سامي النصف

حكومة النزاهة القادمة

أعتقد أن القيادة السياسية قد قرأت بشكل صحيح ودقيق نتائج الانتخابات النيابية التي قامت على معطى مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية، لذا عمدت الى دعم قوانين النزاهة والذمة المالية واختيار وزراء دولة اشتهروا بمحاربتهم للفساد، مما يحوجنا لطلب إعطائهم الفرصة كاملة للإصلاح بعيدا عن تأزيمات المنافع والمكاسب الهادفة للتكسب المالي والشخصي غير المشروع.

****

والواجب أن يقابل مجلس الأمة هذا التوجه بتوجه «حقيقي» لمكافحة الفساد عبر إقرار إنشاء لجان قيم تحد من الفساد التشريعي الذي ازكم الأنوف ومعها العمل على الحد من تحويل أداة الاستجواب الى أداة ابتزاز وإفساد واستقصاد للأكفاء والنزهاء من الوزراء وذلك عبر تغيير اللوائح ليعطى مكتب المجلس دورا في النظر في صحة الاستجوابات من الناحية القانونية وعدم كيديتها، ولزوم توجيه الاستجواب للجهة المقصرة لا إرسالها بشكل استقصادي للوزير الخطأ او لرئيس مجلس الوزراء في اعمال هي من مسؤولية الوزراء الآخرين في مخالفة مباشرة لأحكام الدستور وحكم المحكمة الدستورية ورغبات الآباء المؤسسين.

****

ونرجو أن يبقى في الوزارة القادمة وزراء أثبتوا كفاءتهم وقدرتهم وأمانتهم في الوزارة السابقة، فالتغيير ليس مطلوبا لذاته بل كوسيلة لمحاسبة المقصر فقط، والاستقرار الوزاري هو احد اهم اسس التقدم ومحاولة اللحاق بركب الدول المجاورة، كما يجب ان تتوقف توازيا عملية دعم بعض النواب لعمليات الفساد الاداري في الوزارات والمؤسسات والشركات الحكومية عبر دعمهم المعتاد لغير الأكفاء وغير الأمناء من القيادات الإدارية كونهم فقط من قراباتهم أو ابناء دوائرهم أو لتسريبهم اوراق واسرار الوزارات والمؤسسات لهم.

****

ان رغبة الناس في الإصلاح ومحاربة الفساد المالي والإداري يجب أن تترجم الى تغيير جذري وفوري في اعمال وقيادات الوزارات والمؤسسات والشركات الحكومية منعا للتذمر العام القائم والذي احد اهم اسبابه حقيقة ما يلحظه المواطن من ان ما ينجز في ساعة بالدول المجاورة يحتاج الى اسابيع واشهر في الكويت بسبب التشريعات المعقدة والبيروقراطية المسببة للفساد، وعدم قيام الوزراء والوكلاء بالنزول يوميا ولو لنصف ساعة فقط لطوابق واماكن العمل ومقابلة المراجعين وسماع شكاواهم الموجعة التي تنتهي بحالة تذمر واحباط عامة تدفعهم لانتخاب اشد المعارضين للحكومة كرد فعل متوارث على ما تفعله الدوائر الحكومية غير الكفؤة بهم.

****

وقد حضرت قبل مدة قصيرة حفل توزيع جوائز التكنولوجيا وتقنية المعلومات لدول مجلس التعاون والتي حصدت اغلبيتها في القطاعات المختلفة (صحة، تعليم، مرور.. إلخ) وزارات ومؤسسات خليجية قاربت الكمال في اعمالها، لذا نقترح على سمو رئيس مجلس الوزراء ان يطلب من كل وزارة ان يكون هدفها خلال الاربع سنوات القادمة ان تصل الى مستوى مثيلتها في دول الخليج عبر الاتصال والاستفادة المباشرة منها، اي وزارة الصحة تتصل وتقتدي بوزارة الصحة في دبي التي حصدت جائزة التقدم في مجال الصحة، وبالمثل الوزارات والمؤسسات الأخرى، فقد اصبحت انظمة دول الخليج تقارب في كمالها ارقى وافضل الانظمة في العالم، لذا لا حاجة لأن نذهب شرقا الى سنغافورة او غربا الى بريطانيا واميركا للبحث عن المساعدة بأعلى الأثمان، فالأشقاء في الخليج لن يضنوا أو يبخلوا علينا إذا ما تواضعنا قليلا وطلبنا منهم ما نريد كما طلبوا منا سابقا المساعدة والدعم.

****

آخر محطة: أقترح على سمو رئيس مجلس الوزراء ان يرسل «كشافين» للوزارات والمؤسسات المختلفة ليقدموا له تقارير مختصرة مباشرة ودقيقة عن حسن او سوء اداء القائمين عليها كي يتم اما شكرهم وتثبيتهم او لومهم وإقالتهم.

احمد الصراف

كيف يعيش فقراؤنا؟

تقول طبيبة عراقية في رسالة مؤثرة لصديق، إنها بكت كثيرا، وهي تشاهد موت يتيمة معاقة عقليا من نزلاء دار أيتام، نتيجة سوء تغذية وفقر دم في محيط مملوء بالثراء المادي والغذائي، وفي دار لا تبعد كثيرا عن جامع معروف يصلي فيه الآلاف أسبوعيا، ومن بينهم أعضاء في مجلس النواب، وكثير من أغنياء العراق، وتقول إنه ليس غريبا ان يموت فقراء العرب من الجوع والفقر، فذلك جزء من ارث امة حكمها، بعد الراشدين، أكثر من مائة «حاكم» من أمويين وعباسيين وغيرهم وصولا إلى العثمانيين، الذين انتهت بهم، بعد ان استمر عهد كل هؤلاء لأكثر من 1250 عاما، لم نقرأ أو نسمع فيها عن واحد أقام العدل وأنصف الفقراء، ربما غير عمر بن عبدالعزيز، وحتى هذا لم يدم حكمه طويلا! وعندما اقتحم هولاكو بغداد المعتصم وجد في قصوره غرفا مملوءة بالمجوهرات، وعددا لا يحصى من الجواري والغلمان، وأن هذا «الخليفة» لم يصرف شيئا من أمواله على تسليح واطعام جيشه والفقراء! وتقول الطبيبة العراقية إننا لو نظرنا إلى واقع وحال كثير من الأماكن الدينية، الأكثر تقديرا واحتراما، وخاصة في الدول الاسلامية لوجدنا أن غالبيتها يحيط بها حزام فقر واضح. كما نجد أن أي جهة تقدم العون لهؤلاء تحصر عونها في أتباع مذهبها أو دينها، وهذا عكس ما يحدث مثلا في كنائس الغرب، ومعابد جنوب شرق آسيا مثلا، التي يسمح للجميع بدخولها والانتفاع من خدماتها من دون تمييز او تفرقة! وقد ذكرني كلام هذه الطبيبة، بقصة ذلك البحريني الذي قبض عليه في الكويت قبل فترة «متلبسا» بجريمة الصلاة في مسجد غير مسجد أتباع مذهبه، وكيف ضرب الرجل من قبل المصلين، وكيف رحل خلال ساعات الى الخارج!
ولو عصرنا فكرنا لما وجدنا جامعا أو كنيسة في بلداننا عرف عنها توزيع المعونات للفقراء، من دون التدقيق المسبق بدين طالبي العون ومذهبهم، وهذا أيضا عكس ما نشاهده في أماكن كثيرة أخرى، وربما يكون الاستثناء الوحيد هو مآدب رمضان، التي لا يسأل فيها عادة عن ديانة من يرتادها، ولو أنني أشك في أن غير المسلمين لديهم الجرأة على الاقتراب منها. كما لو بحثنا لما وجدنا أي مستشفى خاص في كل الدول العربية يرضى بتقديم العلاج للمضطر والمحتاج، علما، ان عددا كبيرا منها مملوك لمؤسسات خيرية ومالية اسلامية معروفة، وهذا طبعا يتناقض تماما مع ما يصرف على تمويل ومساندة الارهاب، والذي يكفي نصفه لتحسين دخل ملايين المسلمين وتغيير معيشتهم الى الأفضل.
وتنكر الطبيبة وجود ثري عربي واحد، وما أكثرهم، تبرع أو أوصى بالتبرع بغالبية أمواله لخير البشرية، مثل «الكافر» بيل غيتس، أو أن أحداً من اثريائنا أو مشاهيرنا أنفق على الخير والتعليم مثل ما فعلت اوبرا وينفري، وعشرات غيرها من فنانين ورجال أعمال. وبالرغم من أن خطباء مساجدنا بارعون في وصف زهد السلف الصالح والأئمة وكرمهم، فاننا نجد أنهم يعيشون عيشة ترف متناهية، كما ظهر من مقابلات تلفزيونية أجريت مع بعضهم، عندما زارت الكاميرات بيوتهم، وبينت بذخ معيشتهم!

أحمد الصراف