حسن العيسى

نواب النكاية وصكوك الوطنية

الذين تجمعوا في ساحة الإرادة وخطبوا وهتفوا ضد حكومة الشيخ ناصر المحمد وأدانوا الإيداعات المليونية لحسابات بعض النواب أو “رشوتهم” من مصدر “غير مجهول”، هم الذين فازوا بالانتخابات أو على الأقل نجح الكثير منهم من دون تسمية. أما نواب العمل الوطني، فقد كانوا “متخاذلين” في مواقفهم من الحكومة السابقة، ولم يكونوا حاسمين في إدانتها، وتم عقابهم من الشعب وحرموا من كراسي النيابة! مثل هذا التفسير أو التصور يتبناه الكثيرون، وفيه بعض الصدق وليس كل الصدق، فمثل هذا الفكر يختزل المواقف الوطنية في تجمعات ساحة الإرادة وينفي ضمناً كل المواقف الوطنية الأخرى في الرقابة على السلطة التنفيذية ومحاسبتها.  القول بوطنية عدد من رموز ساحة الإرادة مثل مسلم البراك وأحمد السعدون وعبدالرحمن العنجري مسألة لا يختلف فيها الكثيرون، لكن إطلاق وتعميم مثل هذه الرؤية لا يمكن قبوله، فلا ينتقص من وطنية صالح الملا أو أسيل العوضي على سبيل المثال ان لم يتواجدا في اعتصامات ساحة الإرادة في كل الأحوال، ولا تضفي تجمعات الساحة الوطنية على غيرهم، فما أكثر أمراء المزايدات الشعبية الذين كانوا في تجمعات ساحة الإرادة، وما أكثر الراغبين في التألق السياسي وتمهيد الطريق للمجلس أيضا ممن كانوا في تجمعات الإرادة، بينما عمل نواب العمل الوطني بصمت في كشف أصل وحقيقة الإيداعات المليونية، واقترحوا تشكيل لجنة للتحقيق فيها، وكان يمكن (مجرد احتمال) أن ينتهي عمل اللجنة بالكشف عن “المصدر المجهول” لتلك الإيداعات، وعندها يمكن تبرئة أو إدانة أيٍّ من المشتبه فيهم، لكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن. لم تكن “القضية الوطنية” هي معيار النجاح أو السقوط في الانتخابات، بل كانت وستظل “الشعبوية” هي المعيار الفاصل في نتائج المعارك الانتخابية، وبمثل ذلك الوعي القاصر وصل إلى المجلس نواب لا يمكن وصفهم بغير كونهم نواب النكاية، بمعنى أنه تم انتخابهم من باب “ليس حباً في علي بل كرهاً في معاوية”، فنجح بعض من هم أبعد الناس عن الوطنيات والحرص على المال العام، بينما لم يوفق المخلصون والأمناء.  انتهت الانتخابات بفرز عنصري وطائفي حاد، وإن لم تكن جديدة على المجتمع الكويتي هيمنة الروح العنصرية والطائفية، إلا أن هذه المرة وبفعل الظروف المحيطة بالدولة وغياب الرؤية التاريخي عند أصحاب القرار، مع ما صاحبه من نزق بعض الطامحين في الحكم من أبناء الأسرة الحاكمة أصبح الاستقطاب العنصري (حضراً وأبناء قبائل) والطائفي (شيعة وسنة) من سمات المجتمع الكويتي اليوم، وهنا الخطر الكبير الذي يهدد وجود الدولة. فلننتبه ولنقل إننا لسنا بحاجة إلى غزو صدامي آخر كي نشعر بوحدة الهوية الوطنية.

احمد الصراف

وماذا بعد صدور الحكم؟

قبل 5 سنوات تقريبا قام محاسب مصري يعمل في جمعية إعانة المرضى، التابعة سياسيا وتنظيميا لحزب ديني، بسلب 14 مليون دولار تقريبا من الحساب المصري للجمعية «الخيرية»، ولم يكتشف مجلس إدارة الجمعية عملية الاختلاس إلا بعد أن اكتفى المحاسب بما سلب، وهرب لوطنه! ثارت الفضيحة ولكن أحدا من مسؤولي الجمعية لم يشعر بأي تأنيب ضمير أو تقصير، ولم يصدر عن الجمعية اي بيان اعتذار، وكل ما قالته انها سوف تلاحق المختلس وتعيده ليحاكم، ولم يتحقق ذلك بالطبع! كما لم تستطع وزارة الشؤون، التي نكن لوكيلها ولمدير ومراقب الجمعيات فيها كل احترام، فعل شيء حتى الآن، ربما لأن ما سرق من مال «لا صاحب له»! أو ربما لأن أموال الجمعية من الضخامة بحيث لم يشكل المبلغ المختلس ما يستحق الزعل عليه. والغريب أن مجلس إدارة الجمعية لم يكتف بالبقاء، وكأن شيئا لم يكن، ولم يستح من فشله في الوفاء بوعده بإعادة الجاني، بل قام برفع دعوى مدنية ضد البنك الذي كان يتعامل معه، و63 موظفا فيه، مطالبا إياهم بما اختلسه محاسبهم! ولم يصعب على محامي البنك بالطبع تفنيد دعواهم، واقناع المحكمة برفض القضية لانقطاع علاقة السببية بين الخطأ المنسوب إلى البنك وبين الضرر الذي أصاب الجمعية المدعية، كما دفع الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة، إضافة إلى الدفع بعدم أحقية المدعية بمطالبة المدعى عليهم بالتعويض. وتضمن الحكم ما يفيد بمسؤولية إدارة الجمعية عن حادثة السرقة، لما أعطته للمحاسب من صلاحيات، ودفاتر شيكات، وحق إجراء التحويلات الخاصة بحسابات الجمعية، وهو ما ثبت من اقوال «إدارة الخبراء»، وبالتالي لم يثبت وجود تواطؤ بين موظفي البنك وبين المتهم الهارب. كما أن البنك كان يقوم بإرسال كشوف الحساب للجمعية شهرياً، وكان يفترض بمجلس إدارة الجمعية معرفة حقيقة ارصدتهم ولو مرة في السنة، ولو تم ذلك لاكتشفت الاختلاسات في مرحلة مبكرة، وليس بعد أربع سنوات!
وواضح من حيثيات الحكم أيضا أن المحكمة حملت مجلس إدارة الجمعية المسؤولية، فكيف يمكن تصديق أن محاسبا يستطيع، على مدى 1500 يوم، اختلاس ما يقارب 14 مليون دولار من دون أن ينكشف أمره؟ وما الذي دفع المحاسب لأن يأخذ «راحته» ويسرق ما يريد على مدى 4 سنوات، غير قناعته بضعف قدرات مجلس إدارة الجمعية، وعجزه عن معرفة ما يحدث فيها، لكي لا نقول بتواطئه مع المتهم؟!
وهنا، وبعد صدور هذا الحكم ليس أمام أعضاء مجلس إدارة الجمعية غير التحلي بالمسؤولية والاستقالة من مناصبهم، بعد ثبوت تقصيرهم، ماديا وادبيا، وتسبب إهمالهم في خسارة الجمعية لمبلغ كبير. وان ترددوا في ذلك فما على وزارة الشؤون غير إجبارهم على الاستقالة مستندة إلى حيثيات حكم المحكمة الأخير!

أحمد الصراف