محمد الوشيحي

تكتل صاهود

تذكرتُ الحكاية القديمة الحقيقية لتلك الصبيّة اليافعة العفيفة والشبان الذين استمرأوا معاكستها والتحرش بها ورميها بالصخر وإهانتها كل يوم، عندما هددتهم بأخيها "صاهود" الذي يعمل في العراق وسيعود في غضون أيام لينتقم لها منهم…
انتظرَته، وطال انتظارها، وتعاقبت الأسابيع، أسبوعاً يركل أسبوعاً ويزيحه ليحل محله، والصبيّة تقضي أوقاتها بين دموع القهر وابتسامات الأمل بانتقام أخيها من الشبان الملاعين… وطال الوقت عليها، واليافعات لا يحتملن عذابات الوقت، فنعست عيونها لكن قلبها الغض لم ينعس، ولا كرامتها المجروحة نعست.
وأخيراً، تبسمت السماء، ووصل أخوها، فقفزت في حضنه تقبله وتغرقه بدموع فرحها، وتشكو إليه ما أصابها في غيابه، وتلومه على تأخيره، وهو الذي بلغته شكاواها مع المسافرين، ويعلم أنها شقيقته الوحيدة اليتيمة الأب، ومع ذا فقد غفرت له كل ذلك، لكنها أقسمت عليه بحق الأخوة ألا يتركها مرة أخرى ويغادر…
ولم تكمل بكاءها وشكواها حتى سحبته من ذراعه إلى "البراحة" التي يجتمع فيها أولئك الفتيان الملاعين، ليريها فيهم عظيم قوته وأصيل نخوته، ويسترد كرامتها المهدرة. وما إن أقبلا على جمع الشبان حتى فرّ بعضهم هلعاً وتماسك القلة منهم وصمدوا، فصرخ في وجوههم: "ما تستحون؟ لا تحرشون فيها مرة ثانية"، واكتفى بذلك، وسحب شقيقته من ذراعها ليعود بها إلى البيت…
وفي البيت، راح أخوها ينثر الهدايا أمامها وهي تنظر إليه مذهولة مفجوعة، فركلت هداياه وهربت منه إلى أمها باكية، فسألتها أمها: "ما الذي يبكيك؟" فأجابتها: "يا ليت صاهود في عراقه"، أي ليته بقي في العراق ولم يأتِ.
وعاد صاهود إلى "عراقه"، وعاد الفتيان إلى سابق عهدهم مع أخته.
الحكاية تتكرر اليوم، والصبيّة اليافعة هي الكويت، والشبان الذين أهدروا كرامتها هم الراشي والنواب المرتشون، وصاهود هو "تكتل العمل الوطني".
وكانت الكويت اليافعة قد تعرضت لكارثة هي الكبرى في تاريخها، بلا مبالغة، هي أكبر من كارثة الغزو – وفي هذا يطول الشرح – عندما تم شراء بعض نواب برلمانها كما يُشترى العبيد، وسُلِبَت إرادة الشعب، فتسابق النواب الأحرار لإعلان غضبهم، وأسرجوا خيلهم، وتفقدوا سيوفهم وصفوفهم قبل المعركة، فتخلّف نواب تكتل العمل الوطني، فتساءل الناس، فراح أنصار "الوطني" يقلبون أثاث الصالة بحثاً عن عذر هنا أو حجة هناك، فقالوا تارة: "هم الآن خارج الكويت، وسيعودون قريباً محمّلين باللؤلؤ والمرجان"، وقالوا تارة أخرى: "جهّزوا سيارات الإسعاف، واحفروا مزيداً من القبور، فنواب التكتل الوطني قادمون لينتقموا للكويت"، وانتظر الناس السيل، وتأخر السيل، والبدو يقولون "ما يبطي بالسيل إلا كبره"، وشحبت الأرض، لكن رحمة ربك تداركت عشاق البلد فشاع الخبر عن "ندوة لنواب التكتل الوطني"…
وقامت الندوة، وأرخينا أسماعنا لصوت طبول الحرب، فصرخ نواب الوطني في وجه الراشي والمرتشين كما فعل صاهود: "ما تستحون؟"، واكتفى "صاهود الوطني" بتلك الجملة، ثم طلب شهادة أربعة من الثقات شاهدوا "المرود يدخل في المكحلة"، وراح "الوطني" يتحدث عن أمجاده التي خلدها التاريخ في الهند والسند وفي المحيط الأطلسي والنرجسي وفي بلاد تركب الأفيال والبغال، قبل أن يقلب "الوطني" ندوته إلى "لطمية" بسبب الحرب التي يتعرض لها من الكائنات الفضائية التي لا يراها إلا هو، ووو، ومع نهاية الندوة، التفت "الوطني" إلى جهة ما وغمز بعينه اليسرى وهو يخفي ابتسامته الساخرة.
وبدلاً من أن يفزع صاهود لأخته، راح يهاجم من انتفض من أجلها.
أوااااه… يا ليت صاهود في عراقه.

سامي النصف

مصر في خطر!

  لا أخفي إيماني بالتطور الطبيعي للأمم (Evolution) لا بنهج الثورات (Revolution) ولا اعتقد شخصيا أن مصر الحبيبة قد استفادت قط رغم كل ما يقال من ثوراتها، فثورة عرابي عام 1882 نتج عنها احتلال مصر، وثورة الوفد عام 1919 لم تحقق الاستقلال أو أي شيء يذكر عدا تسببها في قسمة الشعب المصري إلى سعديين وعدليين، كما نتج عن ثورة 1952 القمع والتخلف وتغييب القانون وسلسلة الهزائم العسكرية وفقدان السودان، ثورة السادات في مايو 1971 نتج عنها ما سمي بانفتاح السداح المداح واغتيال قائدها ووصول نائبه حسني مبارك للحكم الذي انتهى بالثورة عليه واعتقاله.

* * *

ولا مبرر شخصيا لي على الإطلاق بالوقوف مع نظام حسني مبارك، فمصلحة مصر والشعب المصري أولى وأجدى بالنظر إليها والحفاظ عليها خاصة بعد تكشف الحقائق وما نشرته جريدة «الفجر» بتاريخ 25/7/2011 عن صورة لشيك دفعه حاكم خليجي رحمه الله بتاريخ 25/8/1990 بمبلغ 120 مليون دولار لصالح الرئيس حسني مبارك كدفعة أولى لمشاركته في حرب تحرير الكويت، أي ان وقوفه كان للمال لا للمبدأ بينما وقف الشعب المصري الأصيل والطيب مع مظلمتنا واحتضن شعبنا دون مقابل.

* * *

أحداث ماسبيرو قبل أيام لن تكون الأخيرة ما دام هناك من يروج لتكرار تجربة تدمير العراق التي تسببت فيها دعوات عزل الملايين بحجة اجتثاث حزب البعث بدلا من الاكتفاء بمحاسبة ومعاقبة القلة المجرمة داخل الحزب وخارجه، وقد رفع الآلاف في الصعيد بالأمس شعار «احذروا الصعيد إذا غضب» مهددين بالانفصال عن مصر إذا تم عزل قبائلها وعوائلها والملايين من أبنائها بحجة انتمائهم للحزب الوطني، ودعوة العزل تتبناها بعض الأحزاب الإسلامية تحديدا كي تحصد مقاعد الحزب الوطني الذي يتوقع ان يفوز بـ 30 ـ 35% من المقاعد في الانتخابات القادمة.

* * *

ومعروف ان ثورات دول أوروبا الشرقية أواخر الثمانينيات (11 دولة) لم ينتج عنها عزل أحد بل قامت على التسامح ومبدأ «عفا الله عما سلف» ورفع شعار «كلنا كنا شيوعيين في الماضي وكلنا أصبحنا إصلاحيين وديموقراطيين في الحاضر» وهو ما ساعد على سرعة استتباب الأمن ونجاح التجارب سياسيا واقتصاديا وتكالب المستثمرين والسائحين عليهم، فهل من عظة للاخوة في مصر وليبيا وحتى.. العراق؟!

* * *

آخر محطة: تظهر الاستطلاعات وآخرها استطلاع جريدة الأهرام تصدر كل من عمرو موسى وأحمد شفيق الذي لم يعلن ترشحه حتى الآن قائمة مرشحي الرئاسة المصرية بنسب تجاوزت في مجموعها 40% والاثنان من أعمدة النظام السابق، بينما لا تزيد فرص المرشحين الإسلاميين للرئاسة أمثال العوا وأبو الفتوح والهزلي أبو إسماعيل وحتى الليبرالي المعارض أيمن نور والبرادعي عن 1 ـ 2%، الأوضاع الاقتصادية السيئة وانعدام الأمن والفوضى السياسية وظهور توجهات انفصالية لدى الصعيد والنوبة وبدو سيناء وقاطني الصحراء الغربية بدأت تجعل الناس تبحث عن نظام قوي حتى ضمن «فلول» النظام السابق، وحفظ الله مصر وشعبها الأبي من كل مكروه.

مبارك الدويلة

منتدى وحدة الخليج والجزيرة

حضرت في اليومين الماضيين مؤتمراً لتأسيس منتدى وحدة الخليج والجزيرة العربية في مملكة البحرين الشقيقة، شاركت فيه نخبة من المفكرين والسياسيين والإعلاميين والادباء من أبناء دول مجلس التعاون. وكان محور الحديث عن أهمية الوحدة الكونفدرالية لدول مجلس التعاون في ظل المتغيرات في المنطقة، وأدهشني شبه الاجماع في الرؤية على أهمية هذه الوحدة وضرورتها، والتي ربطوها بخطوة مهمة لا بد من اقترانها بها، وهي اجراء اصلاحات سياسية في دول مجلس التعاون الخليجي تتيح للمواطن الحرية المنضبطة والممارسة الديموقراطية السليمة.
واستوقفني طرح غريب وحقيقي في الوقت نفسه، ففي الوقت الذي اثنى الجميع على التجربة الديموقراطية الكويتية فإن البعض انتقد هذا الثناء وطالب بالاتعاظ من هذه التجربة، وعدم الخوض فيها، لأنها اوقفت التنمية وشرذمت المجتمع! وهذا حق أريد به باطل، لان العيب ليس في الديموقراطية الكويتية ولا في الدستور الكويتي ولا في النظام البرلماني ـــ وان شابه بعض القصور ـــ لكن العيب في الممارسة من قبل الحكومة والنواب، كل وفق اختصاصه، مما ادى إلى هذا القصور وهذا التشويه.
ان اعداء الحرية والديموقراطية ارادوا استغلال ما تشهده الساحة الكويتية من صراع محتدم بين اطراف هذا الصراع ليستخدموه بعبعاً يخوفون به شعوبهم من هذه الممارسة، وتناسوا ان خداع الشعوب في هذا الزمان قد ولى الى غير رجعة، وتشويه وسائل الاعلام الرسمية للحقائق وقلبها ونقلها بصورة مخالفة للواقع لم يعد لها تأثير في زمان الـ «فيسبوك» والـ «تويتر». الأمر الآخر الذي استوقفني في هذا المؤتمر هو معلومة كانت غائبة عن ذهني، وهي وجود عدد كبير من سجناء الرأي في دول الخليج ومن دون محاكمة! وكنت اعتقد ان العلاقة بين الحاكم والمحكوم تغلفها المحبة والاحترام المتبادل في هذه الدول. وهنا اقول ان على اغلب حكامنا الافاضل ان يستمعوا الى نصائح المحبين لهم من شعوبهم لا الى المستفيدين منهم من حاشيتهم، ان التصالح مع الشعوب هو صمام الامان لبقائهم، فاليوم شعوب الخليج تطالب باصلاح النظام فقط، لكنها غداً ـــ إن طال الانتظار ـــ ستطالب بتغيير النظام متأثرة برياح التغيير التي تجتاح العالم ولا تبقي ولا تذر.
لم يعد النظام البوليسي صمام امان للحكام، ولم تعد القبضة الحديدية كافية لحفظ النظام، الشعب والتصالح مع الشعب واحترام ارادة الشعب وإنسانيته هي الضامن الوحيد.
ختاما.. نهنئ شعوب الخليج تأسيس المنتدى الذي سيكون انطلاقة للوحدة الخليجية التي انتظرناها منذ عقود وهي بلا شك تفيد الانظمة الحاكمة مثل ما تفيد شعوبها، حفظ الله خليجنا وشعوبه من كل مكروه.

احمد الصراف

أأنا العاشق الوحيد؟ (3/1)

تبين لي، بعد أن كتبت مقالات عدة عن لبنان، أن حجم المهتمين بأوضاع هذا البلد الجميل، والمغرمين به وبتاريخه وتعقيداته الاثنية والطائفية، ليس بالقليل. كما ذكرتني طلباتهم باستمرار الكتابة في الموضوع ومحاولة الاجابة عن بعض ما طرحت من أسئلة من خلال تلك المقالات، ذكرتني بقصيدة «الهوى والشباب» التي يغنيها عبدالوهاب للأخطل الصغير، والتي يقول فيها: أأنا العاشق الوحيد لتلقي تبعات الهوى على كتفي؟ فمهمة الاجابة عن تلك الأسئلة، خاصة ما تعلق منها بالجانب الطائفي، في كل جنون التطرف الذي تعيشه مجتمعاتنا، نتيجة قرون من الجهل والتجهيل، ليس بالأمر السهل.
من الواضح أن عشاق لبنان ومحبيه، والهائمين به وبغرائب أحواله كثر، كما أن من يعرفوا أحواله بشكل جيد، من لبنانيين وغيرهم، ليسوا بالقلة، فهذا البلد، الذي بالكاد تزيد مساحته على عشرة آلاف كلم2، والذي بالكاد يبلغ عدد سكانه 5 ملايين، يعيش في المهجر ثلاثة أضعافهم، لا يزال يشكل لغزا للكثيرين ومصدر الهام لغيرهم وفضولا للبقية، ففسيفساء سكانه وخلفياتهم الاثنية والطائفية والدينية كانت وستبقى مثيرة، حتى مقارنة بدولة بحجم الولايات المتحدة مثلا.
كما ذكرنا، فان لبنان يتميز بتعدد طوائف وديانات أفراد الأسرة أو العائلة نفسها، ولا نقصد هنا تلك التي تشترك بالتسمية أو المهنة نفسها، كعائلة النجار أو الخوري أو اللحام أو الشيخ أو الحاج، بل تلك التي تشترك برابطة دم واضحة وتتحدر من الجد نفسه، مثل معلوف وفواز ورحال والخازن وشهاب وغيرهم، فهذه العائلات، على سبيل المثال فقط، تتعدد مذاهب وديانات أبناء العمومة فيها نتيجة عوامل قلما توجد في دولة اخرى، وهذا ما سنحاول تغطيته في مقال الغد.

أحمد الصراف