علي محمود خاجه

حيتان

والدك كان يعمل في تجارة البحر قبل النفط، فكان يجول الدول المجاورة ليستورد منها احتياجات أهل الكويت، فيبيعها عليهم، وتدر عليه المبيعات ربحا مقبولاً، يمكّنه من شراء بعض البيوت الطينية في مدينة الكويت، أو أن يمتلك “حفيز” لبيع البضائع المستوردة.
فيأتي النفط مصادفة ليمنح الكويت ثروات وخيرات هائلة، فتقرر السلطة آنذاك أن يكون توزيع هذه الثروة المفاجئة عن طريق التثمين، ولأن والدك كما ذكرنا في الفقرة الأولى تمكن من شراء بعض البيوت فإن نصيبه من التثمين كان أكبر من مواطنين آخرين، وقد قرر بعد أن قام ببناء بيت حديث من أموال التثمين أن يستثمر الأموال الباقية في استيراد حاجيات الشعب الجديدة، وقرر أن يتخصص في استيراد الثلاجات.
وفي نفس الوقت أتممت أنت دراستك الثانوية، فتكفلت الدولة بابتعاثك إلى أفضل الجامعات الغربية لاستكمال تحصيلك العلمي كي تعود لخدمة بلدك بشكل أفضل وهو ما تحقق.
تمكن والدك من تكوين ثروة كبيرة خلال فترة وجيزة؛ لأنه قام باختيار سوق مميز، ويحتاجه كل مقيم على أرض الكويت، فلم يكتفِ أو يقف عند هذا الحد، بل وسّع من تجارته وزاد في تنويع السلع لدرجة مكنته من أن يكون مصدرا أساسيا في تزويد كل قطاعات الدولة الحكومية أو الخاصة بالمعدات التي تحتاجها.
وكما ذكرنا آنفا فقد تمكنت أنت من استكمال تحصيلك العلمي ودراستك العليا في أفضل الجامعات الغربية؛ لتعود إلى الكويت وتتولى منصبا مرموقا في أحد القطاعات الحكومية الحيوية والمهمة لندرة الخريجين، وتتدرج في السلم الوظيفي لتصل إلى أعلى هرم ذلك القطاع مع مرور السنوات. وعندما احتلنا العراقيون وعانى أهل الكويت المرابطون في الداخل، ساهم والدك وأنت معه في توفير الأموال والمستلزمات الضرورية وبالمجان، لقناعة بأن ما قدمته الكويت لن تفيه كنوز الدنيا لتسدده.
وانفرجت الأزمة وعادت الحياة إلى طبيعتها، وتوليت أنت وأشقاؤك تجارة والدك الضخمة، وساهمتم في إعادة إعمار الكويت، وتقديم خدماتكم التجارية المتنوعة إلى كل قطاعات الدولة.
وليقينكم بأن النجاح لا يمنح بل ينتزع، فقد بتم ترفضون أي عطايا أو منح أو زيادات غير مستحقة لا تساعد إلا على الخمول والجشع والاتكالية، بل أصبحتم تحاربون وبعلانية كل من يسعى إلى هذا الاتجاه.
فكانت نهاية هذه المسيرة الطويلة والمحفوفة بالمغامرات التجارية الصعبة، والابتعاد عن الأهل والغربة والتضحيات الكبيرة الأصعب، ولمجرد أنكم ترفضون أن يدير البلد من يريد تبديد ثرواته أصبحتم حيتانا، ووجودكم هو ما يهدد البلد وأهله، وللأسف فقد بات الكثيرون يصدقون نظرية “الحيتان” تلك ويسعون إلى ترسيخها.

ضمن نطاق التغطية:
لا أقصد أبدا عائلة بعينها في هذا المقال، ولا أقصد أيضا أن كل التجار صالحون، ولكن لا أرضى أن يصور البعض العوائل ذات الامتداد الاقتصادي بأنهم حيتان يسعون إلى نهب البلاد، ولا تهمهم مصلحتها.

سامي النصف

على مفترق خمس دول وأربعة بحور..!

  رغم زيارتي لكثير من بلدان العالم إلا ان لشبه جزيرة سيناء إعجابا خاصا، فشمالها مصيف لا يقل برودة وجمالا عن سواحل وشواطئ غرب الاسكندرية، وجنوبها مشتى، ويحدها أربعة بحور ففي الشرق خليج العقبة والغرب خليج السويس والشمال البحر المتوسط والجنوب البحر الأحمر، وأهلها وناسها وقبائلها هم الأقرب في كرمهم ودماثة خلقهم ولبسهم ومأكلهم إلى شعوبنا الخليجية، لذا أعجب من قلة زيارة الخليجيين لها رغم قربها الجغرافي من دولنا الخليجية.

* * *

عندما تجلس في «طابا» يمكن لك ان ترى عن قرب منظرا رائعا وفريدا حيث تصبح على مفترق أربع دول رئيسية في المنطقة والخامسة على الطريق (دولة فلسطين) فأمامك السعودية ثم الأردن ثم مدينة وميناء إيلات الإسرائيلي في الطرف الجنوبي لصحراء النقب التي يقطنها عرب فلسطين، يتلو ذلك فندق هيلتون طابا الشهير الذي من ضمنه قرية نيسلون السياحية الرائعة وبعد ذلك سلسلة فنادق طابا المتعددة والمتنوعة، وإلى الغرب عن بعد دير سانت كاترين التاريخي الذي تعجب من برودة أجوائه رغم انه محاط بالجبال.

* * *

والشارع الرئيسي في «طابا» مسمى باسم رجل القانون المصري المعارض د.وحيد رأفت، الذي لم تمنع معارضته للرئيس «المخلوع» من استعانته به وبخبراء ومستشارين من أميركا وبريطانيا وفرنسا وسويسرا لاسترداد طابا بعد 8 سنوات مضنية من التفاوض (الاستعانة بالخبراء الأجانب فكرة يمكن لنا أن نستفيد بها في الكويت ونحن نتفاوض على حدودنا البحرية)، كما قام ذلك النظام «البائد» بإنشاء شبكة طرق تربط سيناء بمصر تضاهي أرقى الطرق الأميركية، كما أحيا مدن سيناء مثل رأس سدر والطور وشرم الشيخ ودهب وطابا والعريش ونويبع وملأها بالمساكن والمدارس والفنادق والمنتجعات، ما جعلها تدر ما يزيد على 10 مليارات دولار للخزينة العامة للدولة.

* * *

بالمقابل قام الزعيم خالد الذكر عبدالناصر بالتخلي مرتين ـ لا مرة ـ عن سيناء دون حرب (56 و67) وفي تبرير ذلك الأمر العجيب قال غوبلز العرب الأستاذ هيكل ان سيناء صحراء قاحلة و«الصحراء مقبرة لمن يدافع عنها» ـ حسب قوله ـ وهو ما يدل دلالة قاطعة على ان الأستاذ لم يزر سيناء قط (حالها كحال الدول العربية التي يكتب عنها الأكاذيب دون ان يزورها) فسيناء مليئة بالجبال شاهقة الارتفاع التي كان من الممكن أن تمثل موانع طبيعية تمكن الجيش المصري في أعوام 56 و67 من الصمود لمدة عام على الأقل دون الحاجة لغطاء جوي، وتلك التضاريس هي التي منعت الجيش المصري من استردادها في حرب أكتوبر 73 بسبب تخندق الجيش الإسرائيلي بها وسيطرتهم على ممراتها وعدم وجود كاتب أو كاذب إسرائيلي يروج لـ «الصحراء مقبرة»…إلخ.

* * *

آخر محطة: (1) أعلن المرشح الهزلي للرئاسة حازم أبواسماعيل انه سيستبدل السياحة الثقافية والترفيهية الحالية بالسياحة العلاجية(!!) أي انه سيطلق العشرة عصافير التي في اليد في سبيل الإمساك بالعصفور العلاجي الجالس فوق الشجرة، عداء أبواسماعيل للدعم الخليجي والسياحة الغربية حكمة ما بعدها حكمة ويتساءل البعض: لماذا تقلق على مستقبل مصر؟!

(2) نقترح على وزير السياحة المصري ان يرجع سيناء الى أصلها الآسيوي وبذا تصبح مصر دولة افريقية ـ آسيوية وهو عامل جذب قوي للسياحة كحال زيارة الملايين لتركيا كونها تمثل التقاء آسيا بأوروبا..!

احمد الصراف

خلافاتنا أم إيران أهم؟

قامت شركة غوغل قبل فترة باستفتاء متصفحي موقعها عن أي تسميتي الخليج أكثر دقة، العربي أم الفارسي؟! وبالرغم من أن النتيجة، بصرف النظر عن مدى دقتها وطريقة المشاركة فيها، جاءت لمصلحة «الفارسي»، إلا أنها لا تعني شيئا على أرض الواقع. وفي هذا الصدد، كتب لي قارئ طالبا الكتابة في موضوع العلاقة بيننا وبين إيران، وكيف أنها أصبحت أكثر اضطرابا في السنوات الأخيرة. وتساءل إن كان هناك مجال لأن يقوم الطرفان، أو وسيط ما، بفعل ما لتجسير العلاقة وجعلها أقل عدائية. وقال إن مشاعر الكراهية والانتقام والتآمر والشوفينية والقومية والصراع التاريخي والعنصرية وأمورا أخرى هي التي تتحكم في العلاقة حاليا، وهو ما يعيدنا إلى القرون الوسطى، وليس للأمام كما ينبغي. وقال ان حتى شركة غوغل لم تترك مسألة الخلاف بين الطرفين تمر من دون أن تسهم في إشعال نيرانها، عندما قامت بذلك الاستفتاء، الذي ربما لم يطالبها أحد به! واضاف أنه يقترح أن يقوم أكاديميو ومثقفو الطرفين بالمساهمة في تقديم تصورات تخرجنا من هذه الدوامة، فلكل طرف كرامته وكبرياؤه وحقه في الوجود في المنطقة! واقترح أن يتفق على تسمية الخليج، والتي تعتبر واحدة من أكثر المسائل الخلافية بعدا عن المنطق، بــ«خليج السلام» أو «خليج الصداقة»! وانهى كلامه بالقول ان بإمكان اي حكومة في المنطقة الطلب من شركة غوغل التصويت على التسميتين اللتين اقترحهما، أو أي تسمية اخرى، بدلا من المختلف عليهما تاريخيا وعاطفيا وعرقيا… وربما مذهبيا!

***
وجهة نظر القارئ معقولة، ولكن الخلاف بيننا وبين إيران ليس خلافا بين طرفين محددين، فلا إيران، عدا سلطة المرشد، كتلة واحدة، ولا الدول العربية، وحتى الخليجية، كتلة واحدة. فان تقتنع دولة بوجهة نظر معينة يعني أن أمامك الجبال لتقنع غيرها بوجهة النظر نفسها! وبالتالي نحن بحاجة قبل كل شيء لأن نصفي قلوبنا ونتحد ونتفق على المسائل الخلافية بيننا، قبل ان نتجه صوب إيران ونحاول رأب الصدع معها، وما أكثر الصدوع بيننا! ففي نشرة ابريل 2011 من «رسالة الكويت»، الصادرة عن مركز البحوث والدراسات الكويتية، نقلا عن «اللطائف المصورة» المصرية لعام 1934، نشرت صورة لسمو الأمير العربي الشيخ أحمد الجابر الصباح، أمير الكويت، وذكرت تحتها أنه أجل زيارته لمصر بسبب انشغاله بالتدخل في حسم النزاع الذي نشب بين إمارتي قطر والبحرين على أرض الزبارة!
فهل تغير التاريخ أم تغيرنا؟

ينشر بالتزامن مع «المدى» العراقية

أحمد الصراف