حسن العيسى

سلع للبيع

إذا لم تكن هذه المحسوبية بجسدها وروحها النتنة، فماذا تكون إذن؟! الخبر الذي جاء بالصحافة أن عدداً من الذين رفضتهم إدارة الفتوى رفعوا دعاوى أمام المحكمة الإدارية طالبوا فيها بإلغاء قرار تعيين 22 قانونياً بإدارة الفتوى والتشريع على سند أنهم حصلوا على شهادات من جامعات غير معترف بها من الحكومة وبمعدل أقل من المطلوب! طبعاً، هي الحكومة ذاتها الوصية على روح العدل والمساواة في الدولة، والتي يتنطع أربابها وحواشيهم دائماً بالاستقامة السياسية في إدارة الدولة ورسم "سياستها العامة".
وأياً يكون الرأي الذي ستنتهي إليه المحكمة في تلك الدعاوى، فإن هذا الواقع المخجل يشهد كيف تدير السلطة أمور الدولة، وكيف ينبض بالحياة على أرض الواقع مفهوم "السياسة العامة" لمجلس الوزراء الذي تحصنت سلطاته إزاء مجلس الأمة بعد حكم المحكمة الدستورية الأخير.
المحسوبية هي الواسطة، وهي الفساد يمشي على قدمين، وليت القضية حصرت في جماعة محددة من المجتمع مثل الذين رفضت طلباتهم إدارة الفتوى، أو جماعة أخرى غيرهم لمسوا الظلم باليدين ورفعوا أمرهم إلى القضاء، فعندها سنقول إنها واقعة أو وقائع محددة لا يمكن القياس عليها وسينتهي أمرها حين تطرق أبواب قصر العدل، لكنها ليست كذلك، هي ممارسة عامة للسلطة في جل شؤونها، وهي عرف وأعراف السلطة و"سياساتها العامة".
هي السياسة العامة للسلطة التنفيذية ليست فقط في التعيينات بجهازها الكسلان والمترهل، بل بكل صغيرة وكبيرة في دولة "إن حبتك عيني ما ضامك الدهر"، وما أكثر الذين عشقتهم عيون السلطة، هم من المعارف والمقربين، هم شعراء المديح وكتاب التبرير، وهم الذين لا يتنازلون أبداً عن شعارهم القديم المقدس الذي كان بالأمس تحت عنوان "الشيوخ أبخص"، واليوم بشعار "الحكومة أبخص". فهي أبخص حين تفصل المناقصات والمزايدات على مقاس "ربعها"، وهي "أبخص" حين تعين أقارب ومعارف "اربيعها" في الوظيفة العامة، وهي أبخص حين تشرع كوادر الهدر المالي وحرق المستقبل لجماعتها وتتناسى غيرهم ومن هم أحق، هي حكومة "البخاصة" المسكينة التي لا تعلم (وحسن النية مفترض) كيف قفزت أرصدة نوابها إلى خانة الملايين بين يوم وليلة، وكيف تفجرت منابع الثروة بالأمس ـ وحتى اليوم- فجأة للعارفين بدروب الخير ومسالك الصالحين في أرض النفط وزمن "من سبق لبق".
هل هناك أي أمل بالإصلاح! وهل ستخيم على أحلامنا كوابيس "البوعزيزي" بتعبير "الشال"، ونضع أيدينا على قلوبنا كلما امتد بنا العمر ونظرنا إلى أطفالنا وماذا يخبئ لهم قدرهم في دولة "سيروا على البركة"! الاجابة غير متفائلة، فمادام سعر برميل النفط ظل مرتفعاً فستبقى معه ضمائر الكثيرين سلعاً للبيع  في مزادات السلطة.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *