مبارك الدويلة

أغلبية عاقلة

تحرّك الأغلبية في مجلس الأمة لوأد الاستجواب المزمع تقديمه من النائب د. عبيد الوسمي طمأن كثيرين الى ان هذا المجلس فيه أغلبية واعية وناضجة، فسرعة اعلان النائب الصواغ رفضه لهذا الاستجواب وهو يخطب امام جماهير قبيلة مطير وعلى المنصة نفسها التي أعلن منها د. الوسمي نيته تقديم الاستجواب، هذا التحرك السريع والجريء والعقلاني من النائب الصواغ عجّل بوأد هذا التصرف في مهده.
كذلك مبادرة نائبي الحركة الدستورية الاسلامية (الحربش والدلال)، بإعلان موقف مماثل في الليلة نفسها كان لها أثر في تشجيع بقية نواب كتلة الأغلبية على رفض هذا الاستجواب. اللافت للنظر هو تأييد نواب الدائرة الأولى (القلاف والدويسان ودشتي) بالإضافة الى الجويهل لاستجواب الوسمي! وهذا دليل على ان الأمر عندهم ليس إلا ردات فعل وتصفية حسابات.
بقي ان أقول رداً على من يربط توقيت تقديم الاستجواب باستجواب سابق تقدم به البعض في أول جلسة افتتاحية، متجاهلاً الفرق الواضح بين الظرفين! ففي ذلك الاستجواب جاءت حكومة بالحكومة السابقة نفسها وبالنهج نفسه والرئيس نفسه، بينما الوضع في هذا المجلس يختلف تماماً.
هذا التصرف العاقل للاغلبية في هذا المجلس يؤكد ان الناس في الكويت اختاروا من يرونه يعمل لمصلحة الكويت وأمنها واستقرارها، هؤلاء الناس الذين صوتوا لهؤلاء النواب يرون في تطبيق مبادئ الاسلام ومفاهيم الشريعة مخرجاً لكل مشاكلهم، هؤلاء الناس يرون في كلمة رئيس السن عندما دعا الى العمل ــــ وفقا للقوانين والدستور ــــ على الغاء النظام الربوي واستبداله بالنظام المصرفي الإسلامي، يرون فيها كلمة تعبر عمّا يجول في خاطرهم لما شاهدوه على أرض الواقع من نجاح لهذا النظام ولما شاهدوا من آثار سلبية على الفرد بالنسبة للنظام الربوي.
بعض الزملاء الذين ما زالوا لم يفيقوا من صدمة نتائج الانتخابات الأخيرة استمروا في هذيانهم واصيبوا بالهلوسة وهم يتمتمون بعبارات ملّها الناس وأعلنوا رفضهم لها، فها هم يمارسون أسلوب الانتقائية في استدلالاتهم! خذ مثلا النائب اسامة المناور عندما أعلن احترامه للدستور ونيته التقدم ــــ وفقا للدستور ــــ بالمطالبة بوقف انشاء كنيسة في جليب الشيوخ (أغلبية بنغالية مسلمة)! فلم يكن من هؤلاء الزملاء الا التعليق على رأي لم يتفوه به النائب المناور ولم يدعُ اليه وهو هدم الكنائس الموجودة! والبعض الآخر من هؤلاء يتباكى على حرمان النصارى الهنود وغيرهم من بناء كنائس لهم ولم نسمع عنهم يوماً واحداً تباكيهم على هدم مساجد للمسلمين في روسيا وأوروبا ومنع بناء المآذن.
بعض هؤلاء الزملاء يتغنى بالديموقراطية الفرنسية ويمتدح النظام الدستوري في فرنسا ويتناسى ان فرنسا منعت النقاب وسجنت حرائر المسلمين بسبب نوع اللباس، ولو حدث مثل هذا في بلدان المسلمين لحولوا صحفنا مآتم.
ختاماً أقول: هذا اختيار الناس.. رضيتم أم أبيتم، وعليكم التعايش معه، وليتكم تمارسون أسلوب النصح والارشاد بدلاً من الافتراء والتهويل والدعاء بالويل والثبور وعظائم الأمور.

احمد الصراف

كيف نعكس الاتجاه؟

من المؤكد ان نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة كانت مفاجأة للكثيرين، ولكنها كانت برأيي نتاجاً طبيعياً لسنوات من «القهر التعليمي» الذي صب لأربعة عقود في اتجاه واحد، ليأتي بنا لهذا الوضع البائس. ولا اعتقد ان السلطة، بما عرف عنها من تسامح ديني، وميل للانفتاح، سعيدة بهذه النتائج، وهي تعلم انه ليس بامكانها تغيير الوضع في المستقبل القريب بقرارات رسمية، وحتى بغير ذلك بفترة زمنية قصيرة، وليس أمامنا، أو امامها غير اتباع ما اتبعته تلك القوى للوصول الى ما وصلت اليه، وان باتجاه معاكس، أي عبر المناهج الدراسية، و«إعادة» تشكيل العقلية الكويتية، المنفتحة اساسا، والتي جعلتها المناهج اكثر انغلاقا ورفضا للآخر، وميلا لقبليتها وطائفيتها! علما بانه كان بالامكان تجنب الوصول لهذه المخرجات الانتخابية السيئة في اغلبها لو كان «مستشارونا» يقرأون! فما مرت به الكويت، والكثير من دول الربيع العربي، سبق ان مرت به ليبراليات أوروبية عريقة، وتعلمت من تجاربها ان تغيير العقليات، ومحاربة الكنيسة، ليسا بالأمر الهين، وهنا نرى انه ليس امام السلطة، وليس الحكومة، ان ارادت اصلاح الاوضاع ووقف تكرار وصول المتشددين والغلاة لسدة التشريع، غير اتباع الأمرين التاليين، علما بانه لا مجال للمقارنة بين امكانات وقوة التيار الديني بامكانات التيارات الليبرالية (ان وجدت)، المادية والتنظيمية:
أولا: إحداث نقلة نوعية في المناهج الدراسية، تعيد المواطن المختطف قبليا ومذهبيا لوطنه.
ثانيا: دعم وتنمية مؤسسات المجتمع المدني، وفتح المجال لتأسيس تنظيمات أكثر ليبرالية، ودعمها ماديا في مواجهة جمعيات دينية يعود تاريخ البعض منها لأكثر من 60 عاما، وبتصرفها شبكة اخطبوطية من المصالح المادية والتجارية.
ومن دون ذلك فان التيار الديني سيزيد من قوته مع الوقت، وسيعود كل مرة بزخم أكبر، وحينها لن يتوقف طموحها عند تعديل المادة الثانية من الدستور بل ستتعداها لما هو أكبر واخطر!

***

• ملاحظة:
ألا يعني فشل التيار الليبرالي في ايصال مرشحيه للبرلمان فشلها؟ وإن صح ذلك، وهو صحيح، فلم لم يعترف احد بهذا الفشل، او يستقل، ولو صوريا، لافساح المجال لدماء جديدة؟

أحمد الصراف

www.kalamanas.com