سامي النصف

الحكومة والدستور والأكثرية البرلمانية

شاركنا ليلة الجمعة الماضية في حلقة اخرى من برنامج «مواجهة» على قناة الوطن، وقد استضافت الحلقة شخصيات بارزة ذات ثقل، واسعة الخبرة والاطلاع على الوضع السياسي الكويتي وذات آراء مختلفة، إلا أنها في مجملها اثراء حقيقي للحوار وكان الضيوف هم الاخوة احمد باقر، م.عبدالله خسروه ود.عبدالرحمن البصمان.

***

ومما تم التطرق اليه قضية الحاجة الى «دستور جديد»، وهو امر مستغرب جدا كونه مطروحا من نفس التوجهات السياسية التي رفعت لسنوات طوال شعار «إلا الدستور»، ومنعت بذلك تعديله وتنقيحه للافضل بعكس رغبة الآباء الحكماء المؤسسين للدستور ممن دعوا لتنقيحه بعد 5 سنوات (لا خمسين عاما) من بدء العمل به ومن ثم وجدنا هناك تطرفا لا يليق بالرأي انحرف من تقديس الدستور الى طلب نسفه بالكامل بحجة واهية وهي ان هناك ضمن مواده ما اختلف بعض الناس عليه، وقد كان ردنا انه حتى الكتب السماوية اختلف الناس عليها، فهل يعني ذلك الغاءها او استبدالها لارضاء من لم يفهم مقاصدها ومعانيها الخيرة؟

***

كما طرح في اللقاء مقترح ضرورة حصول الحكومة على «اكثرية برلمانية» عبر توزير ممثلين للكتل السياسية للحصول على تأييد 17 نائبا (+ 16 وزيرا) فتكون هناك اغلبية برلمانية دائمة للحكومة وقد كان تعقيبنا ان لذلك الطرح جانبا نظريا ممتازا الا ان الواقع المعيش والتجارب السابقة تظهر عكسه، فمثل تلك الاغلبية ستختفي سريعا مع اول استجواب يقدم كما حدث مرارا وتكرارا في الماضي، حيث تتخلى الكتل حتى عن وزيرهم وممثلهم في الحكومة، واحيانا يقومون بفصله اضافة الى قيام تلك الكتل بابتزاز الحكومة واستخدامها لصالحهم بدلا من العكس مما يثير حنق النواب الآخرين فتكسب 17 وتخسر 33، وكان الحل الافضل حسب رأينا ان تعمل الحكومة ولديها ما لديها من نفوذ على حث الناخب على اختيار «افضل النواب» لا من يدعون الولاء لها ثم ينقلبون عليها حال الوصول، فالنواب الافاضل المعروفون بالكفاءة والامانة سيقفون بشدة مع الحكومة ودون منة اذا ما وجدوا ان فيما تطرحه فائدة للناس لمعرفتهم أن افشال عمل الحكومة سيعني افشال مشروع نهضة الكويت وتقدمها، مما يلقي بجوانبه السالبة على العملية الديموقراطية برمتها.

***

ويحتاج خلق اكثرية دائمة لا متغيرة الى وزراء اكفاء امناء من ذوي السمعة الحسنة في المجتمع الكويتي الصغير، من القادرين على الدفاع عن مشاريعهم وخطط الحكومة معها بالكلام واستخدام وسائل الاعلام وهو ما يساعد على حشد النواب للوقوف مع الحكومة في مشاريعها وخططها للنهوض بالبلد، فصمت الوزراء يحرج النواب الراغبين في الدفاع عنها والاصطفاف معها امام ناخبيهم كونه يظهرهم بمظهر الملكي اكثر من الملك وكأن في دفاعه مصالح خاصة له وهو ما لا يرضاه مثل هؤلاء النواب الشرفاء ممن يرون ضرورة ان يسعى الوزير ويسعوا هم معه لا ان يحاربوا بدلا منه.

***

آخر محطة: 1 – رأينا ان احد اهم اسباب عدم اصطفاف النواب مع الحكومة في مشاريعها وخططها غياب عمليات التأهيل للعمل السياسي المسبقة للنواب والوزراء الجدد والتي توضح لهم الهدف من العملية السياسية والممارسة المثلى لها وهو الامر المعمول به في جميع الديموقراطيات المتقدمة الاخرى.

2 – كما رأينا ضرورة تخصيص 5 من الفريق المحيط بالنائب من اصحاب اختصاص في القانون والاقتصاد والسياسة والمحاسبة وبعض التخصصات الاخرى (تعليم، صحة، نفط..الخ)، فجودة أداء النائب في اي بلد في العالم هي بجودة الفريق المحيط به، فبعض اشكالات الماضي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية قد يكون تسبب فيها الجهل بمقاصد العمل السياسي أكثر من سوء القصد.

3 – نرجو من الأخ صلاح الجاسم زيادة العينة التي يتم الاتصال بها لعمل الاستفتاءات من 150 الى 500 ناخب ليصبح الاستفتاء اكثر دقة، فلا يعقل ان يتصدر على سبيل المثال مرشح ما الدائرة كونه حاز 9 أصوات ويبعد ويضار آخر كونه حاز 3 اصوات في الاستفتاء والفارق بينهما 6 اصوات في دائرة بها مائة ألف ناخب او أكثر.

حسن العيسى

ضحايا بيت العز

أنظر إلى المتهمين اليوم في قضايا شراء ذمم الناخبين على أنهم "ضحايا" النظام وليسوا أفراداً فاسدين. هم "ضحايا" بمعنى أنهم شاهدوا طريق سوق الجمعة لشراء وبيع الذمم ممهداً وسالكاً، فلم يفعلوا غير أنهم سلكوه وساروا عليه، وتحدثوا مع أنفسهم مقتنعين أن حالهم كحال غيرهم (بفرض تأكُّد الاتهامات ضدهم بأحكام نهائية)، وأنهم لم يصنعوا غير ما صنعه غيرهم الذين سبقوهم والذين سيأتون من بعدهم، فهم لم يأتوا بجديد، ولم يضعوا عرفاً جديداً في تاريخ الدولة النفطي الريعي، فلماذا أضحت "جريمة" اليوم بحقهم، بينما كانت من الأمور المسكوت عنها و"باردة مبردة" حين ارتكبها الآخرون في مجالس سابقة وأمام عيون السلطة وبمباركتها، لا وبأكثر من المباركة، ولنقل بمشاركتها… ولماذا يتهمون اليوم؟ ولماذا ترفع الصحافة اعلام "فضائح" الرشا وصناديق شراء الذمم كأنها وجدت فانوس علاء الدين أو خاتم سليمان في قضيتهم الآن، بينما هناك قضايا فساد أكبر وأخطر، تمت "الصهينة" عنها وسكت عنها الكثيرون؟!
 المتهمون اليوم هم، حالة عرضية، هم مجرد مظهر لطفح جلدي لمرض مستوطن في عظام الدولة  تُغذى فيروساته من ممارسة مستقرة للسلطة الحاكمة، فهل وقفت زوبعة شراء الأصوات على زيد البائس وعبيد الساذج من الناس؟ أين الصحافة وأين عين الأمن الساهرة؟ وأين دولة القانون في شراء ليس الناخبين، بل شراء نواب برمتهم ومواقفهم السياسية في مجالس الأمة الشكلية بأغلى الأسعار، وبأثمان باهظة اقتُطعت من صناديق "خير" مجهولة وعبر ثقوب كبيرة في جلباب المال العام؟!
  هل نسينا الإيداعات المليونية في حسابات عدد من النواب؟ وكيف انتهت بغير مفارقة وضع النائب السابق فيصل مسلم بقفص الاتهام حين قام بواجبه الوطني بالكشف عن جرائم سلطة المؤلفة قلوبهم؟ وبماذا انتهت قبلها "فضائح هاليبرتون" المليارية ومن اتهم فيها ومن لم يتهم وإلى أين انتهت ملفاتها؟ وماذا عن طوارئ الكهرباء 2007؟ وكيف تم  نزع مناقصاتها عن شركات معروفة، ثم تفصيلها على مقاس وكلاء شركات جديدة أصحابها يتحلقون في الدائرة الضيقة للسلطة؟! وهل نتذكر، مثلاً، وأكرر مثلاً، مرة ثانية وثالثة ورابعة وللمرة الألف قضية اللوحات الإعلانية لمرشحي مجلس 2008 (على ما أذكر فقد تاهت ذاكرتي بعدد المجالس التي عاشت أعماراً صغيرة وحلت)، وكيف خصص لها أكثر من خمسة ملايين دينار، بينما تم الكشف عن حقيقة مناقصة اللوحات الإرشادية لمجلس الأمة والمجلس البلدي. فيما بعد، بما لا يزيد على ٩٥ ألف دينار؟… وهل نتذكر كيف وقف أحد النواب (إياهم) وصرخ بأعلى صوت في ذلك الوقت: "اذيتونا على خمسة ملايين… شنو يعني خمسة ملايين"!
 ليتها كانت قضية واحدة  بخمسة ملايين او بخمسين مليوناً… بل هي أكثر وأكثر دون سقف… ليست هي "لوحات إعلان" لمرشحي مجلس ما، بل هي لوحة كبيرة تختصر منهج الدولة بمثل "من صادها بالأول، عشى عياله"… وما أكثر الصيادين اليوم في زمننا الأغبر، بينما يقبع الخيرون أهل الضمير في أقفاص الاتهام ينتظرون محاكمات لا عد ولا حصر لها…  هل عرفتم لماذا أشعر بالتعاطف مع المتهمين بجرائم الانتخابات وأقول إنهم ضحايا بيت العز الكويتي؟!

احمد الصراف

حلاوة بالسمّ!

كتب بيتر أورزاك Peter Orszac مقالاً في «بلومبرغ» ذكر فيه، نقلا عن الرئيس الأميركي روزفلت قوله: إن أفضل جائزة يمكن أن تمنحنا إياها الحياة هي الفرصة في أن نجد عملا نقوم بأدائه بصلابة، ويستحق أمر القيام به! وقد أثبتت التجارب الحديثة أنه كان على حق في قوله، ربما أكثر مما أعتقد. فأفضل جوائز الحياة هي القيام بعمل ما، فهذا يطيل في الأعمار! فوفقا لمفهومنا العام أن التقاعد هو وقت أخذ الراحة من العمل المستمر لكي نعتني بأنفسنا أكثر بعد حياة عملية مستمرة، ولكن ماذا لو تبين لنا أن العمل هو ما سيفيد صحتنا، وليس التخلي عنه بالتقاعد؟ فقد بينت دراسة لــ Jennifer Montez من جامعة هارفرد، وزميلة لها من جامعة وايومنغ، عن سبب التسارع الأخير في اتساع الهوة في العمر المتوقع للمتعلمين عاليا، والأقل تعليما في الولايات المتحدة، حيث لوحظ مثلا أن المتعلمات من النساء، واللاتي لم ينقطعن عن أداء وظيفة أو مهنة ما، كان متوسط أعمارهن أطول بكثير من الأقل تعليما، واللاتي حصلن على وظائف لفترة اقل، أو فضلن التقاعد المبكر والبقاء في البيت! كما تبين من الدراسة أن السبب لم يكن له علاقة بقلة عافية أو تدهور صحة الأقل تعليما، بل كان العامل المرجح في الغالب هو استمرار المتعلمة أكثر في العمل لفترة أطول. كما بينت دراسة أخرى في معهد الشؤون الاقتصادية في بريطانيا المساوئ الصحية للتقاعد المبكر، ودور التقاعد في الإصابة بالكآبة، وأن التأثير السلبي كان يتزايد مع تمضية فترة أطول في التقاعد. كما بينت دراسة نشرت عام 2008 في National Bureau of Economic أن التقاعد يزيد من صعوبات الحركة والأنشطة اليومية بنسبة %5 – %16 كما أن للتوقف عن العمل وتقليل التواصل الاجتماعي تأثيرات سلبية في القدرات العقلية. وعلى الرغم من وجود دراسات معاكسة تقول بفوائد التقاعد، إلا أن هناك شبه إجماع على أن توقف المخ عن أداء الوظائف الصعبة المصاحبة عادة لعمل جاد له تأثير سلبي، وبالتالي فالاعتقاد السائد والخاطئ، أن فوزنا بـ«يانصيب» كبير مثلا سيتيح الفرصة لنا لقضاء ما تبقى من حياتنا على شاطئ بحر جميل في جزيرة أجمل، وأن هذا سيطيل من أعمارنا، بدلا من اللهث وراء عمل مضنٍ. وبالتالي فما يدعيه البعض من أن عمله سيقضي عليه قد يكون العكس أكثر صحة، بالتالي فإن ما سعى إليه بعض متخلفي مجالس الأمة، وباستماتة واضحة، في حث النساء العاملات إلى العودة لبيوتهن، من خلال إقرار نظام تقاعد مبكر، سيقضي عليهن في نهاية الأمر، ولن يطيل أعمارهن! كما أن هدف هؤلاء المشرعين واضح، فبقاء المرأة في بيتها «أستر» لها، ولو كان في ذلك تأثيرات سلبية عدة عليها! فيا نساء العالمين العربي والإسلامي، والكويت بالذات، يكفينا وإياكن تخلفا باختيار البقاء في البيت من دون عمل، بل عليكن واجب أداء اي وظيفة أو عمل تجاري، ولو كان بسيطاً، وإشغال أذهانكن بالتفكير في الحلول العملية أو التجارية للمصاعب التي تواجهكن يوميا، وعدم الالتفات الى دعوات التقاعد المبكر، فحلاوة مكافآت البقاء في البيت تحتوي على سمّ فتّاك، وبالتالي عليكن اختيار المرشح أو المرشحة التي أو الذي يسعى لرفع مستوياتكم، وليست التي أو الذي يسعى لإبقائكن في البيت.. من دون عمل!

أحمد الصراف