حسن العيسى

لا صوت يعلو صوت شيوخنا

أتفق مع الزميل خليل حيدر في مقاله بـ"الوطن" عن حكمة تسمية كثير من شوارع الكويت ومناطقها بأسماء أشخاص لم يقدموا شيئاً للدولة ولا لتاريخها، كل ما نعرفه عنهم أنهم ساهموا في تراكم ثرواتهم وبناء مستقبل سلالتهم المالية، وبعضهم كانت له سيرة لا تشرف في الجهاز الإداري أو السياسي للدولة، ومع ذلك نصعق كل يوم حين نمر على هذا أو ذاك الشارع ونطالع اسم جناب المرحوم "الكبير" منقوشاً على اللوحة الإرشادية الزرقاء بأول الشارع ونهايته. بينما هناك عدد من الأفراد الوافدين عرباً وغير عرب قدموا الكثير إلى الدولة وإلى ماضيها تم طي ذكراهم ومساهماتهم للدولة، ورحلوا عنا وعن الحياة بصمت، ولم يتم تكريم أي "ذكرى" لهم، ولا لما قدموه، واعتبرتهم السلطة واهبة التكريمات والتشريفات بثقافة "الأنا" النفطية كانوا "يترزقون" سبل العيش بالدولة، وأنهم قد أخذوا المعلوم وانتهوا وانتهينا معهم…!
طبعاً هناك الكثير من أهل الكويت يستحقون أن يكرموا بحياتهم، وتخلد ذكراهم بعد وفاتهم حين تسمى بعض الشوارع أو المؤسسات بأسمائهم، لكن ما يحدث أن هناك أيضاً نكرات لم نعرف عنهم أي شيء غير أنهم كويتيون ولا أكثر، لصقت أسماؤهم على اللوحات الزرقاء… لماذا…؟ هناك اعتباطية غير مفهومة عقلياً في إطلاق أسماء هؤلاء على شوارع الديرة، وهناك بخس كبير، أيضاً، لهوية الدولة وتاريخها حين تسمى مناطق سكنية (أو مشاريع سكنية) ليس لها أول ولا آخر بأسماء أفراد من الأسرة الحاكمة، وأصبحت هذه الظاهرة أكثر تجسداً في السنوات الأخيرة، وبعد التحرير، ويخشى أن يأتي اليوم الذي يغير فيه اسم البلد من الدولة الكويتية إلى الدولة الصباحية، ومع كل التقدير لهذا أو ذاك الشيخ الذي رحل إلا أنه لا يمكن فهم "تخليد" ذكراه بتلك الطريقة التي تنهش ذاكرة الأمة وتسخفها إلى حد بعيد.
يقيناً إن إطلاق تسميات بعض الأفراد على شوارع الكويت ممن لم يكن لهم دور في بناء الدولة قصد به نوع من "الترضية" الاجتماعية لأفراد أسرة أو قبيلة المرحوم، ويقيناً، أيضاً، إن هذا يعد نوعاً من شراء الولاءات السياسية يصاحبه استثمار سياسي لعشيرة الراحل، لكنه يدل قبل ذلك على خواء فكري ولا مبالاة لروح الدولة في قرارات التسمية بتلك الممارسة الفجة، ويمكن عده على أنه اختزال للدولة بقطعة أرض أو شاليه أو مزرعة خاصة "مملوكة" بالكامل للأسرة المالكة، تهب من تشاء وتمنع عما تشاء، وإن كان المرحوم عبدالله السالم قد حسم وأنهى "دولة البراميل" (تملك الأراضي الخلاء بوضع اليد عن طريق تحويطها بالبراميل) بقانون تنظيم الأراضي الأميرية في خمسينيات القرن الماضي، إلا أن النهج البرميلي في الاستحواذ المادي أو المعنوي على مقدرات البلد، كما في تسميات المناطق وبالتبعية الشوارع، مازال قائماً، ولم يفعل وزير المالية السيد مصطفى الشمالي شيئاً إلا أنه عبر عن هذا الواقع بعفوية بعبارة "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، آسف… كتبتها خطأ… والتصحيح هو "لا صوت يعلو فوق صوت الحكومة"، وتفسيرها أنه "لا صوت يعلو فوق صوت الشيوخ"، فهم الحكومة بداية ونهاية.

احمد الصراف

الرميحي.. و«الإخوان»

كتب الزميل محمد الرميحي مقالاً في «الشرق الأوسط»، تعلق بتاريخ الإخوان المسلمين في الخليج، وذكر أنهم وقعوا ضحية ظروف نشأة منظومتهم بسبب خصامها مع العصر أولاً، وثانياً ربطها للسياسة بالايديولوجية، الأولى متغيرة والثانية جامدة! وهنا نضيف لأسباب فشل «الإخوان» سببين آخرين، وهما: ضعف الخلفيات الثقافية و«الإبداعية» للمنتمين اليها، حيث يغلب الجمود، لا بل التحجر على فكر الكثيرين منهم. كما أن عددا كبيرا ممن انتمى اليهم، خاصة في دول الخليج، لم يكن هدفهم دينيا صرفا بقدر ما كان للاستفادة من قوتهم السياسية في تحقيق النفوذ والثروة، ولو بطرق ملتوية، والأمثلة، على من نجحوا في تحقيق صفقات كبيرة – ومع الحكومات بالذات – كثيرة، وهم يعرفون ذلك جيدا! ويعود الزميل الرميحي ليقول إن الإخوان، في تجلياتهم المختلفة، سرعان ما كانوا يصطدمون بالواقع، ويقدمون الضحايا، ثم يختفون تحت الأرض. ولم تُهيأ لهم قيادات حقيقية تخرجهم من مأزق النشأة والتقوقع. وقال إن إخوان الخليج الأوائل كانوا ثمرة احتكاك المؤسس وجماعته بطليعة من سافر إلى مصر من أبناء الخليج، وعاد هؤلاء إلى أوطانهم مؤسسين فروعا لتلك الحركة السياسية الدينية الاجتماعية (والحقيقة أن هذا لم يحدث إلا مع الكويتيين). ووجدت فروع الخليج أولا ترحيبا لكون المجتمع فيها بطبعه متدينا، وثانيا بسبب الخلاف والخوف لاحقا من عبدالناصر! وقال: في البداية كان لحركة الإخوان قبول من شباب المنطقة ومن سلطاتها التي لم تتبين البعد السياسي للدعوة، كما حرص الضيوف على ألا يثيروا كثيرا من الغبار السياسي حول نشاطهم، فكانوا بمعنى من المعاني موالين، مقارنة بتهديد التيار الناصري والأفكار اليسارية. وقال إن الإخوان وقعوا في «مغبة الضبابية» إبان احتلال العراق للكويت (وهذا برأيي تخفيف شديد للمأزق الذي وجدوا انفسهم فيه)، بعد ان اتخذت قيادتهم الدولية، ومرشدهم، وبعض تنظيماتهم المحلية، موقفا شبه مؤيد لصدام حسين في احتلاله للكويت)‍، وهذا تبسيط آخر لمأزق الإخوان، فالحقيقة أن حماستهم لصدام كانت أكثر من ظاهرة ومشاركتهم القوية في مؤتمر نصرة صدام في العراق ولاهور كانت اكثر من جلية، وهذا ما دعا إخوان الكويت، تحت نقد شعبي مرير، للتنصل من التنظيم الدولي، وهم مستمرون في تنصلهم حتى اليوم! وبعد التطورات الأخيرة في مصر وخروج السلطة من يد الإخوان شعرت فروع الإسلام السياسي الأخرى بالقلق. ومهم هنا ملاحظة ردات فعل إيران وتركيا على ما حدث في مصر، وكلتاهما على اختلاف، ولكنهما متفقتان على إدانة ما حدث، خوفا من ان يعدي شعوبهما. وقال إن قشعريرة يمكن ملاحظتها في صفوفهم وفي ردود فعلهم العصبية على ما حدث في مصر، ومن يراقب وسائل الاتصال الاجتماعي وطريقة تدخلهم في إدانة ما حدث وحتى استخدام ألفاظ غير لائقة وبعضها غيبية في تفسير الحدث المصري، يعرف أنهم مصابون بالقلق الشديد. وقال الرميحي إن الصدام الذي يمكن أن يحدث في مصر، إن تطور إلى عنف، فستخسر الجماعة من ورائه الكثير، وسيثبتون حينها أنهم ليسوا فاقدي المشروع السياسي المعقول لبناء الأوطان فحسب، إنما أيضا سيبين ضعف إيمانهم بالديموقراطية التي تتوق إليها الشعوب في عالم يتجه إلى العولمة. وان فرصتهم قد ضاعت في الحكم ثانية.

أحمد الصراف