سامي النصف

تجربة ثرية مع العمل الحكومي

تقدمت امس الأول وزملائي اعضاء مجلس ادارة شركة كاسكو الحكومية باستقالاتنا لإتاحة الفرصة امام رئيس مجلس ادارة «الكويتية» الجديد لإعادة تشكيل الادارة بما يخدم تصوراته وخططه وتلبية لطلبه، وبذا انتهت حقبة قاربت العامين مع العمل الحكومي في شركة كاسكو تمخضت عن تجربة ثرية تستحق المقال.

آمنت منذ اليوم الاول لتقلدي تلك الوظيفة بأن الاصلاح عمل يعمل وليس شعارا يرفع دون مضمون، فتواجدت بالشركة بشكل يومي أو شبه يومي وأسقطت الصورة التقليدية السيئة حول «الاستباحة» المتمثلة في انشاء شركات خاصة تبيع على الشركة العامة تحت ألف مسمى ومسمى، ومنعت التوسع في التعيينات والترقيات وتقبّل الواسطات، وقررت أن النزاهة او نظافة اليد المطلقة تبدأ من النفس لا من الآخرين، لذا لم أتسلم راتبا لقاء عملي اليومي، ولم أستخدم قط قطاع الطلبات الخارجية في الشركة رغم كثرة الزائرين والعزومات في منزلي، وفضلت ان أحضر ما يلزم من الشركات الاخرى في السوق، لذا لم يسجل ديوان المحاسبة ملاحظة واحدة في تلك الطلبات على رئيس مجلس الادارة.

ولم أستخدم في منزلي قط أحدا من عمالة الشركة، بل جميع العاملين هم على كفالتي الشخصية أدفع رواتبهم من جيبي الخاص، لذا ابتدأ الافاضل في ديوان المحاسبة تقريرهم عن الشركة لعام 2006 وضمن المحضر المؤرخ في 28/3/2007 بشكر الجهود الاصلاحية لرئيس مجلس الادارة ولم يثبت في التقرير النهائي للديوان ولله الحمد أي مخالفات على الادارة العليا، وفي هذا ايضاح واجب ورسالة الى براعمنا الشابة ممن تمتلئ أذهانهم بالاعتقاد ان كل مسؤول حكومي فاسد ومتمصلح، والحقيقة والله أبعد ما تكون عن ذلك، فالدنيا بخير، فمقابل كل فاسد التقيته أو أحلته للنيابة هناك مائة شخص مخلص وشريف يخاف الله في عمله ويعشق وطنه.

وضمن تلك التجربة التقيت كثيرا من اعضاء مجلس الامة، واقول انني لم أمرّر لهم شيئا قط، الا أنهم لم يخرجوا غير راضين قط، ففي البدء لم أجد عضو مجلس أمة واحدا يتوسط لشيء له، بل جميع الواسطات أو المعاملات هي لآخرين يستخدمون كثيرا عدم الدقة أو عدم الصدق فيغررون ويحرجون النواب الافاضل، كذلك لاحظت ان النواب لا يزعلون مادمت شرحت امام من طلب منهم التوسط حقائق الامور وتعهدت للجميع بأنك لن تستثني أحدا آخر، ومازلت أذكر لقائي في مكتب احد الوزراء بالعضوين الفاضلين احمد باقر وحسن جوهر حيث قلت لهما لا تزعلا مني ان رفضت، بل ازعلا مني عندما أوافق على الطلبات، بل وأزايد عليها لأني عندها أكون قد ابتدأت بالسرقة والتجاوز على المال العام، وقد قدر النائبان هذا الطرح وخرجا مقتنعين ومكتفيين بما تم.

وتجربة مع احد الوزراء الافاضل، ففي يوم الاربعاء 27/12/2006 وهو آخر يوم عمل قبل العام الجديد أصدرت وزيرة المواصلات د.معصومة المبارك قرارا بتمديد خدمة بعض موظفي «كاسكو» ممن استفادوا من نظام التحفيز وملأت شواغرهم، وكنا قد رفضنا أي استثناء أو تمديد بالمطلق، لذا فقد توجهت للوزيرة الفاضلة عارضا تقديم استقالتي ان طبق ذلك القرار كونه يخل بمبدأ المساواة ويضر بأموال الشركة، ويفتح الباب على مصراعيه للاستثناءات، وقد قامت الوزيرة الفاضلة بإصدار قرار في نفس اليوم يلغي القرار الأول، وقالت تعلمت اليوم درسا مهما ألا أتخذ قرارا إلا بعد سماعي الرأي الآخر، وكان قرارا كبيرا من وزيرة كبيرة بحجم د.معصومة المبارك.

وبعد ذلك بأيام وصلتني مكالمة من نائب رئيس وزراء سابق (كان في موقعه آنذاك) يطلب فيها اعادة موظف مستقيل الى عمله، فرفضت ذلك الطلب كونه يعتبر استثناء وسيفتح الباب لجميع من استقالوا للعودة الى مراكز ملئت بعد تركهم، الا انه أصر على طلبه مذكرا بانه يتكلم بصفته لا بشخصه، وبقيت على الرفض تحقيقا لمبادئ العدالة والمساواة وسيادة القانون، فطلب أن يعرض الطلب على جدول أعمال مجلس الادارة، فرفضت، كونه يعني القبول بمبدأ الاستثناءات، فانتهى الحديث وتم ايصال الامر لسمو رئيس مجلس الوزراء عن طريق رئيس «الكويتية» السابق، فأتى الرد سريعا بالالتزام بقرار عدم الاستثناء، وأثبت سموه أنه مؤمن بالاصلاح عملا لا قولا.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *