محمد الوشيحي

اللعبة المميتة في مصر…

البشرية كلها، من باراك أوباما إلى سعود الورع، عيونها على ميدان التحرير وميدان رابعة العدوية، تقارن الأعداد بالأعداد والصيحات بالصيحات والثبات بالثبات، وتترقب قرار القوات المسلحة.
وأنا من هذه البشرية، وعندي شهود ثقات على ذلك، وكنت أزعم أنني سأموت قبل أن أؤيد الإخوان المسلمين، أو قبل أن أؤيد كل من ألبس السياسة جلابية دينية، لكنني وجدت نفسي مع بقاء مرسي على كرسي الرئاسة، ليش؟ لأن معارضيه لو نجحوا في خلعه، فلن تنتهي اللعبة المميتة عند هذه اللحظة، ولن يطلق الحكم صافرته، بل ستستمر إلى اللانهاية، فينجح البرادعي، فيتظاهر الإخوان والسلف وكل المتدينين احتجاجاً، فيسقط البرادعي، فينجح السلفي حسان، فيحتج الليبراليون فيسقط حسان، فينجح صباحي، فيتظاهر المتدينون، فيسقط صباحي، ووو… ثم ماذا؟
سأجيبك عن السؤال "ثم ماذا؟": سينصرف ذهن قيادات الجيش إلى ما يحدث في ميادين مصر على حساب حدود مصر، وعلى حساب خطط تطوير الجيش، وستتأثر الروح المعنوية لعساكر الجيش إذا ما أريقت دماء الناس في الشوارع والميادين، وسيجد لصوص المال العام الفرصة سانحة لعمل كل ما يخطر وما لا يخطر على البال، وسيتضاءل الأمن الداخلي في الشوارع والبيوت وسيتلاشى كدخان سيجارة، وسينهار الاقتصاد المصري، المرتبط طبعاً بالأمن الداخلي والخارجي، وستنهار البورصة، وسيسحب المستثمرون الأجانب الكبار أموالهم، وستنهار الأنشطة التجارية المتوسطة، وتزداد البطالة، وتنهار مؤسسات الدولة، الواحدة تلو الأخرى، وتنشغل المستشفيات بمصابي المظاهرات على حساب المرضى الاعتياديين، وستتأثر الحركة الفنية سلباً، ووو… وسيسيطر البوم النعاق على الأجواء.
طيب ما الحل لو كنت مكان المعارضة وأنت ترى الإخوان المسلمين يعبثون بقواعد اللعبة الديمقراطية، ويكتبون على غلاف الدستور "أملاك خاصة"، بل و"يؤخونون مفاصل الدولة"، وغير ذلك من الألاعيب أو "الأعابيث"… ما الحل؟
الحل سهل جداً، دعوا الشرعية التي جاءت عبر الصناديق تحكم، لتبرهنوا على إيمانكم بالديمقراطية، ولا تخففوا قبضتكم الرقابية والإعلامية على تصرفات الإخوان المسلمين، كي لا يمددوا أرجلهم على الطاولة ويتصرفوا كالقياصرة، ورصوا صفوفكم لانتخابات مجلس الشعب، والانتخابات الرئاسية القادمة، واستغلوا فرصة ضعف التيار الديني وتدخل القوات المسلحة واضغطوا في اتجاه إقرار قوانين تحظر (تمنع قيام) الأحزاب الدينية، كي تؤسسوا نهجاً يفيد مصر المستقبل وأجيالها القادمة.

حسن العيسى

نصيحة في مكانها وغير مكانها

نصح الرئيس أوباما الرئيس محمد مرسي حتى تتجاوز مصر محنتها، وأخبره بأن الديمقراطية ليست صندوق انتخابات فقط، بل هي أكثر من ذلك، فهي تعني أن تستمع الحكومة لصوت الجميع (واشنطن بوست عدد ٢ يوليو)، نصيحة في مكانها الصحيح، وبمثل هذا تصف الأستاذة سمر شحاتة الغليان المصري اليوم بأنه مواجهة بين ديمقراطيين غير ليبراليين (الإخوان والقوى الإسلامية المتحالفة معهم) ضد ليبراليين غير ديمقراطيين، (نيويورك تايمز ٢ يوليو) وهذا صحيح نوعاً ما، وليس بالإطلاق، وهو يعيدنا لكتاب فريد زكريا الذي نشر قبل بضع سنوات بعنوان الديمقراطية (غير الليبرالية)، فلا نتصور أن توجد ديمقراطية حقيقية لا تقوم على أساس الليبرالية، أي مبدأ التسامح وفتح المجال للقوى السياسية غير الفائزة في الانتخابات للمشاركة في صنع القرار السياسي مع الحزب الفائز، وهذا ما لم يفعله الرئيس مرسي، فهو وإن كان يمثل "الشرعية" القانونية كرئيس منتخب من الأغلبية مهما كانت نسبة نجاحه ضئيلة، إلا أنه بإعلانه الدستوري وباختياراته للقيادات السياسية همش الآخرين من ليبراليين ويساريين، وترك "جماعته وعشيرته" تهيمن على مفاصل الدولة، وفي الوقت ذاته تحدى سلطة القضاء و"حصن" (وأعوذ بالله من شرور تحصين ما لا يصح تحصينه) قراراته من الرقابة القضائية.
أخطاء كبيرة ارتكبها الرئيس الشرعي محمد مرسي، والذي قوضت شرعيته القانونية بعد أن انتفضت عليها "الشرعية الجماهيرية"، فهل توجد حقيقة شرعية جماهيرية، أو "شرعية ثورية"! تلك التعابير تذكرنا بأيام الانقلابات العسكرية التي عصفت بالمنطقة العربية بعد الاستقلال، حين تذرعت تلك الجماعات العسكرية بالشرعية الثورية، وقوضت الملكيات الحاكمة التي كانت رغم حجم فسادها الكبير وإهمالها لشرائح عريضة من البؤساء أفضل تمثيلاً للشرعيات الدستورية من الأنظمة العسكرية التي انتزعت السلطة من الملكيات التابعة للمستعمر الإنكليزي أو الفرنسي.
من هنا يظهر أكثر من كاتب غربي يشبه واقعنا العربي اليوم بأوروبا عام ١٨٤٨، وهي أوروبا الثورات التي شملت معظم القارة الأوروبية –باستثناء إنكلترا وبلجيكا- وامتدت حتى البرازيل، وكانت سنة ميلاد البيان الشيوعي لماركس وانغلز. فقامت ثورات ليبرالية برجوازية وأزاحت أنظمة الحكم الملكية، إلا أن قوى الثورة المضادة، في ما بعد، لم تمكنها وعادت الملكيات بعد فترات اختلف زمنها في كل بلد، الآن عودة الملكيات كانت بصورة غير السابقة، فقد عادت لتتطور في ما بعد بشكل الملكية الدستورية. نلاحظ أن ثورات ١٨٤٨ ولدت ومعها وقبلها دعاة فكر متميز ثقيل، مثل ماركس وانغلز وبرودن وتوكفيل وغيرهم، بينما في ثوراتنا لم تنجب الأرض ولم تخلق الظروف التاريخية مثل تلك الأسماء المبهرة التي غيرت مسار التاريخ في أوروبا وما بعد أوروبا، بل حبلت الأرض العربية برجال مثل بن لادن والظواهري ومن على شاكلتهما.
كما أن البعض الآخر من الكتاب يشبه حال مصر الآن ومعها تركيا (والبرازيل اليوم) بأوروبا ١٩٦٨ (ثورة الطلبة أو الثورة الجنسية)، وهذا تشبيه غير دقيق، ففرنسا ومعظم دول أوروبا في تلك السنة كانت تحيا رخاء اقتصادياً ما بعد الحرب الثانية، والصراع انفجر ليس لأسباب اقتصادية وعدالة اجتماعية فقط، كان صراع أجيال عند المؤرخ اليساري الراحل المؤرخ توني جودت، ولا تشابه في النهايات بين الرئيس مرسي اليوم وديغول الأمس، فهما وإن اشتركا في "فردانية" الإدارة السياسية نوعاً ما، إلا أن محرر فرنسا بعدما جاء الاستفتاء العام لغير صالحه تقدم باستقالته ورحل، ولا يظهر أن مرسي سيفعل مثله… وبكل حال ففرنسا ٦٨ أقرب لتركيا "أردوغان" اليوم منها إلى مصر، فالأخيرة تعاني أسوأ أوقاتها الاقتصادية بعد الثورة، فمعدلات البطالة تزايدت، وانخفضت السياحة إلى أدنى مستوياتها… وليس في جيب مرسي إلا وصفات قديمة من تراث مبارك لحل معضلة مصر الاقتصادية بعد الثورة، كان هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ألم يكن من المتصور أن يرد الرئيس المصري على نصيحة أوباما، ويسأله: ماذا فعلت أميركا للربيع العربي، هل مدت يد العون لدوله وانتشلتها من دوامة الفقر…! هل خطر ببال العم أوباما مثل مشروع مارشال الذي أنقذ الاقتصاد الأوروبي بعد الحرب كي ينقذ اليوم روح الربيع الذاوية…! فقط وقف الرئيس الأميركي يتفرج ويقدم النصيحة عن الليبرالية الديمقراطية لرئيس دولة تختنق اقتصادياً… وتمهد أرضها والأرض العربية حولها لعودة أشباح بن لادن وطائراته والزرقاوي وسكاكينه…!

احمد الصراف

ملاحظات نزار وسعود

امتلأت وسائل الإعلام الإقليمية في الأشهر القليلة الماضية، بدعوات لمقاطعة الشيعة وتخوينهم وتخويف الجماهير منهم والدعوة لقتلهم، لأنهم، وليس المجاعة ولا الفقر ولا المرض ولا أميركا ولا حتى إسرائيل، يمثلون الخطر الأكبر المقبل!! وهذا المقال شبه رد على هذا الشحن الطائفي السخيف الذي لا يهدف لغير إشعال المنطقة بحروب طائفية مدمرة!
عاد صديق ورجل أعمال معروف من زيارة استغرقت أسبوعا لمدينتي النجف وكربلاء، حيث أنهى عدة صفقات تجارية. وقال انه تألم لوضع المدينتين، وهو المختلف مذهبيا عن سكانهما! فبالرغم من أنه وجد ترحيبا جميلا، ومناخا استثماريا جيدا، إلا أنه لم يرتح لا في نومه ولا تنقله ولا طعامه بسبب افتقار المدينتين لكل شيء يليق بمكانتيهما، الدينية والتاريخية! وقد ذكرتني ملاحظاته تلك بمقال كتبه الزميل العراقي نزار أحمد، تطرق فيه لما تعرضت له المناطق الشيعية، طوال عقود، من إهمال الحكومات المتعاقبة لها، بالرغم من أن الشيعة شاركوا في تلك الحكومات بشكل مميز وقوي. واشتكى الزميل من هيمنة السنة على الوظائف الحكومية، وتطرق لسبب ذلك تاليا. وقال ان المجتمع الشيعي، ومنذ ولاية الدولة العثمانية، يختلف عن المكونين السني والكردي، حيث تتحكم به مؤسستان: الدينية والعشائرية، فالأولى دفعت ولا تزال باتجاه إبقاء اتباعهم تحت سيطرتهم، لاستمرار استفادتهم منهم ومن ضعفهم. وقال انه عند نشأة الدولة العراقية عام 1921 قامت المؤسسة الدينية الشيعية بمقاطعة العملية السياسية وحرمت الانتماء الى مؤسسات الدولة العراقية او حتى التعامل معها، وهذا مهد الطريق لهيمنة المكون السني! كما حرمت المؤسسة الدينية الشيعية، او لم تشجع الانتساب الى الكليات العسكرية، وبالتالي رأينا أن غالبية من قاموا بالانقلابات العسكرية، على مدى نصف قرن تقريبا، كانوا من السنة، وليس في هذا طبعا ما يدعو للفخر!! كما كان للمرجعيات دور في إفقار المجتمع من خلال تأييدها للاقطاع الزراعي والنظام العشائري. كما أن المرجعية لم تكن بطبيعة الحال تؤيد الانتماء للأحزاب الليبرالية والتقدمية، والغريب ان في مرحلة ما كان المكون الأساسي للأحزاب الشيوعية من الشيعة!
ويستطرد زميلنا في القول انه، وبعد ثماني سنوات من وصول الحكومات الشيعية الى دفة الحكم، لا يزال السؤال واردا: ماذا قدمت للمكون الشيعي غير الفقر والتشرذم والتخلف والامراض والبطالة ونقص الخدمات والركود الاقتصادي والفقر الثقافي واغتصاب الأنشطة الترفيهية وتقسيم المجتمع الشيعي الى بؤر دينية متناحرة واعادة هيمنة النظام العشائري؟ ويورد الزميل سؤالا مهما آخر: لماذا لا يمثل الشيعة غير صاحب العمامة؟ ويجيب بأن السبب يكمن في تحكم المؤسسة الدينية، وسياستها في ابقاء المجتمع الشيعي متخلفا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا، وبالتالي لم يتجرأ غيرهم على تمثيل الشيعة! ملاحظات صديقي رجل الأعمال، وكلمات الزميل نزار، دفعتني للتساؤل عن مصير مليارات الدولارات التي دفعت، على مدى نصف القرن الماضي على الأقل، من «الخمس» والمساعدات، لكبار الشخصيات السياسية والدينية؟ وهل حقا يمثل العراق أو حتى إيران المنهكة بمشاكل ومصائب لا تعد ولا تحصى، بفضل حكم متخلف، خطرا على أمن المنطقة وسلامتها؟

أحمد الصراف