محمد الوشيحي

الأسرة الحاكمة… والساكند هاند

كتبت مقالة اليوم، واسترسلت فيها، وفي منتصف المشوار تذكرت أنني سبق أن كتبت شيئاً مشابهاً، الخالق الناطق، فعدت مهرولاً إلى الأرشيف، وفتحت خزائنه، فإذا بالمقالة هذه يكسوها الغبار. وهأنذا أعيد نشر فقرات منها، إذ لم يتغير شيء منذ نشرها قبل عامين إلى اليوم:
كذاب ابن نصاب من يقول إن حال شيوخنا يسرّ الناظرين. دجّال ابن محتال ومن سلالة أفاقين من يوهمهم أن وضعهم طبيعي، وأن سبب الأزمات المتوالدة في الكويت هو البرلمان، وأنهم لا دخل لهم بكل هذا الغبار المثار، ولا خوف على مستقبلهم ومستقبلنا معهم.
الحق أنهم يتحملون المسؤولية الكبرى في الفوضى هذه. فما الحل؟ هل نردد خلف فيروز: 'يصطفلوا، شو ما صار يصير، خلّي هالزير بهالبير'؟ أم ماذا نفعل؟
صادقاً أقول: لا يمكن أن يجف معين أسرة الصباح كما يظن بعض البسطاء. لا يمكن أن تصفرّ أشجارهم وتموت فلا تؤتي ثماراً. غير صحيح أن من نراهم الآن على الشاشة هم الأفضل. بالتأكيد هناك أكفاء لم يتعاون معهم الحظ فبقوا خلف الكواليس الصامتة. وليس من المعقول ولا من المنطق أن أهم شروط الحصول على الفرصة أن تبدأ بالصراخ وتكسّر الزجاج وتلخبط أثاث الصالة، وتفقأ عين ابن عمك وتشج رأس ابن خالك كي يلتفت ذوو القرار إليك ويحرصوا على إرضائك وإسكاتك. وليس من الذوق أن تنافق هذا أو ذاك، أو ترتبط بنسب مع ذيّا أو ذيّاك، كي ينتشلك من بحور الظلام.
ولا أدري على أي أساس يتم اختيار الشيوخ لتقلّد المناصب، لكنني متأكد أن طريقة الاختيار الحالية لا علاقة لها بالكفاءة، ولا بالحيادية، ولا بالنهج المؤسسي… وهنا يجب أن نتوقف، فأي لخبطة تتم في مقصورة الأسرة، سيتأثر بسببها جمهور الملعب، من الدرجة الأولى إلى الدرجة الثالثة. لذا ومن أجل ذا وُلِدَت هذه المقالة المُحِبّة.
شيوخنا، فضلاً أغلقوا موبايلاتكم التي لا تنقل لكم الصدق الموجع، وخذوا الأمر بجدية، وليجتمع حكماؤكم – والحكمة لا تعني كبر السن بالطبع – بهدوء وسرية، ليتدارسوا كيف يمكن إنشاء "نظام مؤسسي عادل" لاختيار الأكفأ من شبّان وشابات الأسرة للمناصب العامة. نظام حيادي يتيح المجال للطامحين من أبنائكم للالتحاق به، من سن الدراسة الجامعية، مثلاً، أو بعد التخرج، أو أي مرحلة ترونها الأنسب.
على أن يكون شباب الأسرة الراغبون في المناصب والراغبون عنها، على علم بهذا النظام، ولكل منهم حينئذ الاختيار. فمن كان منهم يطمح إلى منصب، فليمرّ من خلال البوابة الرئيسية، بوابة "النظام"، فقط، ليتقرر وقتذاك دخوله أو عدمه.
أعلم أن مقترحي هذا "أفلاطوني"، مثالي، خيالي، لا تلامس قدمه الأرض، كما يتوهم الضعفاء العاجزون، بينما هو مقترح منطقي، ضروري، قابل للتطبيق في عيون العقلاء المستشعرين خطورة الوضع وخطورة المستقبل، والمدركين أن الأوضاع اليوم وغداً تختلف عن الأوضاع في أمسِ والذي قبله.
حكامنا منكم، لا أحد منا يقبل النقاش في هذا. ودستورنا يرفع سبابته محذراً كل من في نفسه مرض، ونحن معه نرفع سباباتنا وبنادقنا. لكنه، أي الدستور، لم يفرضكم علينا قياديين في الوزارات والإدارات والهيئات. مكانتكم في قلوبنا فقط هي التي تدفعنا لقبول ذلك، وحبّنا لكم هو الذي يرغمنا على تجاوز أخطائكم. لكن التمادي في الأخطاء الكارثية، بسبب فاقدي الكفاءة منكم، سيكون له فاتورة باهظة، وأنتم أدرى بالذي يجب عليه إخراج محفظته ودفع قيمة الفاتورة. ففكروا جيداً وجدياً في هذا المقترح، أو أي مقترح آخر، قبل وصول الجرسون.
هذا ما جاء في المقالة قبل عامين، فأفتوني بالله عليكم: هل تغير شيء؟ أم أن الأسرة الحاكمة أدمنت استخدام "الساكند هاند"؟

حسن العيسى

الدينار مصدر السلطات

هل أصبح الدستور ضيقاً على جسد النظام السياسي في الكويت، أم أنه ما زال صالحاً ويتسع لحريات أكثر للأفراد، وضمانات أكبر للسيادة الشعبية، وعلى ذلك فالعيب ليس في مواد الدستور، وإنما في الممارسة السياسية للسلطة، بعد أن أفرغت الدستور من مضامينه وروحه!
د. أحمد الخطيب كرمز كبير، وأيقونة الحلم الدستوري، ينصح أهل الكويت في مقال افتتاحي في "القبس" بالتمسك بالدستور، كي لا يصبح مجلس الأمة حكومة في حكومة كاملة الدسم، في حين أن زملاء مثل أحمد الديين في "عالم اليوم" وحمد الجاسر في "الكويتية" يخالفان هذا التصور، فالدستور لم يعد صالحاً لضبط الانفراد بالسلطة، فحكم الدينار أضحى أقوى من حكم القانون والدستور، والحد الأدنى من الحقوق والحريات الديمقراطية التي تضمنها الدستور ضاعت وخنقت تحت واقع أن "الدينار مصدر السلطات"، والسلطة الحاكمة تحتكر مخازن الدينار تحت الأرض، ومن ثم، فإنها قد استأثرت بالحكم، وإما بضغوط القوى الدينية المتطرفة التي ولدت في الكويت وبقية دول الوطن العربي من رحم السلطات الحاكمة وتفردها بالحكم!
هل المشكلة في نصوص الدستور بعد أن شاخت ولم تعد تناسب الحاضر، أم أن العيب ليس في النصوص الدستورية بحد ذاتها، وإنما القصور في ممارسات السلطة! فالنصوص الدستورية واسعة وفضفاضة، لكن لم تأت تشريعات تعمق الممارسة الدستورية، أو قد يكون الأمر معكوساً، فتصدر تشريعات تنتهك روح الدستور، فالدستور، مثلا، لم يحرم تشريع الأحزاب وسكت عنها، والأصل أن السكوت يعني عدم الحظر، فأصل الأمور الإباحة، والدستور لم يحرم المرأة من حقوقها السياسية في السابق، ولكن القانون والممارسات "الفعلية" هي التي تصادر الحقوق والحريات للمرأة والمواطن والإنسان، والدستور أكد حق الإضراب والتجمعات وغيرها، ولكنه فوض الأمر في تنظميها إلى التشريع، فجاءت التشريعات لتأخذ باليد اليمنى ما منح الدستور باليد اليسرى!
لكن على الوجه الآخر للعملة ينص الدستور على أن الأمة مصدر السلطات، بينما يقرر قبل ذلك أن الكويت إمارة وراثية في ذرية مبارك الصباح، وثلث أعضاء مجلس الأمة من الوزراء، وهم من تعينهم السلطة الحاكمة، وكان ذلك في النص الدستوري، وفي حقيقة "النص الواقعي" فإن الثلث الثاني من نواب الأمة يعينون أيضاً بطريق غير مباشر عبر تفويض "الدينار مصدر السلطات"، فماذا بقي للأمة والصوت الآخر!
لا توجد إجابة بنعم أو لا لتعديل الدستور، أو الإبقاء عليه، ولكن يقيناً الآن أصبح الدستور الكويتي، وبعد خمسين عاماً، نصوصاً في "دساتير من ورق"، وهذا عنوان كتاب لنيثان براون عن الدساتير العربية، لينتهي آخر الأمر إلى أن الإصلاح لا يأتي من النصوص ومن الشكل، بل من المعنى والمضمون، عبر إرادة وعزم الشباب ووعيهم بحاضرهم ومستقبلهم، وهناك ومضات أمل نشهدها في تجمعات ساحة الإرادة، إلا أن ضوءها ما زال خافتاً، ولم يسطع حتى الآن.

احمد الصراف

زكرتي رمضان

دعاني صديق «زكرتي» لتناول الافطار معه في شهر رمضان الماضي. دخلت البيت واذ بصوت مقرئ القرآن يملأ أرجاءه. ما ان حل الافطار حتى تناول الجميع بضع تمرات وأردفوا شفة من كوب لبن وراءها، وترك المضيف طاولة الطعام ليؤدي الصلاة، فاضطررنا، احتراما له لانتظاره، ولكنه عاد في الوقت المناسب، وقبل أن نموت من الجوع. بعد انتهاء الافطار جلسنا بعدها جميعا، أنا واهله، في صالة رحبة، وكان صوت مقرئ القرآن لا يزال يملأ المكان رهبة وخشوعا، وان بدرجة أخف. ثم جاءت الحلويات والشاي والقهوة، فتناولنا منها ما لذ وطاب وتبادلنا، وأيضا ما لذ وطاب من حديث، وتطرقنا لأحداث الساعة وجاء عرضا ذكر كتاب «الأمير» للداهية الايطالي «مكيافيللي» وكيف أنه نصح أميره، وولي نعمته، ضمن ما نصح، بأن يكون كرمه مع شعبه قليلا ومتقطعا، ليستمر شكرهم على نعمه، وان يتعامل معهم عكس ذلك عندما يريد انزال الشدائد بهم، وهنا نظر الي صديقي المضيف وقال انه لم يقرأ كتاب مكيافيللي من قبل، ولكنه يطبق سياسته بحذافيرها في عمله. فهو مثلا «مجبر» في أحيان كثيرة على دفع رشى لهذه الجهة أو تلك، ولكنه يصر دائما ألا يدفع الرشوة مرة واحدة، بل على دفعات أو أقساط، لكي يستمر ولاء تلك الجهة له واستعدادها لتقديم الخدمة التي يريدها منها. وهنا حان وقت المغادرة، فودعنا الصديق الزكرتي جدا، بمثل ما استقبلنا به من حفاوة وتكريم وترحاب وترحال، وهرول داخلا بيته ليؤدي صلاة العشاء، قبل فوات أوانها.

أحمد الصراف