محمد الوشيحي

شاي أم حسن

لو أن بعض أصحاب القرار فكروا في البناء والتنمية بمقدار رُبع تفكيرهم في محاربة «كتلة العمل الشعبي»، ولم يتعاملوا معها على أنها الزوجة الثانية أو «الشريكة»، لكنا الآن نرسم خارطة الطريق لدبي وأبو ظبي وقطر. لكن أهداف الصغار صغيرة بصغرهم. وها هو أحد أتباع الصغار يسعى للتصعيد كي يُحل البرلمان قبل أن ينجز «التكتل الشعبي» مقترحه الخاص بفوائد القروض، ولتجري الانتخابات و«التكتل الشعبي» في أسوأ وأضعف حالاته، وهو واهم بلا شك.
ما علينا… كلما سمعت مسؤولا حكوميا يتحدث عن «أموال الأجيال القادمة» قرأت الفاتحة direct (وبالعربية بالفصحى دايركت)، فثقتي في حكومتنا مفقودة لدواعي السفر. لدينا خمسون مليار دولار كمبالغ نقدية، من أموال الأجيال القادمة، مودعة في بنكين أميركيين، 22 بالمئة من المبلغ على شكل ودائع، وباقي المبلغ في حساب توفير. وطبعا لأن التنسيق بين مؤسساتنا «عيب وشق جيب»، فقد اتخذ البنك المركزي قراره بفك ارتباط الدينار بالدولار منفردا، فخسرنا ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار فقط في سبع دقائق. فاست ميل. وجبة سريعة. وقد كان من الممكن تفادي الخسارة، وهو ما لم يحصل، كالعادة. والأهم أن حكومتنا لم تغضب ولم تحاسب أحدا وإنما حاولت تغطية جثة القتيل بالبطاطين والكنابل مستغلة عتمة الليل، لكن أحد نمور ديوان المحاسبة أشعل الإضاءة وعلّق صافرة الإنذار.
البطل عادل العصيمي كبير مدققي ديوان المحاسبة في هيئة الاستثمار، والشامخ الذي كان قد رفض الترقية لمنصب مدير، معلقا: «خلقتُ مدققا في الميدان، لا أجد نفسي في المكاتب ولا الأعمال الإدارية»، يدفع اليوم ثمن عدم سكوته عن فضيحة الثلاثة مليارات والنصف مليار دولار، وبضغط شديد من هيئة الاستثمار تم نقله أو قل «إبعاده» عن الهيئة وملياراتها، بعدما طلبوا منه إحضار «شاي أم حسن» لينفردوا بـ «هياتم». ومن لا يعرف قصة هذا الشاي فليسأل عادل إمام وهياتم وزوجها (خال عادل إمام) في فيلم «المتسول»، أو فليشاهد هذا المقطع:
http://www.youtube.com/watch?v=n4jACNR6XNo
ديوان المحاسبة، أو «آخر الرجال المحترمين»، يتم الآن تطويعه وترويضه، وعمل «بادي كير» و«ماني كير» لأظافر يديه ورجليه، وجار قلع أسنانه، وسنصلي عليه قريبا صلاة العصر، كما صلينا في السابق على كل شيء جميل في بلد التطهير العرقي للجَمال، الذي قتل، أول ما قتل، الشهيدتين: «الكرامة» و«المرجلة»، لتكرّ بعدهما سبحة الشهداء.
*   *   *
أصدرت وزارة التربية ضوابط للأعمال الممتازة لهذه السنة ووزعتها على مديري ومديرات المدارس الذين رشحوا بدورهم المستحقين، فأمسكت الوزارة بالكشوفات التي بعثها المديرون والمديرات ووضعتها في إناء مليء بالماء والروبيان المتبل مع جزرة مقطعة بشرائح طولية وقليل من الثوم المدقوق، وبلّتها وسترسل ماءها ليشربه المديرون والمديرات، هنيئا مريئا، ووضعت الوزارة بنفسها أسماء مستحقي المكافأة، ولا ادري على أي أساس، أو على أي كريم أساس؟ وزارة التربية تمشي على أسس ونظريات إدارية معروفة ومجربة، ومنها هذه النظرية الأخيرة الشهيرة باسم «نظرية لعب البزران».
من ضمن الشروط والضوابط ألا يتم ترشيح من تجاوز غيابه الخمسة عشر يوما طوال العام، وهذا ما التزم به مديرو المدارس في ترشيحاتهم. لكن وزارة التربية، وهي تتبع القطاع الخاص، أو هكذا يبدو، قلبت الأمور وكافأت، على سبيل المثال، بعض المدرسات اللواتي لم يكملن شهرا واحدا طوال العام، وبقية العام قضينه في اجازة مرضية، في حين حُرمَ من المكافأة مدرسون ومدرسات أكفاء لم يتغيبوا يوما واحدا طوال العام، الأمر الذي قادهم إلى التذمر والإحباط وقرار عدم الالتزام. ثم يسألون بعد ذلك عن سبب تردي أداء الموظف الكويتي… يكسرون رجليه ويحاسبونه لعدم فوزه بالسباق.