محمد الوشيحي

خيبر والصليبيخات

من كلمات شاعر إماراتي تغني عزيزة جلال أغنيتها الخالدة، وما أجمل صوت عزيزة وما أحلى العُرَب في حنجرتها وما أنقاها عندما تتجلى فيسبح صوتها في الفضاء بانسيابية مذهلة: "سيّدي يا سيد ساداتي"، ويغني معها العربان، من المخيط إلى الخريط، لحكوماتهم وحكامهم: "راعني وارفق بحالاتي".
حتى في إسرائيل هناك من يغني خلف عزيزة، لكن ليس الشعب بل المسؤولون. والفرق بين العربان والإسرائيليين يكمن في هوية المغني لا أكثر.
وتسأل العربي: "ما رأيك في اليهودي؟" فيجيبك وهو يمسح قفاه من أثر حذاء حكومته: "مهان، جبان، رعديد، غشاش، ووو". طبعاً يقول ذلك دون أن يعلم أن الإسرائيليين من أقل الشعوب تعرضاً للغش والجشع من تجارهم، في حين أنه هو لم يعد يعرف نوع النعال – أجلكم الله – التي تهوي على صدغه، هل هي من التاجر الجشع أم من الحكومة التي لا يساوي عندها جناح بعوضة.
ويتصرف المسؤول العربي في أموال الدولة وكأنها أموال الذين خلفوه، في حين يُحاكم رئيس وزراء إسرائيل وزوجته بعد أن تلقيا هدية عبارة عن تذكرة طيران لرحلة واحدة من إحدى الشركات، ويتم إيقاف تعاقدات الشركة مع الحكومة.
ويشتكي نادل مطعم (جرسون) في تل أبيب أحدَ المسؤولين الإسرائيليين بحجة أنه أهانه، فيحاكَم المسؤول، فيطلب تسوية الأمر، فيرفض الجرسون، فيستجديه المسؤول، فيوافق بشرط تعويضه مالياً بعد أن يعتذر إليه أمام زملائه الجراسين. وتم له ذلك.
وتمسح الحكومات العربية كرامة النواب والمثقفين والمواطنين على الأرصفة،  واسألوا رصيف الصليبيخات، ثم تجرجرهم في المحاكم، ومع ذا يرى العربان أنفسهم شجعاناً أحراراً أما الإسرائيليون فجبناء و"دجاج خيبر".
وفي الأعمال الفنية، مسلسلات وأفلام، تتم عمليات التخدير والتزوير، فبعد أن عجز الفنانون العربان عن إيجاد قصص من عصرنا هذا تتحدث عن الكرامة لجأوا إلى التاريخ، المزوّر في الغالب، فأنتجوا لنا "باب الحارة" و"القبضاي" و"الخرطاي"، وها هم يستعدون لإنتاج مسلسل اسمه "خيبر"، وبالطبع سنشاهد اليهودي في المسلسل منكوش الشعر، يضحك بهعهعة "هاع هاع هاع"، ويمسك فخذة خروف بكلتا يديه وينهشها والزيت يتقاطر منها على فمه وثيابه.
وتحتل الجامعات الإسرائيلية مواقعها في أفضل الجامعات العالمية، ويتنافس أساتذتها في تأليف الكتب الثقافية والعلمية، وتتكدس جامعات العربان في حظيرة التخلف والتراجع. ويحدثنا العميد الركن المصري عبدالمعين، أستاذ الكيمياء، رحمه الله حياً كان أو ميتاً، أثناء مناقشة رسالة البكالوريوس: "اعتمدوا في بحوثكم على المرجع كذا والكتاب كذا والموسوعة كذا" ويضيف متحسراً: "للأسف كلها لعلماء إسرائيليين".
ويتحدث مذيع مصري: "الطالب الجامعي اليهودي يقرأ إلى جانب كتب المقرر زهاء 12 كتاباً في تخصصه"، (أكرر، إلى جانب كتب المقرر الجامعي)، إضافة إلى كتب أخرى في مجالات شتى.
وفي إحصائية سابقة، يصرف البيت العربي 35 مليار دولار على الخدم، وتعتمد المرأة العربية على أكثر من خادمة في البيت (1.7 كما في الإحصائية)، ويكاد يخلو البيت الإسرائيلي من الخدم، رغم أن نسبة الموظفات الإسرائيليات تفوق نسبة الموظفات العربيات بأضعاف مضاعفة.
وتتفوق إسرائيل بمفردها على الدول العربية مجتمعة بخمسة عشر ضعفاً في الإنفاق على البحوث العلمية، بل وتتفوق على فرنسا بجلالة علمها وبحثها.
وتصفق دول العالم وقوفاً لإسرائيل في رعايتها الفائقة للمعاقين، في حين تحشر الكويت معاقيها في منطقة مكتظة بالسكان، وفي مبنى يعجز أبطال الوثب العالي عن الصعود إلى مكاتبه العليا، ويتم تعيين مسؤول المعاقين بناء على ترضية سياسية.
ولو غصنا في المقارنات غرقنا… وبعد كل ذا يفاخر العربي: "نحن قومٌ" و"إني لمن قومٍ"… يا حبيبي "قوووم زين". على أن أكثر من تغضبه هذه النوعية من الحقائق الحادة الصادقة هم قليلو القراءة.
الخلاصة: من المحزن أن تسخر أسماك الزينة من ضعف أسماك القرش.

حسن العيسى

رشوة النفط

قبل شهرين تقريباً كتب المفكر فضل شلق في جريدة السفير مقالاً بعنوان "الإيراد الاجتماعي للنفط"، وتحدث عن فترة السبعينيات -بداية عصر الثروة بعد فوران أسعار النفط- وأذكر من مقاله هذه الفقرة "… في هذه الفترة قمع الفكر والجسد، أو اكتمل القمع، حتى صار كل من يقول كلمة غير مناسبة في كتاب أكاديمي في بلد نفطي أو غير نفطي، غير مرحب به إن لم يوضع في السجون، استعيض عن الفقر الروحي والكبت الجنسي بالاستهلاك الفاقع المفرط والسخيف. في هذه الفترة تم تدجين وتسخيف الوعي العربي، وجعل المذهب الواحد والحزب الواحد بإشراف المذهب الواحد (ولو من بعيد) الأقطار العربية سجناً للعرب، في هذه الفترة صارت رشوة الخصوم هي القاعدة، تم تدجين الجميع وإفساد النخب الثقافية والسياسية وفرض الانضباط على كل من تسول له نفسه الحديث عن مطالب الجماهير، وقضايا التحرر والعروبة…".
خطاب مثير لفضل شلق علق به جل الآفات السياسية والاجتماعية والثقافية على مشجب برميل النفط، البداية كانت منتصف السبعينيات من القرن الماضي، لكنها مستمرة إلى اليوم في دولنا، دولنا الخليجية التي حصَّنت نفسها من الربيع  العربي بالمال، مال النفط أصبح وسيلة لشراء الولاءات وإسكات المعارضة وتدجينها، مع تسطيح وعي الجماهير في قضايا الحريات والديمقراطية والتنمية.
وإذا كان نفطنا نعمة من ناحية البنية التحتية من مدارس وشوارع ومستشفيات… إلخ، فإنه أضحى نقمة في الفكر والأخلاق وقيم العمل. الرشوة في الكويت –ولا أتحدث عن "التبرطل" المليوني لبعض النواب-  تكاد تكون القاعدة، فلا تستطيع أن تنهي معاملة ما بغير دفع المعلوم، هذا إذا لم يكن لك واسطة، والثقافة والفنون انحدرا إلى الحضيض، أين مسرحيات الأمس، وأين صرنا اليوم، استعضنا عنها بقمامات المسلسلات الرمضانية وغير الرمضانية، وحين يقدم مخرج مبدع مثل سليمان البسام عملاً مسرحياً فنياً راقياً، نجده يبحث عن مكان خارج الدولة أو تحت ستار سرية مكان العرض كي لا تجز سيوف الجهل رقبة عمله الفني، ولكم أن تقيسوا.
وبدلاً من الكتب والدوريات القيمة التي كانت تعج بالمكتبات، صارت معارض الكتاب هنا تدور بين عوالم تفسير الأحلام  والسحر والجان وأصول الطبخ.
ثقافة الشباب اليوم مصدرها الوحيد الـ"آي فون" و"بلاك بيري"… لا شيء غير السخافة والاستهلاك الأعمى يهيمنان على الحياة الكويتية، ولا بهجة ولا فرحة تعلوان الوجوه بعد أن تمت إزاحتهما لتجثم مكانهما أتربة الملل والاكتئاب.
رشوة السلطة التشريعية وشراء مواقف بعض النواب ليسا بالأمر الغريب في محنة الدولة، وإنما الغريب ألا يحدث مثل ذلك في بلد "التسليع"، وحين يصير كل موقف وكل قضية مجرد سلع قابلة للبيع في "مولات" السياسة.
نسمع دائما كلمتي "الشق عود"، أي إن الهوة كبيرة ويصعب ردمها، فهل يعني هذا عجزنا عن الإصلاح؟! صارت الكتابات اليومية تعيد نفسها، صرنا نسرق ونجتر أفكارنا يومياً بعد أن نغير بالألفاظ فقط، فالضوء الأحمر يسطع، ومساحة "الممكن" للنشر محدودة بفضل قوانين النشر والجزاء ومصالح الملاك، وقبل كل ذلك محرمات المجتمع التي فصلتها مجاميع "المذهب الواحد".
الجميع أضحى رهن السلطة حين ترضى وتهب، وتعاقب وتزجر، حين تثور وتغضب، هي مالكة الأرزاق، وعليه فهي مالكة الأعناق. عليك أن تداهن وتمدح وتنافق حتى يرضى عنك وتحيا بصدقات بلدك، وأن تكون كثير الشكر لكل هذه النعم، وهي نعم النفط، وأنت سلعة تابعة لسلعة النفط.

احمد الصراف

وطني والعراق.. وأنا

أتقن التحدث باللهجة العراقية، ولسبب لا أعرفه أستمتع بالتحدث ورواية النكات بها، خاصة الحادة منها، كما أعرف عن العراق، فناً وتاريخاً وأصدقاء، أكثر مما أعرف عن أي بلد آخر، باستثناء لبنان. وأعتقد أن امتداد الكويت الطبيعي هو باتجاه الشمال، وليس الجنوب، الذي قدم منه، على مدى قرون، نصف سكان الكويت تقريباً، ولن يعودوا إليه، فعيونهم على الشمال!
كان لا بد من هذا التمهيد قبل الدخول في صلب المقال، عن علاقة الكويت المتوترة «تاريخياً» بالعراق، وهو التوتر الذي لم يكن يوماً في مصلحة البلدين، وبالذات العراق، خصوصاً في الفترة الأخيرة. وهنا نجد أن من يحاول إثارة الضغائن من الطرفين، والتحدث عن خلافات وثارات ومؤامرات، لا ينطلق من حرصه على مصلحة وطنه بقدر ما يتحدث باسم طرف آخر! وهذه الاتهامات ستعيد البلدين إلى المربع الأول، الذي اعتقدنا يوماً أننا خرجنا منه، وربما هذا ما يهدف إليه هؤلاء، وعلى عقلاء البلدين إسكات الأصوات النشاز، والتفرغ للتنمية، فالكويت لا يمكن أن تأمن جانب العراق طالما لم يستقر ويزدهر اقتصادياً وينعم بديموقراطية حقيقية، والعراق دولة كبيرة في المنطقة ذات موارد طبيعية ومالية وبشرية هائلة لا تقارن بقدرات الكويت وحجمها، وبالتالي فإن أي محاولة لتصوير الكويت وكأنها المعتدية على العراق وحقوقه وأراضيه، وأنها تتآمر باستمرار عليه وعلى استقراره، مسألة لا يمكن بلعها بسهولة، وحتى لو صح ذلك، فيجب وضعه في إطاره الزمني، ويجب ألا تستمر معاناة الشعبين بسببه، ولو نظرنا إلى بحور الدماء التي سالت بين دول كبرى، وما أصبح يجمعها الآن من صداقة وتفاهم، لأسفنا لوضعنا، بالرغم من أننا أكثر قرباً وفهماً ومحبة بعضنا لبعض مقارنة بهم!
كما تأخذ بعض الأطراف في العراق على الكويت، خلال حرب العراق وإيران، وقوف الكويت مع نظام صدام، ويعتقدون أن هذا الدعم المالي واللوجستي أطال أمد الحرب، وتسبب في موت الكثيرين، وهذا ربما يكون صحيحاً، ولكن من جانب آخر لو اختارت الكويت وقتها الوقوف على الحياد لجاء فريق آخر أو الفريق نفسه، ليوجه اللوم لها على حيادها وامتناعها عن دعم العراق، والادعاء بأن هذا ساهم في إضعاف العراق، وإطالة أمد الحرب والتسبب في زيادة عدد ضحايا الطرفين، وبالتالي نحن بحاجة لنشر المحبة بيننا، وأن ندع حل الأمور الشكلية بين الطرفين للأجهزة الفنية، فالعراق ليس بحاجة لمنافسة الكويت، ولا الكويت قادرة أو راغبة في أن تكون من نفسها نداً للعراق أو قوة كبرى في المنطقة، فلا عمقها ولا حجمها ولا قدراتها تسمح لها بذلك، وأن على العراق تفهم ذلك والعمل لما فيه خير الطرفين، فآفاق التعاون يمكن أن تصل لعشرات المليارات سنوياً، وهذه هي التي ستكرس السلام الدائم بين الطرفين، وليس الاتفاقيات الدولية، ويجب ألا ندع فئة حاقدة هنا أو متآمرة هناك تقضي على حلم السلام والرخاء بين البلدين.

***
ملاحظة: ينشر هذا المقال بالتزامن مع «المدى» العراقية.

أحمد الصراف