أكثر من ثمانين عاما – والإخوان المسلمين في مصر يعانون من الاضطهاد السياسي والأمني، وبالرغم من ثورة يناير الأخيرة وسقوط نظام مبارك وانتصار الإخوان في الانتخابات وتسلم مرسي حكم مصر عاما كاملا، إلا أن أحلام الإخوان المشروعة بالحكم تحطمت على رؤوسهم كما تحطمت عليهم جدران مسجد رابعة العدوية الذي شهد آخر تجمع حاشد للإخوان بالقاهرة.
لاشك أن الإخوان المسلمين في مصر أخطأوا مرات عديدة، فبعد الثورة المصرية حيث كان الجميع يدرك أن الإخوان هم الفصيل السياسي الأكثر تنظيما وشعبية وبإمكانه حسم اي انتخابات لصالحه، ذهب الإخوان إلى طمأنة شركائهم بالثورة بانهم لن يترشحوا للرئاسة، إلا أن إغراء السلطة جعلهم يتراجعون عن وعدهم، وربما أيضا كان خوفهم من استمرار الحكم العسكري المؤقت هو ما اجبرهم على الالتزام بالمدد الزمنية لخطة للإصلاح السياسي كإصدار الدستور والانتخابات التشريعية والرئاسة بوقتها.
ربما يصدق على الإخوان في مصر المثل القائل (إن الشيطان يكمن بالتفاصيل) وأنا أزيد على ذلك وفي الانتخابات أيضا – فالإخوان ما كان عليهم خوض الانتخابات قبل إقرار الدستور وتشكيل حكومة وطنية من جميع شركاء الثورة، لكي تبدأ بتطبيق الدستور الجديد وتشرف على الانتخابات البرلمانية والرئاسية، حتى لا تتعرض الهيئات المنتخبة للتشكيك فيما بعد – وربما تحل كما حصل مع مجلس الشعب، وإعلانات الرئيس الدستورية المبطلة.
وكان حريا بالإخوان المسلمين في مصر الاكتفاء بأغلبيتهم في مجلسي الشوري والشعب وترك الرئاسة لحلفائهم الليبراليين لإنجاح الثورة وعدم إثارة مخاوف الآخرين، عملا بالمثل المصري الشهير «اللي يأكل لوحده يزور».
بل حتى بعد أن تسلم الإخوان حكم مصر، وكثر عليهم الخصوم وعادت المليونيات المعارضة لميدان التحرير ضد مرسي هذه المرة وليس حسني.
مازلت لا أعلم أي حماقة دفعت بالإخوان للتمسك بالحكم وقد خسروا تعاطف أغلب الشعب، والذي ربما لم يقف ضدهم بل التزم الحياد عندما وجه خصوم الإخوان المحليين والإقليميين سهامهم ضدهم، فلا العقل ولا النقل يؤيد تمسك مرسي والاخوان بالسلطة وقولهم بانهم يدافعون عن الشرعية بدمائهم.
فلقد جرى العرف في الدول الديموقراطية ان من ينجح بنسبة منخفضة في الانتخابات لا يمكنه اقرار قوانيين ربما تحدث تغيرات جذرية، ولا يمكنه رفض إجراء انتخابات مبكرة اذا ما دعت اليها قوى عديدة في المجتمع، فما بالك بالانقسام الحاد الذي كان وما يزال يحصل في المجتمع المصري.
اما من ناحية الشرع – فكان واضحا جدا للإخوان أن الجيش قد حسم أمره، وان هناك فئات عديدة تؤيد تحركه ضد الرئيس مرسي، فكان يجب عليهم حقن الدماء والقبول بالمبادرة الأخيرة المتمثلة بانتخابات رئاسية مبكرة، وربما استفادوا مستقبلا من هذا الموقف البطولي لمرسي والإخوان
ولكن إصرار الإخوان وتمسكهم بالحكم الذي كان من الواضح انه يتهاوى على رؤوسهم، واستخدامهم للتعبيرات الدينية والاحكام الشرعية ضد خصومهم، اسقط عنهم ورقة التوت التي كانت تسترهم شرعيا وديمقراطيا، حيث اصبحوا اقرب للتكفيريين منهم لفكر الإخوان الوسطي، وتحول سياسيو الإخوان إلى مشايخ دين للنجاة بحكمهم.
كل ما سبق ربما يؤكد ذكاء الدولة العميقة أو ما يسمى بالفلول، والتي حذر منها مرسي كثيرا، والذي أيده فيها اخيرا البرادعي «بعد خراب مالطا» عندما استقال من منصبه كنائب للرئيس الانتقالي الحالي، مبررا استقالته بانه تأكد من صحة كلام مرسي بوجود الفلول وراء كل ما حدث ويحدث الآن.
أخيرا – ربما وقع الإخوان المسلمين في مصر ضحية بين خوفهم من عودة أعدائهم إذ ما تأخروا بإقرار الدستور والانتخابات الرئاسية وبين طمعهم بالسلطة التي لطالما حلموا بها لعقود وهم يقبعون بالسجون.
حكمة سياسية: «اذا كان الاغبياء يضيعون الحكم – فان الأذكياء ربما يستردونه مرة أخرى».