محمد الوشيحي

سليمان الفليّح… لا حزن عليك ولا بكاء

عندما مات محمود السعدني قلت "تقلصت السخرية في الأرض"، وبعد أن مات سليمان الفليح أقول "تقلصت الصعلكة في الأرض"، فلكل صفة سيدها؛ سيد سادات السحر هو "شمهروش" أو "شمهورش" كما يسميه البعض، وسيد سادات السخرية هو محمود السعدني، ويسميه الإنكليز "مهمود سأدني" كما يدّعي، وسيد سادات الصعلكة والفوضى هو سليمان الفليح.
هو آخر إنسان في هذا الكوكب يمكن أن يدرس هندسة الديكور، أو يشغل وظيفة "مدير الشؤون الإدارية"، فكيانه قائم على الفوضى المحببة إلى القلب، وهو مخلوق من الفوضى؛ لباسه فوضى، ويوميات حياته فوضى، وهو صاحب أكبر حقل للفوضى، وهو المصدّر الأكبر للفوضى… وسيزورك ومن معه ليتناولوا عندك العشاء، وبعد العشاء سترتفع أصواتكم بالغناء، والقصائد، والحكايات، والتاريخ، والمقالب، والسخرية من الذات، وسيشعر بالتعب، لكنه لن يكلف نفسه عناء العودة إلى منزله "فكل بقعة في الأرض هي غرفة نوم بسريرها"، لذا سيلفّ الغترة على عينيه، ويُرجع رأسه إلى الخلف، ويتمدد على "كنب الديوانية" و… تصبحون على خير.
الحياة لا تحتاج إلى مزيد من التعقيد، يكفيها ما فيها، هكذا يظن عاشق الصحراء وراوي حكاياتها، الأديب والشاعر سليمان الفليح. الذي ما إن تقرأ كتاباته عن الصحراء وحياة الرحّل، حتى تتمنى لو أنك عشت الحقبة تلك، بثياب ممزقة، وأقدام لم تحتضنها أحذية "فيرونا"، وبشرة لم تُدهن بكريمات الترطيب، وجدائل شعر لم يمسسها بلسم، لتنتظر معشوقتك عند بئر الماء، فتأتيك تتلفت هلعاً، وتغمرك بأنوثتها، وحيويتها، وحيائها، ونقائها، ورائحتها التي لم تخالطها الكيماويات…  
لم ألتقه مع الأسف الأسيف، لكنني سمعت عنه من جلسائه وجنوده في كتائب الصعلكة ما يجعلني أبصم بأنه "سيد سادات الصعلكة والفوضى". ولم يكن بيني وبينه سوى مكالمة هاتفية واحدة تلقيتها منه، قلت له في آخرها "إذا أدخلني الله النار بسبب الغرور فسأحملك المسؤولية".
رحمك الله أستاذنا أبا سامي، كدت أحزن عليك لولا كل هذا الفقد الذي شعر به الناس بعد غيابك. ومن يفتقده الناس كما افتقدوك، فلا حزن عليه ولا بكاء.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *