سعيد محمد سعيد

«أبو لهيب» وجده «أبو لهب»!

 

يتلاقى «أبو لهيب» مع جده «أبو لهب» في عداوتهما الكبيرة للدين الإسلامي، غير أن الفرق بينهما هو أن «أبو لهيب» يزعم نصرته للإسلام ويزعم رفع رايته في دولة إسلامية فيقتل من يشاء باسم الدين، فيما كان جده «أبو لهب» يظهر عداوته للإسلام ويستأجر غيره للقتل كما استأجر يوم بدر العاص بن هشام بن المغيرة مقابل 4 آلاف درهم.

مهلاً، جدة «أبو لهيب»، ألا وهي «أم جميل»، كانت تعين جده في إيذاء نبي الأمة محمد (ص)، وكانت تجلب الأشواك وتضعها في طريق المصطفى لتدمي قدميه الشريفتين، أما حفيدها أبو لهيب، فابتكر منهجاً مستوحىً من جده وجدته، ولكنه منهج يهدف إلى نصرة الإسلام من خلال قتل الناس! خصوصاً من غير المسلمين… بل حتى وإن كانوا مسلمين، لكنهم لا يصلون ولا يعرفون الأذان والإقامة، أو من أولئك الذين لا يعرفون مثلاً.. تلاوة القرآن على طريقة المقرئ العملاق عبدالباسط عبدالصمد رحمه الله. المهم، أنهم في هذه الحالة، يستحقون القتل! أي والله… لم لا؟ وهؤلاء سواق شاحنات لا يعرفون عدد ركعات صلاة الفجر ولا يحفظون الأذان!

بالطبع، كان مشهد قتل سواق الشاحنات السوريين الثلاثة على يد النسخة الجديدة من زعيم تنظيم القاعدة أبو مصعب الزرقاوي، المدعو (شاكر وهيب الفهداوي الملقب بأبي وهيب)، مفرحاً. نعم، مفرحاً بالنسبة للكثيرين خصوصاً أولئك الذين احتفلوا بمشهد القتل الرهيب بتلك الصورة المسيئة لعظمة الدين الإسلامي حتى أنهم تبادلوا التهاني عبر وسائل وشبكات التواصل الاجتماعي، فيما عبّر بعضهم عن الابتهاج والتحذير في الوقت ذاته، فقد قال قائلهم على سبيل المثال: «صلاة الميت 9 ركعات… عليكم أن تذاكروا أيها الكفرة قبل أن تقعوا في يد أبو لهيب، فهو لا يرحم». بالمقابل، لم تجد لا من هيئة كبار العلماء ولا من اتحاد علماء المسلمين ولا من الأزهر الشريف ولا من أي عالم من كبار علماء الأمة من اعترض أو أصدر بياناً أو أرضى ضميره بكلمة حق من جوهر الدين، تدين مثل هذه الأفعال الوحشية الهمجية لتيار «قتل الحياة». ما شأنك أنت وديانة الناس؟ ومن قال لك أن الأحكام على غير المسلمين تصدر هكذا كما فعلت أنت تماماً، وكما فعل جدك أبو لهب؟.

وفي الحقيقة، لست أجد تلك الجريمة التي شاهدها الملايين على موقع اليوتيوب بتاريخ 25 أغسطس/ آب 2013، وتضمنت مشاهد إعدام ثلاثة من سائقي الشاحنات السوريين في صحراء الأنبار في العراق، لا أجدها غريبةً على أهل القتل والدمار والوحشية وسفك الدماء! لكن الغريب المذهل، هو أنه ومنذ سنوات، لم نجد مواقف واضحة من هيئة كبار العلماء ولا من الأزهر الشريف ولا من منظمة التضامن الإسلامي ولا من اتحاد علماء المسلمين، ردة فعل حقيقية وقوية تدين هؤلاء القتلة وتدين مشايخ الطين من المحرضين وأصحاب دعوات القتل والدموية بشريعة الجاهلية. هذا الصمت الرهيب ينبئ بأن ضمائر بعض كبار العلماء ماتت بالفعل، وأن هذه الجرائم ستستمر ما لم تنطلق مواقف مشتركة على مستوى الأمة الإسلامية للتنديد ومواجهة هذه الأفعال. وإلا، فالمزيد من الإرهابيين الصغار سيكبرون ويكبرون وهم يقتلون باسم الإسلام، دون فهمٍ للدين ولا لمقاصد الشريعة ولا لأحكام الشرع. سيكونون رهناً لأحكام الأهواء والمزاج والقتل على الهوية، وهو أمرٌ خطير سيتحمله كل علماء المسلمين وأولهم هيئة كبار العلماء وعلماء الأزهر الشريف.

كان أولئك السواق الثلاثة يتوسلون! في ظني، فإنهم وغيرهم من العرب، غير المسلمين، أصبحوا في مرمى ثقافة دموية تضع القتل مقابل لقمة العيش. ولنتساءل: «ما حال أهلهم وأطفالهم وهم يشاهدون ذلك المقطع؟ ثلاثة رجال خرجوا يطلبون لقمة العيش، وسواءً كانوا مسلمين، كفاراً، مسلمين غير ملتزمين، نصيريين، شيعة، علويين، مسيحيين، هل يتوجب عليهم أن يخضعوا لمحاكمة في الصحراء على هيئة محاكم التفتيش الهمجية، ثم تصدر الأحكام بقتلهم على يد مجموعةٍ من أعداء الإسلام المدعين نصرة الإسلام؟ طبعاً كان أبو لهيب، شاكر وهيب الفهداوي، هو المحقق وهو القاضي وهو الجلاد. لكن الحقيقة الواضحة من ذلك الفعل، هو أن القوات الأميركية نجحت إلى حد كبير في تخريج مجموعات من المجرمين من سجن «بودكا» في البصرة، لأنهم يدربون من يعتقدون أنفسهم مسلمين، ليصبحوا من أشرس فئات التشدد الديني. أي أنهم تربوا على «الإسلام الأميركي الذي يرفع التكبير عقب القتل والتفجير».

في حديثه عن علاقة الإسلام بالإرهاب، يضع المفكر والباحث محمد الحنفي مدخلاً يسيراً مفهوماً وهو أن حقيقة الإسلام تقتضي أن يسود السلام بين المسلمين، وبينهم وبين غيرهم من معتنقي الديانات السماوية الأخرى، وسيادة السلام تقتضي إجراء الحوار الهادئ بين المسلمين حول القضايا الخلافية والاختلافية وصولاً إلى خلاصات تتحقق معها وحدة المسلمين على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، وتباعد أقطارهم، وتدفع بهم إلى البحث عن سبل تجنب ممارسة الإقصاء على غير المسلمين بالسعي إلى تجنب الخوض في أمور دينهم، وتوفير شروط ممارستهم لحريتهم العقائدية.

فالإسلام كدين انتشر على أساس الحوار والإقناع والاقتناع، امتثالاً لقول الله عز وجل: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» (النحل: 125)، وهو لا يسعى أبداً إلى محاربة العقائد الأخرى، بل يتحاور معها ويحترمها ويشاركها أهدافها ما دامت توحد عبادة الله، وهو مصداق الآية الكريمة «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله» (آل عمران: 64)، وإذا كان هذا هو سلوك المسلمين الذين تلقوا تربيةً روحيةً سليمةً انطلاقاً من الدين الإسلامي الحنيف تجاه غير المسلمين من أهل الكتاب، وتجاه الذين لا دين لهم، فإن احترام المسلمين يكون أولى كيفما كان الاختلاف معهم، وكيفما كانت تأويلاتهم للنصوص الثابتة من الكتاب والسنة، ومهما كان المذهب الذي يقتنعون به، وهو ما يجيز لنا أن نقول بأن الدين الإسلامي هو دين السلام، والسلام يعني تجنب إلحاق الضرر بالغير مع سبق الإصرار والترصد، سواء كان الضرر مادياً أو معنوياً، وهو ما يتنافى مع الشريعة الإسلامية التي تنهى عن ذلك. فقد ورد في القرآن الكريم «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً» (المائدة: 32). فالسلام إذن هو منهج إسلامي سام، في إطاره يمكن الحفاظ على سلامة الإنسان مادياً ومعنوياً، والسلام نقيض الإرهاب الذي يتفق الجميع على مناهضته مهما كان مصدره .(انتهى الاقتباس).

وحتى لا يأتي أحد فيملأ التعقيبات على المقال بكلمة: «ماذا عن قتل أهل السنة؟ وماذا عن قتل الشيعة؟ وماذا عن قتل المسيحيين؟ لماذا لم تشر إليهم»، فأقول: «كل ما سبق ينطبق على كل همجي وحشي جاهلي يحمل السلاح ويقتل بالهوية أياً كان مذهبه… اتسندوا».

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *