علي محمود خاجه

خسرنا

اجتهدنا وعملنا وخسرنا الانتخابات فتقلص عدد ممثلينا في المجلس إلى ما هو أقل من القليل، واستوطنت لحى السياسة و”الفرعيون” والطائفيون من المذهبين في المجلس. تلك هي الديمقراطية، وهذا هو اختيار الناس باستثناء “الفرعيين” طبعاً، فهم ليسوا اختيار الشعب بل هم مزورون لإرادة الأمة.
ولأنها الديمقراطية فإني أقبل بها، ولو أن مخرجاتها تخالفني ولا تمثلني، ولكني قطعاً لن أقتحم أو أحرق أو أكسر أو أشتم في سبيل تغييرها، بل سأمارس دوري طوال سنوات المجلس أو أيامه في كشف تعدياتهم على الدستور إن تعدوا، ومعالجة أسباب خسارة تياري الوطني المدني المخلص ذي المبدأ.
ويبقى السؤال الملح على عقلي منذ بدء الانتخابات إلى اليوم هل أخطأ التيار المدني في سلوكه ومنحاه في الفترة الماضية كي تحجب عنه ثقة الكثيرين؟ والإجابة نعم أخطأ، ولكن قبل الشروع في مناقشة خطئهم لابد أن أشير إلى عقلية أغلبية من شارك في التصويت من أهل الكويت اليوم والنتائج قطعاً تعكس العقليات.
العقلية التي سادت هي المذهب أو القبيلة أولاً، وثانياً المعارضة بعقل أو دون عقل لا يهم فالمهم المعارضة، أو الموالاة بعقل أو دون عقل أيضاً لا يهم… فالمهم الموالاة، ولنا في المخرجات أمثلة؛ مدانٌ أكثر من مرة بالنصب والاحتيال لكنه فاز لتطرفه، وآخر متهم بتضخم الحسابات لكنه أيضاً فاز وهو الوحيد من المتهمين الذي فاز بالانتخابات بالمناسبة، وتيار وقف ضد الكويت في الغزو، رحم الله سعود الناصر الذي كشف ألاعيبهم، لكن الكويتيين اختاروهم، وآخر لم يقف للعلم فحظي بعدد هائل من الأصوات، وموالون للحكومة السابقة بخيرها وشرها انتخبهم الناس، ومعارضون للحكومة السابقة بخيرها وشرها وفازوا كذلك.
هكذا كان الاختيار الشيعي لا يعطي السنّي والعكس صحيح، والقبلي لا يعطي الحضري والعكس صحيح، تلك كانت أصوات أغلبية الناخبين ممن شاركوا في التصويت ولا يمكنهم إنكار ذلك فالأرقام تتحدث.
أما تيار المبدأ الذي وقف مع الحق أينما كان فرفض وذكّر، كما رفض ياسر الحبيب، وطالب بدخول الفالي كما طالب بدخول العريفي، وأدان “الاقتحام” كما أدان “الإيداعات”، وتصدى لمن يشتم القبائل كما تصدى لمن يشتم أي مكون آخر من مكونات المجتمع، هو الوحيد الذي خسر الانتخابات.
ولكنه أخطأ في خجله أحياناً في إعلان مواقفه بصراحة وبسرعة، وهو ما يحتاج إلى عمل الكثير لإعادة الدور السابق الذي لا يخجل من الحق، فالشيعي بات يعتقد أنه لا أحد معه سوى أبناء طائفته، والسني كذلك، والقبلي كذلك، وهو أمر غير صحيح إطلاقاً، فالتيار المدني التزم بمبدأه ولكن صوته كان خافتاً بالمقارنة مع البقية.
إننا اليوم مطالبون كتيار بأن نكون صرحاء في مواقفنا وبأعلى صوت دون التخوف من أن نخسر أحداً، فقد خسرنا الانتخابات وكسب كثير من المتطرفين، ولا يوجد شيء نخسره أكثر، لا للحسابات السياسية ولا للمواءمة وغيرها من الأمور بل الصراحة والجرأة ولا شيء سواهما.

احمد الصراف

الرقي والإنسانية

سبق ان تطرقنا قبل عشر سنوات تقريبا لموضوع هذا المقال، ونعيد كتابته بعد الترحيب الذي لقيه مقال سبقه عن الدرس الحضاري الذي تعلمته من سيدة إنكليزية!
ما ان أقلعت طائرة الخطوط البريطانية من مطار هيثرو، في طريقها لبوسطن، حتى اقتربت المضيفة من مسافرة وسألتها إن كانت قد فقدت شيئا، فنفت هذه ذلك! عادت لها بعد دقيقتين وكررت السؤال وطلبت منها ان تبحث في حقيبة يدها، وأن المطار على اتصال بكابتن الطائرة بهذا الخصوص، وان الإرسال سينقطع خلال لحظات! هنا بحثت السيدة في حقيبة يدها فتبين أنها فقدت محفظة نقودها، وفيها مبلغ نقدي لا بأس به وبطاقات ائتمان أشياء ثمينة ومهمة أخرى! أسرعت المضيفة لمقصورة القيادة، ورجعت بعدها لتخبرها بأن محفظتها عثرت عليها بائعة محل العطور، التي أبلغت الأمن الذي قام بالبحث عنها، وفي أثنائها أقلعت طائرتها، فاضطروا للاتصال بقائدها، وهو في الجو، ليُعلموا المسافرة بالأمر! لم تنته الحضارة هنا، بل استمرت في دراميتها عندما سألت المضيفة المسافرة، وهي تخبرها بأن محفظتها سترسل مع الرحلة التالية، إن كانت تحمل نقودا معها، أو ان احداً بانتظارها في المطار، فعندما نفت ذلك، قالت لها انها ستعطيها مبلغ 100 دولار نقدا لاجرة التاكسي ولشراء أي ضروريات! وفي اليوم التالي حضر موظف من شركة الطيران لعنوان سكن السيدة، وسلمها محفظتها بكامل ما كان فيها من نقد وأشياء ثمينة أخرى! هنا نجد أن الحضارة ظهرت في أجمل صورها من خلال تصرف بائعة شابة، ربما كانت في أمس الحاجة لما كان في المحفظة من مال، وكان بإمكانها الاستيلاء على المبلغ، أو حتى التأخر في إعلام الأمن، وهي على ثقة بأنها سوف لن ترى يوما وجه من نسيت محفظتها، لتقول لها «شكرا»، إن هي ردتها لها، ولا أعتقد انه طرأ على بالها دين ولون ولغة وجنسية من نسيت المحفظة، وهذا ذكرني بفتوى الداعية السعودي الذي حلل الاستفادة من بطاقات الائتمان المسروقة إن كان مصدرها بنكاً ربوياً! كما تجلت الحضارة في سرعة تصرف أمن المطار وتجشمهم عناء الاتصال بالطائرة هاتفيا، بعد الاستدلال عليها من خلال تفاصيل بطاقة صعود الطائرة التي أبرزتها المسافرة عند الشراء من محل العطور، وأخيرا توجت مضيفة شركة الطيران هذا الرقي والإنسانية في التعامل مع «البشر»، بسؤال المسافرة عن الكيفية التي ستصل فيها إلى بيتها، إن لم يكن لديها أجرة التاكسي وتبرعها بمائة دولار، وهو مبلغ كبير جدا في معناه بالرغم من تواضعه! وهنا يطرح سؤال نفسه طرحا: كم نحتاج لكي نصل لهذا المستوى من الإنسانية والرقي في التعامل مع البشر بصرف النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية؟

***
• ملاحظة: هذا ليس ملخصا لفيلم هندي، فالمسافرة كانت، ولا تزال، زوجتي، وكان ذلك قبل 25 عاما.

أحمد الصراف

www.kalamanas.com