د. شفيق ناظم الغبرا

الجدل… أن تغني فيروز في دمشق؟

أن تغني فيروز في دمشق يعني أن اثر لبنان هو الآخر قائم وممتد إلى دمشق، كما أنه يعني أن اثر دمشق يبقى قائماً في لبنان بما يتجاوز الصراع السياسي والاختلاف عليه. التفاعل بين البلدين، مهما كان حجم الأخطاء التي ارتكبت في السياسة، يجب ألا يتحول إلى مقاطعة تصل الى الثقافة والعلاقات والتواصل. فالثقافة يجب ألا تتأثر بتبعات السياسة، لأن ما وقع سببته السياسة ولم تسببه الثقافة والاقتصاد والمواطنون في كلا البلدين. في العلاقات اللبنانية ـ السورية ستبقى الجغرافيا، وسيبقى الامتداد والتواصل بين البلدين مضامين خاصة. فإلى أن ينتهي التحقيق في مقتل رئيس الوزراء السابق الحريري يجب ألا تكون المقاطعة الثقافية والإنسانية والمعنوية، وحتى السياسية أساس العلاقة بين البلدين. فلغة المقاطعة ساهمت في تأخير العرب وحدت من آفاق تطورهم. لقد أصابت فيروز في غنائها في دمشق، فهي تغني للبنان كما تغني لسورية وللعرب كلهم، بغض النظر عن السياسة والسياسيين، وفي هذا نجدها تغني لصالح الفن والتواصل بين الناس. في غنائها ما يخفف من الاحتقان والتباعد ويمهد لآفاق قد تشمل البلدين، رغم ما حصل كله ما فيه من سلبيات وتجاوزات.
المقاطعة سادت في السابق ومازالت تسود العالم العربي. فكم من مقاطعة ثقافية واقتصادية وقعت بين البلدان العربية بسبب الصراع السياسي. لو راجعنا التاريخ العربي القريب لوجدنا أنواعاً من المقاطعة، ففي السابق وقعت حروب أهلية انعكست على الثقافة في عدد من البلدان العربية. فعلى سبيل المثال نجد أن المقاطعة العربية لمصر بعد اتفاق «كامب ديفيد» بين مصر وإسرائيل تجاوزت الرئيس السادات ووصلت لمنتوجات عدة من منتوجات الثقافة المصرية. من جهة أخرى، وقعت مقاطعة ليبية – مصرية إبان فترات الصراع المصري ـ الليبي، وأخرى لبنانية -لبنانية في زمن الحرب الأهلية اللبنانية، ووقعت مقاطعة ثقافية في زمن المواجهة بين النظام العراقي والكويت في التسعينات وحتى عام 2003 وقد شملت تلك المقاطعة دولاً أخرى في خضم ذلك الصراع، والآن تتطور حالة من المقاطعة الفلسطينية ـ الفلسطينية المرتبطة بـ«حماس» و«فتح»، وتكاد هذه المقاطعة تدمر ما تبقى من الأمل في القضية الفلسطينية. هذه الأنواع كلها من المقاطعة أصابت الثقافي والإنساني والاقتصادي والمعيشي، كما أصابت السياسي.
كيف يمكن لنا أن نعزل السياسي عن الثقافي في العلاقات العربية – العربية؟ وكيف يمكننا أن نعزل ذلك الغضب الذي يعتمر في نفوسنا عن التحول إلى مقاطعة للفن والموسيقى والأغنية والشعر والجامعات والتعليم والرحلات والزيارات وحق المواطنين في الانتقال والعمل والإقامة؟ كيف يمكن أن نعقلن ونعدل السياسة في بلادنا بما يساهم في تحضير العلاقات بين الأطراف العربية؟ إن المقاطعة شكل من أشكال تعميم الصراع السياسي ليشمل كل شيء في إطار ردود فعل عاطفية تدمر وتؤخر أكثر مما تؤخرنا صواريخ إسرائيل ومتفجرات الإرهاب. إن غناء فيروز في دمشق جزء من إبقاء الخيوط الإنسانية الثقافية بين البلدين وبين العرب رغم الصراع السياسي، وهذا يمثل بحد ذاته نموذجاً يجب اعتماده في العلاقات العربية – العربية.

 

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د. شفيق ناظم الغبرا

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
twitter: @shafeeqghabra

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *