سامي النصف

فلسفة الثروة

حال المواطنين الشركاء في الوطن الواحد كحال المساهمين في أي شركة مساهمة تستفيد ادارتها مما يقترحونه من سبل لتحسين عوائدها المالية، لذا فمع تمتع الكويت هذه الأيام بثروات غير مسبوقة في تاريخها وجدنا ان من الحكمة تسليط الضوء على فلسفة التصرف بالثروات النفطية في الدول الأخرى ذات الظروف المشابهة.

يرى أهل النرويج وهم أحد أكثر شعوب أوروبا ذكاء وحنكة ضرورة استخراج أكبر كمية من النفط المخزون في اقصر مدة وتحويله إلى استثمارات في السندات والأسهم الزرقاء ذات العوائد المالية المرتفعة، وتعتمد تلك الفلسفة على عدة أسباب منها ان الاستثمارات المالية تنمو وتكبر وتزيد، فمائة دولار يحصل عليها من بيع برميل نفط يتضاعف سعرها كل سبعة اعوام من استثمارها فتصبح مائتي دولار، اما بقاء البرميل تحت الارض فلا عائد ماليا له مع احتمال كبير بانخفاض سعره الى النصف أو الربع طبقا للظروف المتغيرة التي لا يمكن التحكم بها، فتصبح المائة دولار 50 أو 25 دولارا بعد اعوام من الانتظار.

وواضح ان كلفة سعر البرميل في الكويت تقل عن الدولار الواحد لذا فبيعه باسعار هذه الايام المرتفعة جدا لا ضرر منه، اضافة الى حقيقة ان البترول كمصدر للطاقة كحال الفحم سابقا قد يستبدل سريعا بالوقود النظيف أو مصادر الطاقة البديلة خلال سنوات قليلة خاصة بعد الانباء الأخيرة عن ان المخزون النفطي الحقيقي في العالم أقل كثيرا من نصف ما هو متوقع سابقا، ومن ثم سينضب مخزون كثير من الدول المنتجة خلال العقدين او العقود الثلاثة القادمة ومن ثم لا يمكن للعالم ان يعيش على مخزون نفطي لبلدين أو ثلاثة وعليه ايجاد البديل خلال تلك المدة، ان الايمان بخيار «تحويل النفط الى اموال سائلة» يعني الاسراع في عمليات تطوير حقول الشمال وباقي حقول الكويت.

من جانب آخر تعتمد دول كالامارات وقطر والسعودية ومصر وغيرها على تحويل عوائد النفط إلى منشآت وبنى أساسية ضخمة على كل شبر من أرض الوطن طبقا لحقيقة ان الاجيال القادمة قد لا تجد الموارد المالية لتعمير الأرض بعد نضوب البترول او الاستغناء التدريجي عنه، لذا فما فائدة – حسب تلك الفلسفة – توريث اراض عامة قاحلة خالية من المشاريع خاصة ان اغلب دول المجاعات والفقر في العالم تملك حاليا اراضي شاسعة لا يرغب احد في تعميرها؟ لذا فمن الأفضل ان نورث أراضي معمرة مدرة للمال لا خالية أو مدمرة.

بالمقابل هناك توجه قوي في الكويت يدعو لعكس ذلك حيث ما ان يقترب المستثمرون المحليون او الاجانب من الأراضي العامة لاقامة المشاريع الجالبة للاموال عليها حتى يتم الاعتراض على ذلك بحجة عدم التفريط باراضي الدولة ومن ثم يصبح الخيار هو اما انتظار تعمير الخزينة العامة لتلك الصحاري وهو أمر مكلف جدا ويحتاج لعشرات السنين، او توريثها للاجيال المقبلة كاراض قاحلة عليهم في ذلك الزمن البعيد ان يجدوا الأموال غير المتوافرة آنذاك لتعميرها بعد تضاعف اسعارها عشرات المرات، ان الدول حتى الغنية منها تستجدي المستثمرين والسائحين للقدوم ونحن نتسابق على طردهم حتى اصبحنا ولا فخر الدولة الاولى في العالم في تصدير المستثمرين والسائحين.

آخر محطة:
الاستثمار الأمثل للأموال العامة يمر بعمليات اصلاح واسعة لا تختص بالسلطة التنفيذية وحدها بل يجب ان تمتد للسلطتين الثانية والثالثة والمرجو الاطلاع على بعض تقارير منظمة الشفافية العالمية حول المنهج الامثل لعمليات الاصلاح في السلطات الثلاث وليس في احداها فقط.

احمد الصراف

مواطن عربي وقطة بريطانية

ورد في عمود ‘العميد’ محمد مساعد الصالح ان محكمة بريطانية منعت امرأة من اقتناء اي حيوانات منزلية لأنها التقطت فيديو لنفسها وهي تركل في منزلها قطة صغيرة!، وعلق الزميل محمد على الحادثة بأن الجنود البريطانيين، على الرغم من انهم ركلوا ويركلون المواطنين العراقيين، فان المحاكم البريطانية لم تصدر حكما بحقهم، وان الحيوانات، امام المحاكم البريطانية، اهم من البشر، وبالذات العرب!
يعلم استاذنا، وهو المحامي المعروف، أن المحاكم لا تصدر احكاما واوامر من تلقاء نفسها، بل يتطلب الامر وجود جهة كالنيابة العامة تقوم برفع القضايا لها، وبالتالي فإن تلك القطة وجدت من يهتم بها ويرفع قضيتها للقضاء البريطاني، كما انه، وهذا هو المهم، ان الحكم سينفذ وسيوجد من يهتم بتطبيقه!
وعليه فإن الامر يتطلب تدخل جهة ما، ولتكن مؤسسة الزميل الكريم للمحاماة، لتقوم بتوكيل محام بريطاني يقوم بالدفاع عن حقوق المواطنين العراقيين الذين تلقوا ركلا، او غير ذلك، من الجنود البريطانيين، فبغير ذلك فإن القضاء البريطاني عاجز عن فعل الكثير بحق من ركل مواطنين عراقيين.
وفوق هذا وذلك، يعلم الزميل انه لا المواطن العراقي ولا غالبية مواطني شرقنا وغربنا العربي يتمتعون بأي حقوق سياسية او قانونية او حتى معيشية لكي نقارن اوضاعنا بأوضاع قطة بريطانية وحقوقها!، فعندما يفتقد الانسان الكرامة ويصبح ذليلا يهون كل شيء عليه! الكرامة قد تفقد، غالبا، من تلقاء نفسها، ولكن الذلة لا تأتي من فراغ، فعادة ما يسبقها تلقي ذلك المواطن، الذي ركله عسكري اجنبي تابع لقوة محتلة، ركلا اقوى وصفعا ومذلة من اخيه وابن عمه وقريبه، هذا ان بقي حيا يرزق، ولم يمت لسبب سياسي او حزبي آخر!
وعليه، فالعيب يا سيدي ليس فقط في الجندي البريطاني الذي ركل مواطنا اعزل، ولا في سكوتنا عن وقوع مثل تلك الاعتداءات على ابرياء، بل في تاريخ طويل من المعاناة والقهر والتجويع والتعذيب، والعالم سيحترمنا وسيحترم كرامتنا وسيتوقف عن ‘ركلنا’ متى ما وقفنا عن ركل بعضنا بعضنا، وأحداث احتلال دولنا لبعضها البعض لا تزال ماثلة في الاذهان، ومن يهن، يا سيدي، يسهل الهوان عليه!
أحمد الصراف