سامي النصف

جعلها الله آخر الأزمات

أكتب من بيروت حيث تواترت الانباء عن انتهاء ازمة الاستجواب في الكويت، واشتداد ازمة الحكم في لبنان حيث تم تأجيل عملية انتخاب رئيس الجمهورية للمرة 13 (رقم الحظ) وبقي القصر الجمهوري والبرلمان مغلقين بالضبة والمفتاح امام شاغليهما وكأنهما ديكور زائد في العملية السياسية ومعروف ان الديموقراطيتين اللبنانية والكويتية هما الاقدم والاكثر عراقة في الوطن العربي ويعتبران المثل والقدوة للشعوب العربية الاخرى.

شاركت بالامس في حلقة من برنامج «حوار العرب» الذي سيبث الخميس بعد القادم الساعة التاسعة مساء على قناة «العربية»، والبرنامج شهري وقد تم الحديث فيه عن اشكالات الديموقراطية العربية وهل هي في النهاية نعمة ام نقمة لشعوبنا، وقد ضمت الحلقة نخبة من مفكري الوطن العربي كان منهم الوزير السابق ورئيس الديوان الملكي ودكاترة مختصون اضافة الى ضيوف في الاستديو من طلاب ومخضرمين ينتمون الى مختلف التوجهات السياسية والتخصصات العلمية.

وبالنسبة للسؤال المفصلي الذي دارت حوله الحلقة حول فيما إذا كانت الديموقراطية العربية «نعمة او نقمة» وجدت ان الامر متعلق تماما بالدول والشعوب المستقبلة لها وكيفية استخدامها للأدوات المصاحبة لها فقد تصبح «نعمة» متى ما استخدمت الادوات لتعزيز الاستقرار السياسي والسلام الاجتماعي ودعم عمليات التنمية ومنع الحروب والفقر والمجاعات، وستصبح بالمقابل «نقمة» متى ما استخدمت الادوات الدستورية لخلق عمليات تأزيم سياسية مستمرة ولضرب السلام الاجتماعي بين فئات المجتمع وتفتيت الوحدة الوطنية وعرقلة عمليات التنمية وافشاء عمليات الحروب والقتل والمجاعات، ولنا عبر النظر للتجارب الديموقراطية القائمة في بلداننا العربية كالعراق والصومال ولبنان والسودان وحتى الكويت الحكم عما إذا كانت نعمة او نقمة او شيئا من هذا وشيئا من ذاك…!

ومما ذكرته في اللقاء ان رفع شعار «الديموقراطية هي الحل» هو تماما كحال رفع شعار «الاسلام هو الحل» او «الماركسية هي الحل» الخ ودون الدخول بتفاصيل هذا الحل امر لا نرى صحته خاصة بعد ان استمعت لدكتور علوم سياسية مشارك ادعى – دون بينة – ان جميع ما طبق في العالم العربي منذ بداية القرن الماضي حتى اليوم ليس تجارب ديموقراطية (!) وهو طرح يجعل العالم العربي لا يستفيد من اخطاء تطبيق الديموقراطية في العالم العربي الحالية والسابقة لتصحيحها ومنع تكرارها مستقبلا.

وقد رأيت ان على شعوبنا العربية ان تتعلم من الاخطاء الفادحة في الماضي القريب فإبان حكم الديموقراطيات الليبرالية العربية قيل بعد نكسة 48 ان الحل يكمن في التحول لنهج الحكومات العسكرية التي ستحقق الانتصارات الباهرة على اسرائيل وتطبق اشتراكية الرفاه على الشعوب، وبعد ان ثبت خطأ ذلك التصور بعد تطبيقه في مصر والعراق وسورية وليبيا الخ قيل بعد نكسة 67 ان الحل يكمن في الماركسية العلمية وجربت في اليمن الجنوبي والصومال فانتهت بالكوارث وعندما ثبت فشلها قيل «ان الاسلام هو الحل» دون الدخول بالتفاصيل فطبق ذلك الخيار في افغانستان ابان حكم المجاهدين والطالبان وايران والسودان فانتهى الامر بالمجاعات والحروب وتعطل عمليات التنمية.

ان الحل الحقيقي للاشكال العربي يكمن بالتوقف عن التسويق الاعمى للديموقراطية دون الدخول في التفاصيل الدقيقة الهامة حتى لا يخيب امل الشعوب فيها فترتد عليها لذا فالواجب ان تحدد كل دولة عربية «حاجياتها» من الديموقراطية القائمة او القادمة و«مخاوفها ومحاذيرها» من التطبيق فحاجة دول خليجية وافرة الانجاز في الشق التنموي كالإمارات وقطر تختلف تماما عن حاجة دول كالعراق والسودان التي هي في امس الحاجة الى دعم الشق التنموي كما ان لها حقا مشروعا في التخوف من ان يتسبب التطبيق الديموقراطي السريع والمباشر في انشطارها او قيام حروب وعمليات قتل وارهاب فيها، ان على كل دولة عربية ان «تفصل» ديموقراطية مباشرة او متدرجة ودساتير على مقاسها بما يعزز ما تريده منها ويمنع بالمقابل تلك المخاوف فلن توجد قط ديموقراطية «Free Size» تناسب الجميع.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *