احمد الصراف

إلى عبدالوهاب مع التحية

من معوقات التنمية في دول العالم الثالث عدم اكتراث حكوماتها بالمشاريع الطويلة الأمد، التي تحتاج الى سنوات لكي تظهر نتائجها، ومنها خطط ومشاريع التعليم، فعادة ما يبحث المسؤولون عن المشاريع «الشعبية» والسهلة كنافورة راقصة أو تشجير منطقة، وهكذا.
تعتبر فنلندا من أصغر اقتصاديات أوروبا الغربية، وكانت تعاني قبل اربعة عقود مشاكل اقتصادية وتنموية هائلة، ولكن بعد وضع خطة محكمة اصبح وضعها أفضل بكثير، وكان عماد الخطة تغيير التعليم الذي أثار دهشة الأميركيين واعجابهم، بعد مشاهدتهم للفيلم الوثائقي «بانتظار سوبرمان».
بدأت نهضة فنلندا المعاصرة قبل 40 عاما، عندما آمنت حكومتها بأن الأزمة الاقتصادية، التي كانت تمر بها، لا يمكن أن تحل بغير إحداث نقلة نوعية في التعليم، ولم تظهر نتائج الخطة إلا بعد ثلاثة عقود تقريبا، عندما قورنت نتائج اختبارات خضع لها أطفال في الخامسة عشرة من العمر من 40 دولة، وتبين منها ان شباب فنلندا هم الأفضل في العالم قراءة. وبعدها بثلاث سنوات أصبحوا الأفضل في العالم في الرياضيات، وفي 2006 اصبحت فنلندا الأولى على 57 دولة في مادة العلوم، وفي 2009 أصبحت، وحسب اختبارات عالمية مؤكدة، الثانية في العلوم والثالثة في القراءة والسادسة في الرياضيات، ضمن اختبارات شارك فيها نصف مليون طالب في العالم! لم يحدث ذلك عبثا، فقد تبين ان الفضل الأكبر يعود للمدرس الفنلندي، غير المرتبط بالحزب الديني السياسي، الذي كان على استعداد دائم لبذل كل ما يتطلبه الأمر، وهذا الشعار ليس خياليا ولم يأت من فراغ، بل كان القوة الدافعة لأكثر من 62 الف مدرس فنلندي، في 3500 مدرسة، الذين تم اختيارهم من الــ%10 الأوائل من خريجي الجامعات، ومن حاملي شهادات «الماستر» في التعليم، حيث منحوا امتيازات مالية ومعنوية عالية، وساعدهم صغر حجم الفصول الدراسية في معرفة طلبتهم، حيث تبين ان %30 من هؤلاء بحاجة الى عناية خاصة في سنوات الدراسة الأولى، علما بأن المدارس الفنلندية تحتوي على نسب متزايدة من الطلبة من العراق واستونيا وبنغلادش وروسيا والصومال وأثيوبيا. ولو حاولنا مقارنة خطة التعليم الفنلندية بخطة التعليم الكويتية، التي بدأت في الفترة نفسها تقريبا، فإننا سنصاب حتما بآلام حادة في المعدة!
فيا وزير التخطيط والتنمية، إذا اردت ان يخلد التاريخ اسمك، عليك بالتعليم، وليس بتأسيس شركات صناعية وتجارية!
***
ملاحظة: ذكرنا في مقال الــ 4422 مدرسا، أن هناك مدرسين كويتيين فقط لمادة الفيزياء، والصحيح واحد فقط لا غير! وعاشت أمة الرسالة الخالدة!

أحمد الصراف

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

احمد الصراف

إدارة الإعمال – جامعة الدول العربية – بيروت 1974 / الدراسات المصرفية والتدريب في بنك باركليز – لندن 1968 / البنك الوطني في فيلادلفيا – فيلادلفيا 1978 / الإدارة المصرفية – كلية وارتون – فيلادلفيا 1978
email: [email protected]

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *