علي محمود خاجه

إحنا مو مال دولة

تنقلب الكويت رأسا على عقب لأن خطيبا في مسجد يحلل ويحرم ويضيف كبائر كما يهوى، فهذا الخطيب وصف زيارة كربلاء كأحد المزارات الدينية بأنها أكبر وأعظم من الزنى!! فيخرج بعض الكويتيين ممن يعتنقون زيارة كربلاء رفضا لما يقوله هذا الخطيب مطالبين السلطة بمعاقبة من اعتدى على عقائدهم ووصفهم بأنهم أشد جرما من الزناة، فينتصر بعض الكويتيين الآخرين ممن لا يزورون كربلاء انتصارا لهذا الخطيب وما قاله، وتملأ الصحف بتعليقات تثبت مدى حماسنا للتفرقة ووهن وحدتنا المزعومة، فلتحترق الكويت من أجل أن نثبت أن مؤرخا قبل 1400 سنة انتصر على مؤرخ آخر.

***
ننتظر يوما بعد يوم وساعة بعد الأخرى لكي يفجر لنا نائب مفاجآت فساد من العيار الثقيل كما يدّعي، فيدفعنا الفضول والشغف، وليس الخوف قطعا، إلى معرفة هذه المفاجآت، وكأننا نشاهد الحلقة الأخيرة من مسلسل، فنفاجأ حقا بما يكشف من أدلة مزعومة على قضايا فساد مالي يعود تاريخها إلى خمس سنوات سابقة، وأقرت في ميزانيات الدولة المتعاقبة دون أن يتحدث عنها أحد طيل السنوات السابقة (هذا إن كانت صحيحة)، ونفس النائب موجود في كل تلك السنوات السابقة، بل أكثر منها دون أن نسمع منه شيئا عن مفاجآته المزعومة، ولكننا نصفق ونهلل ونرمي “العقل”.

***
يطعنون بنواب وتيارات سياسية لأنها تخالفهم بالسلوك والتعاطي مع القضايا، وينعتونهم بالمتواطئين وأصحاب الصفقات على الرغم من أن الطاعنين هم من يعملون لدى سراق المال العام، وهم من تخلص الحكومة معاملاتهم، وهم من باتوا أبطالا لقناة أحمد الفهد الجديدة، وهم أيضا من سكتت الحكومة عن فرعياتهم!!

***
كل الطرق والسبل والأدلة والقضايا تؤدي إلى طريق واحد، وهو أن هناك نوابا فاسدين، ولكن لا يذكر أحد أسماءهم، ويذكر فقط من حدد واكتشف أسعارهم فقط، لأن أي ذكر لأسمائهم سيقر بفسادنا نحن كمجتمع وفساد اختياراتنا.
باختصار نحن لا نستحق الدولة فكل أمورنا لا نديرها من أجل الدولة، بل من أجل مصالحنا الخاصة، فهذا سعره يتمثل بأموال تدفع له، وآخر سعره يتمثل بإقصاء المذهب المخالف له، وثالث سعره يتمثل بأن يحتل هو موقع المعارضة وحيدا، ولا يجوز لأحد أن يعارض معارضته، وأخير يعتبر أن الفاسد هو من يتعارض فساده مع فساد غيره فقط.

سامي النصف

ديموقراطيتنا.. سمكة بين الأشجار

الديموقراطية في بلدنا هي ـ للأسف ـ أشبه بمشاهدة سمكة بين الأشجار حيث تشعر منذ الوهلة الأولى بأنها في غير مكانها الطبيعي، كما أن حالها يظهر عدم قدرتها على العيش والبقاء حيث إنها متجهة لا محالة للموت والفناء، إن ديموقراطيتنا حالها حال السمكة في حاجة ماسة إلى بيئة حاضنة وحانية وراعية كي تعيش وتنمو وتصبح القدوة الحسنة بين الأمم لا القدوة السيئة للشعوب كما هو الحال الآن حيث ترفع كفزاعة مخيفة ومدمرة بعد أن أصبح شعار لاعبيها.. كلنا يا عزيزي رابحون ومستفيدون والخاسر الوحيد هو.. الوطن ومستقبل شعبه!

*****

يحق لمن يريد أن يختلف مع أي وزير أو مع رئيس الوزراء بشرط ألا يفجر بالخصومة وألا يدمر الدستور واللعبة الديموقراطية في سبيل الوصول لذلك الهدف، فالدستور هو أعراف وممارسات قبل أن يكون نصوصا جامدة فما نرتضيه هذه الأيام من ممارسات كوسيلة للوصول للغاية يعني القبول باستخدام نفس الأدوات في الغد حتى لو سخر لنا يوما رئيس يجمع بين دهاء بسمارك وحكمة درزائلي وحنكة تشرشل وقدرة مهاتير وذكاء لي كوان.. أي سنبقى ضمن دائرة الأزمات الطاحنة كائنا من كان الرئيس وشخوص وزرائه.

*****

وواضح استمرار ممارسات سياسية مدمرة تقتل الديموقراطية كما يقتل الهواء السمك كاستجواب رئيس الوزراء ـ أي رئيس وزراء ـ على أعمال الوزراء الآخرين ممن سينضمون حسب هذا الفهم العقيم للنواب المعصومين ومن ثم سيفسدون كحالهم حيث إن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، ومن الممارسات القاتلة للعملية الديموقراطية التعسف باستخدام الأدوات الدستورية وعلى رأسها الاستجواب رغم ضوابط المحكمة الدستورية المنظمة لها (حكم عام 2006)، وإضفاء قدسية الكتب السماوية المنزلة على الدستور البشري الوضعي وتكفير من يدعو لتعديله وتطويره وعلى رأس هؤلاء بالطبع الآباء المؤسسون له ممن قاموا بكتابته ودعوا لتنقيحه بعد مرور خمس ـ لا خمسين سنة من تجربته.

*****

ومن الممارسات الخانقة للديموقراطية والمدمرة للعبة السياسية الارتضاء بحكم الأغلبية عندما تكون لصالح طرف ما ورفضها في الوقت ذاته عندما لا تكون لصالحه واللجوء عندها للفوضى والتجمهر بقصد فرض «دكتاتورية» الأقلية التي تعكس الجهل الشديد بأبسط معاني الديموقراطية، ومن الممارسات الخاطئة إعطاء النائب مرتبة من لا يحاسب قط عما يفعله عبر رفض إنشاء «لجان قيم» والعمل بمبدأ غريب مضمونه إن أخطأت الحكومة فهي مخطئة وإن أخطأ النواب بسبب غياب آلية الحساب والعقاب.. فالحكومة هي المخطئة كذلك وحسبنا الله ونعم الوكيل.

*****

ومن الممارسات المدمرة استخدام أحد طرفي اللعبة السياسية ـ التي هي أقرب للعبة الرياضية ـ لكل أدواته الدستورية بل وحتى التعسف بها في الوقت الذي يرفض فيه استخدام الطرف الآخر لنفس الأدوات التي أعطاه إياها نفس الدستور، كإحالة المواضيع للجان المختصة أو للمحكمة الدستورية وآخر ما سمعناه في هذا الصدد بعض الآراء التي تتسبب في ضحك كالبكاء كالقول إن قرارات المحكمة الدستورية غير ملزمة(!) فلماذا إذن إنشاء المحكمة والصرف عليها ما دامت أحكامها غير ملزمة ولا يستمع إليها؟!

*****

آخر محطة:

1 ـ وصلنا مؤخرا كتاب قيم جدا من تأليف الزميل البرلماني عبداللطيف الراضي حول «العلاقة بين الحكومة والمجلس وفق أحكام المحكمة الدستورية» ومما جاء في ص 23 «في حال تقرير المحكمة الدستورية عدم دستورية قانون أو لائحة يعتبر كأنه لم يكن»، وص 36 «القضاء الدستوري هو حامي الدستور من تعسف السلطات المختلفة»، وقول للدكتورة المختصة عزيزة شريف «كلما ارتفع المستوى الثقافي والفكري لأعضاء البرلمان زاد تفهمهم لدور المحكمة الدستورية وكلما انخفض مالت العلاقة مع المحكمة نحو العداء السافر والتحدي الواضح» وهناك عشرات الأمثلة الأخرى.

2 ـ ضمن كتاب نظام الحكم في أميركا دعوى ماربوري ضد ماديسون عام 1803 وحكم المحكمة الدستورية العليا الذي جاء ضمنه «أي ممارسة تشريعية مناقضة للدستور لا تجوز ولا تصبح قانونا».

احمد الصراف

نظرة شديد الشديدة

يرى أنتوني شديد، وهو مراسل صحفي أميركي مميز، ومن اصل لبناني، في مقال نشر في «الأنترناشيونال هيرالد تريبيون» قبل أيام، بعد أن عاد من زيارة سرية لسوريا، أن الحركات الإسلامية قد تجذرت في المجتمعات العربية، وأصبحت هويتها الأساسية، بعد أن دمّرت الأنظمة العربية، وبالذات التي تدعي الليبرالية، باحتكارها للسلطة، كل مقومات الليبرالية الحقيقية. وقال ان هذه التنظيمات، وخاصة «الاخوان المسلمين»، الذين تمتد جذورهم لعشرينات القرن الماضي، نموا بشكل كبير، بعد أن عجزت السلطات في القضاء عليهم، رغم الترهيب والسجن والقتل، لتحصنهم بالمساجد والملتقيات الأخرى، ونموهم في محيطها، وهو الأمر غير المتوافر لغيرهم، وبالتالي صار الإسلام هو البديل لليبرالية الطغاة وادعاءاتهم المبتذلة! ويعتقد شديد أن وصول الإسلاميين للسلطة شبه مؤكد، ولكن إن سمحوا بتكوين أحزاب ليبرالية، فإن تقدم المجتمعات العربية، تعليما وثقافة، سيرفع من مستوياتها المعيشية ويؤدي في نهاية الأمر، وإن بعد سنوات مخاض طويلة، لتكوين احزاب بإمكانها بلورة مفاهيم ليبرالية، وإقناع المواطن بمفاهيمها المتقدمة ومفاهيم الحرية والديموقراطية الحقة. ويعتقد شديد اننا يجب أن نعطي الحركات الدينية وقتها والا نرتعب من فكرة وصولها للسلطة! انتهى.
كلام واقعي، وشبه متفائل في ظاهره، وأعتقد أن لا مناص من الإيمان به، فليس هناك من بديل، فسيصل هؤلاء حتما للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع، وسيرتكبون أخطاء كالجبال حجما وسيفشلون فشلا لا مناص منه، وهذه هي الطريقة الوحيدة لكشفهم وتعريتهم للجماهير الجاهلة بحقيقتهم، وحقيقة الوهم الذي عاشوه على مدى عقود بأن لدى الإسلاميين النظام البديل والعلاج لكل قضايانا وأمراضنا! أما الذين يعتقدون بأن الدول العربية ستصل لما وصلته تركيا في عهد أردوغان، فهم واهمون، فتركيا اليوم هي ابنة تركيا الأمس والغد العلمانية، وعندما تؤمن الأحزاب الدينية المقبلة للسلطة بمفاهيم الحرية التي يؤمن بها الحزب الإسلامي الحاكم في تركيا، فإننا وقتها سنكون بخير، ولن نحتاج لدروس من احد، والأمر الوحيد المطمئن هو أن الأحزاب الدينية «العربية» التي تفتقد لقاعدة العلمانية التي لدى تركيا، ستفشل كما فشل نظام ملالي إيران وإخوان السودان وحماس غزة، فلا مجال في عالم اليوم للدكتاتوريات، ولو كانت دينية!

أحمد الصراف