما قام به هو فقط تحقيقا لرغبات شعبه ومطالبه التاريخية بالكويت كما يقول بذلك الصداميون وبعض الكويتيين ومعروف ان تحقيق رغبات الشعوب من قبل الحكام هو امر يحسب لهم لا عليهم، ومن ثم ففي هذا القول الذي سنثبت خطأه الجسيم اعطاء الطاغية صدام صك البراءة من تلك الجريمة الشنعاء.

*****

والحقيقة التي قلتها قبل اسابيع قليلة امام جمع من المثقفين الكويتيين والعراقيين هي ان ادعاء وجود مطالبة تاريخية مستمرة من العراق بضم الكويت ساقطة كونها غير حقيقية وتبرر لصدام جريمته، كما انها تحرث الارض لمطالبات ولربما اعتداءات لاحقة قادمة ما دمنا نقرها مع الصداميين ولا ننكرها في وقت ينكرها الشرفاء من أهل العراق ممن يحرجهم اصطفاف البعض منا مع تلك الفرية والكذبة الكبرى.

*****

ان الحقيقة الجلية تظهر ان الملك غازي لم يستند الى حقيقة تاريخية للمطالبة بضم الكويت بل طالب وبتأثير من المفتي امين الحسيني بوحدة عربية تكون العراق هي بروسيا العرب فيها تضم العراق وسورية وضمنها لبنان الكبير والاردن وفلسطين والكويت، اما نوري السعيد فقد طلب من بريطانيا العظمى ان ترفع سمو الشيخ عبدالله السالم الى رتبة ملك وتمنحه الاستقلال تمهيدا لقيام وحدة بين ثلاثة ملوك هم ملوك الكويت والعراق والاردن اي اتحاد ثلاث دول مستقلة ومن ثم لا توجد مطالبة ضم او تبعية للعراق.

*****

ومع عبدالكريم قاسم فقضية عدم التبعية اجل واوضح حيث استقبل قاسم سمو الشيخ عبدالله السالم في المطار كحاكم دولة عام 1958 وليس كشيخ لقائمقامية قضاء الكويت واستمر تعامله مع الكويت كدولة حتى اسبوع واحد فقط من مطالبته عام 1961 التي كانت بتأثير من الاتحاد السوفييتي بقصد احراج عدوهم الرئيس عبدالناصر، والأمر كذلك مع الطاغية صدام الذي استقبل سمو الشيخ جابر الأحمد كحاكم الكويت المستقلة قبل شهرين فقط من الغزو الغاشم الذي بدأه بأكذوبة الانقلاب العسكري وتبعه بأكذوبة التبعية والضم، والسؤال: هل من مصلحة الشعب الكويتي ان يصطف مع الصداميين بدعواهم ان هناك مطالبة شعبية عراقية بالكويت؟ ام نقول عكس ذلك مستشهدين بالحقائق التاريخية الثابتة ومن ضمنها أنه لا يوجد حزب عراقي واحد في العهود الملكية او الجمهورية وضع ضمن اجنداته او «المانيفستو» الخاص به المطالبة بالكويت، كما لا يوجد في الشعر العراقي و«بوذياته» الحزينة ما يعكس مطالبة شعبية عراقية بالكويت فلماذا نسعى لخلق إشكال من عدم؟!

*****

آخر محطة:

1ـ نكتب تلك الحقائق خدمة للكويت في اعيادها الوطنية وردا على كاتب خط مقالا بالامس لم يسألنا عما قلناه في اجتماع عام بل استند الى ما ادعى ان احد الاخوة العراقيين الافاضل قد نسبه لنا فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه كما قال الامام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

2ـ لا احد يزايد علينا في تصدينا لصدام وفيالقه الاعلامية خلال سنوات طوال والتي يعلم بها الشعب الكويتي قاطبة وندعو الكاتب المعني الى ان يشرح لنا ولشعب الكويت ما فعله هو تحديدا تصديا لصدام وفيالقه خلال تلك السنوات؟!

3ـ هل نذكر ذلك الكاتب كيف كافأنا على توسطنا ـ دون غيرنا من زملائه ـ لإعادته للصحيفة التي كان يكتب بها بعد توقيفه عن الكتابة بها وما قاله مسؤولها عن سبب التوقيف ثم هجومه في اول مقالاته اللاحقة التي كان يرسلها بالفاكس على من توسط له.. كفو!

4ـ يمكن للكويت ان تستبدل مداخيل النفط وعوائد الاستثمارات الناضبة بتصدير فوائض الحقد والحسد ونكران الجميل لباقي ارجاء المعمورة قاطبة وهي ثروات متجددة تنبع من بعض النفوس والقلوب مع اشراقة كل صباح!

حسن العيسى

البصق في بئر العرب

لا أفهم العلاقة بين الفيتو الروسي ضد فرض العقوبات على سورية والبصق في الماء، فالسفير الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين بعد أن نفى انتقاد روسيا للحكومة القطرية في دعمها للشعب السوري، عاد وحذر العرب من البصق في بئر يشربون منها. ربما السفير غير ملم ببعض البدع الاجتماعية العربية المتخلفة، ففي الكويت وربما في كثير من دولنا العربية في أيام زمان ينصحون المريض بشرب ماء من كوب بصق فيه أو نفخ عليه شيخ دين بعد أن يقرأ بعض الأدعية وهو يمعن النظر في الكوب الشافي! فهل يقصد السفير الروسي أن غالبية الدول العربية الداعية إلى إزاحة بشار يبصقون في بئرهم التي يشربون منها، فبشار هو البئر ومن يبصق فيه الآن الحركات الدينية القبائلية (القبائلية  تشمل الطائفية) التي تقود ثورات العرب أو تركب أمواجها. إذا تركنا الحديث عن المصالح الروسية في استمرار النظام الرهيب في سورية جانباً، وأن روسيا لدغت من جحر ليبيا مرة حين تركت قوات الأطلسي تزيح نظام القذافي وقبله صدام، ولا تريد تلك الدولة العظمى أن تلدغ من ذات الجحر مرتين، فقد يكون لروسيا وجهة نظر بعيدة عن مستقبل الربيع العربي (السلفي)، فهي ترى اليوم ان الغرب ومن يواليه في الأنظمة العربية قد وصل إلى قناعة تقول لنتحالف مع الجماعات الدينية طالما يصلنا البترول بانتظام ويد الإرهاب الجهادي بعيدة عنا، فالشعوب العربية زهدت أنظمة قمعية لا تبصق في آبار مياه شعوبها بل تغسل خلفيتها منها بعد قضاء حاجتها الطبيعية، أما عن احتمال الحروب الأهلية وفتيلها القبليات الطائفية وعودة ميمونة لسنوات داحس والغبراء الجاهلية، فليست ذات شأن عند الغرب، فإذا كان هذا ما يريده العرب فهم وشأنهم. أما روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي فلا ترى مثل هذا الرأي، فسورية على علل نظامها المرعب تبقى القلعة الأخيرة لصمود نظام شبه علماني موغل في الاستبداد، وقلع هذا النظام بالتدخل الخارجي يعني إقامة المذابح للأقليات السورية، ففي هذا البلد  يوجد 46 أقلية عرقية ودينية من علويين ومسيحيين وأرمن وأكراد وغيرهم يشكلون ثلث الشعب السوري قد يصيرون ضحية انتصار الأغلبية السنية، وأن الإطاحة بنظام بشار بالقوة الأجنبية يعني فتح جرة “وليس صندوق” بندورا للشرور في كل المنطقة دون استثناء، فسورية وليست مصر هي الحالة النموذجية للموزاييك العربي البشع في تركيباته القبلية والطائفية، والأمور لن تصل لبلقنة (من البلقان)، وإنما لصوملتها (الصومال) أو عرقنتها (العراق) او يمننتها (اليمن) والحساب مفتوح لسيادة الحروب القبائلية والمذهبية لأجل غير معلوم. المؤكد الآن أنه لا يوجد حل عسكري للمأساة السورية، فكلاشنكوفات الجيش السوري الحر لن تخترق دبابات الجيش النظامي السوري، وبقاء النظام على استبداده أيضا سيقود سورية إلى حرب أهلية ممتدة، وهذا يعني المزيد من المعاناة للشعب السوري، فهل أغلقت كل سبل الحلول الوسط السياسية! يذكر الباحث سمير خلف في كتاب لبنان في مدار العنف ناقلاً عن جيرار “… المظالم ومشاعر الغضب المتراكمة إذا لم يعمل على تهدئتها أو إزالتها تصبح عرضة للاقتصاص من جهات لا علاقة لها بالمنابع الأصلية التي انطلقت منها…” فهل نفكر قليلاً في ما قاله هذا الباحث؟!

احمد الصراف

«سستر» وجيهة

التقيت بوجيهة قبل 5 أو 6 سنوات تقريبا، كان ذلك اثناء انشغالي مع وبجماعة «براهما كوماري» الهندية، التي أصبحت لفترة لصيقا بها، ولا أزال أكن للمنتمين لها والعاملين بها كل محبة واحترام، بعد ان تشبعت من جميل افكارهم ما كان بمقدوري تقبله. ولو وجدت كلمة يمكن أن أصف بها «وجيهة الحبيب» التي تركتنا قبل ايام بكل محبة الى الأبد، لتنافست كلمتا «الهدوء والتسامح» في وصفها، فقد كانت تأكل بهدوء وتشرب بهدوء وتتحدث وتناقش بهدوء، وتصلي صلاتها بهدوء، وتختلف معك بهدوء، ولا تسمع، أو حتى لا تتخيل سماع شيء يسيء لأحد، فتسامحها كان مضرب المثل، وهدوؤها كان يمتص كل القضايا والمشاكل التي كانت تواجهها هي و«جماعتها»، وهم في خضم الاستعداد لهذا الحفل أو تلك الخلوة، داخل الكويت او خارجها. وبالرغم من النهر الصغير الذي كان يفصلني فكريا عنها، ويجعلنا نختلف أحيانا، والذي تحول مع الوقت الى محيط، فإنها بقيت أكثر من لطيفة، الى درجة الروعة، معي، ولا أعتقد أنها كانت تبتغي شيئا مني، وحتما لم تكن تتصنع التسامح في نقاشها ولا الهدوء في تقبل اختلافي معها.
ومن واقع معرفتي أعلم أن وجيهة الحبيب، التي فارقتنا في مبكر عمرها الخلاق، قد أثرت في حياة الكثيرين ممن استمعوا لها محاضرة وأختاً ومترجمة ومربية، وهي تناقش وتتكلم في قضايا المحبة وقبول الآخر، وأعلم أن «نفسها» وكلمتها الهادئة قد لامستا شغاف قلوب الكثيرين، وخاصة الذين كانوا بحاجة لسماع ما يريح ويطمئن، فقد كانت حاضرة دائما، بالرغم من كل ما كانت تعانيه من آلام، ولا أعتقد أن شيئا ساعدها في تخطي هول اللحظات الأخيرة من حياتها أكثر من ايمانها بأن محبتها في قلوب الكثيرين ستساعدها في عودة «روحها» لهذه الحياة بشكل او بآخر.
سلام عليك يا سيدتي يا من كنت أختا وأما وشقيقة وصديقة للكثيرين من دون جهد ولا منة ولا عناء، وأن كنت رحلت عن دنيانا فإن محبتك لم تتركنا، فهي باقية ما بقيت ذكراك.
***
ملاحظة: اليوم (الخميس 23 فبراير الجاري)، من 7 الى 9 مساء، يقيم «مركز التأمل» تجمعا في فندق «جي دبليو ماريوت»، للتحدث عن المرحومة وجيهة الحبيب ودورها الايجابي في حياة الكثيرين. وقد فاضت قريحة الصديق عبدالمحسن مظفر بالأبيات الشعرية التالية:
«اني حزين على انسانةٍ
رحلت عن دارنا لديار الخلد والنعم
انسانةٍ صدقت فيما تقدمه للناس من حولها باللطف والكرم.
وجيهةٍ في محياها وطلعتها
حبيبةٍ لذوي الآمال والهمم.».

أحمد الصراف