سامي النصف

ديموقراطية من يجرؤ على الكلام

حتى لا تتحول ديموقراطيتنا المعلنة الى ديكتاتورية مقنّعة يخفي قفازها الحريري القبضة الحديدية التي تختبئ تحته، وكي لا تتحول مقولة «قولي صواب لا يحتمل الخطأ وقولك خطأ لا يحتمل الصواب» الى منهاجية حياة يومية يعيشها مجتمع، تقيد من خلالها العقول وتكمم الأفواه وتمنع تعدد الآراء، ومن ثم تدمر في طريقها أسس الحياة الديموقراطية الصحيحة التي نحلم بها لنا ولأجيالنا من بعدنا.

تجري في العالم المتقدم طوال الوقت حوارات ديموقراطية راقية ومتواصلة تتصل بشكل الدوائر الانتخابية المستقبلية خاصة مع المتغيرات الديموغرافية المعتادة من توالد وهجرات دون تخوين أو تكفير من طرف لطرف آخر، في «مجتمع من يجرؤ على الكلام» القائم في بلدنا وضمن ديموقراطيتنا، سادت في الماضي وإبان النقاش حول الخيار بين استمرار الدوائر 25 أو التحول الى خيار الدوائر الأخرى، منهاجية الخوف والقمع الفكري الشديد مما ألزم الصمت القسري ما يقارب نصف أعضاء مجلس الأمة ممن كانوا مرتاحين من وضع دوائرهم الانتخابية من حيث معرفتهم بالناخبين ومعرفة الناخبين بهم، واستبدال الرأي والرأي الآخر باختراع كويتي هو الرأي والرأي المشابه.

وفي جميع الديموقراطيات الأخرى يجري كل صباح حديث نافع ومفيد حول الدساتير وما تحتاجه من تعديلات ضرورية تدفعها الى الأحسن والأفضل، وتفرضها حاجيات الناس ومتغيرات الزمن ونتائج التطبيق ودروس وعبر الممارسة الطويلة، لدى ديموقراطية نصف القرن الكويتية تحولت تلك البديهيات والمسلمات التي تحدث في جميع ديموقراطيات العالم الأخرى الى أداة إرهاب وإرعاب وصلت الى حد التفكير في إصدار تشريع يجرم ويخون من يتحدث ولربما من يفكر بها، فهل هذا من الديموقراطية الحقة بشيء؟!

وما ان تحدث أزمة «واحدة» في الديموقراطية المتقدمة وليس أزمات يومية تلد أزمات كحال من يحاول إقناعنا بأننا نعيش عهد «ديموقراطية احنا غير الكويتية»، حتى يتداعى حكماء ومفكرو وساسة تلك البلدان للقاء السريع ودراسة أسباب تلك الأزمة ثم العمل الجاد لمنع تكرارها كي لا تشغل البلد وتعطل بالتبعية قضايا التنمية فيه، لدينا كلما زادت الأزمات زاد تباعد – بدلا من تلاقي – التوجهات السياسية المختلفة وبدأ كل طرف بادعاء العصمة من الخطأ والقاء تبعات ما قام به على الآخرين.

وفي المجتمعات والديموقراطيات المتقدمة يضرب كل طرف المثل والقدوة الحسنة بنفسه فالتضحية واجبة عليه قبل ان يطلبها من غيره والجميع يضحي لأجل الوطن ولا يطلب أحد – كحالنا – ان يضحي الوطن بمصالحه لأجله، لدينا من يطلب من الآخرين بأن يهدئوا اللعب بينما يقوم هو بالتصعيد، ومن يطالب الآخرين بعدم اساءة استخدام الأدوات الدستورية بينما يبيح لنفسه اساءة استخدامها، ويحاسب المسؤولين لو قفز أحدهم إنشاً واحداً على القوانين المرعية لأسباب إنسانية بينما يختص هو بالقفزات الماراثونية العالية على تلك القوانين لأجل المصالح الشخصية.

آخر محطة:
للمعلومة، تتطلب ممارسة الديموقراطية الحقة كما هائلا من التسامح والاعتدال في الآراء والطلبات، كما تقوم على التفنن في إيجاد حلول وسط الطريق مع التوجهات الأخرى، وليس من الديموقراطية بشيء ما نراه يمارس يوميا لدينا من مقولة إما أن تأخذ طريقي أو عليك بالطريق العام بعيدا عني My way or the High way.

احمد الصراف

حقيقة السلف

كتب أحد المنتمين للاتجاه السلفي، في آخر فقرة من مقال له في صحيفة محلية، وبسذاجة مفرطة، ان السلف والتجمع السلفي سيظلان على صدقهما وأمانتهما و’طهارتهما’ التي يعرفها ويثمنها القاصي والداني من أهل الكويت!
لاشك ان هذا الزميل السلفي يعيش في عالم يختلف كثيرا عن ذلك العالم الذي يعيش ويتحرك فيه قادة التجمع السلفي في الكويت، بعد ان اصبح بعض هؤلاء ابعد ما يكونون عن الاوصاف التي اطلقها عليهم هذا الزميل! فقد تغيروا، او بالاحرى عادوا لطبيعتهم البشرية العادية، بمجرد قبولهم المشاركة في ‘اللعبة’ السياسية وما تتطلبه من مناورات والاعيب وتقلبات وتغيير كلام وتراجع عن تصريح وتركيب مقالب وحفر حفر وتوريط خصوم وتبديل مواقف، وهي التي دفعت بالكثيرين منهم، ان لم يكن كلهم، لان يصبحوا ابعد الناس عن النقاء والصفاء، دع عنك الطهارة!
هذا الزميل، بعد السؤال عن اوضاعه السياسية والمالية، شخص لصيق بمكان عبادته بعيد عن صخب السياسة واوضاعها، لا مال كثير لديه ليقلق ولا حلال واسع ليخاف، وهو بالتالي، من فرط سذاجته، يعتقد ان كل ‘جماعته’ على شاكلته، وهو في ذلك لا شك واهم، فقد ذهبت تلك البساطة وذلك الصدق والامانة التي كان يعتقد وجودها في جماعته من سلف سبعينات وثمانينات القرن الماضي الذين طالما تردد الاذكياء منهم في قبول الدخول في اللعبة السياسية وخوض الانتخابات، لعلمهم التام ان ذلك سيدخل مراكبهم المتواضعة الامكانات في مياه عميقة وامواج عاتية هم اضعف من مواجهتها! ولكن بريق الجاه وسطوة المال وقوة الحكم والرغبة في ارتداء البشوت المقصبة وركوب السيارات الفارهة وشم الروائح العطرة وارتياد القصور العامرة فرض نفسه عليهم في نهاية الامر فدخلوا اللعبة التي انستهم مبادئهم وآراءهم ومعتقداتهم القديمة التي سبق ان عفا الزمن عليها منذ قرون!
وهكذا انشغلت غالبية السلف بالسياسة و’حرتقاتها’، اما القلة الذكية فقد اختارت التمسك بالمقولة الشهيرة.. بان المعتقد ما هو الا صقر للصيد! وهكذا استخدم البعض نفوذ حزبهم السياسي لمصلحة شركاتهم ومصالحهم الخاصة وتمكنوا، خلال السنوات القليلة الماضية فقط، من جمع ثروات وتأسيس شركات عملاقة لا تهدف لغير تحقيق اقصى الارباح لحملة اسهمها، ومن اي فريق كانوا!
اما القيم والمثل والفضائل فمكانها الكتب التي لا يزال زميلنا السلفي يعتقد بما هو مدون فيها من فضائل تخص جماعته التي طار الكثير من اعضائها بأرزاقهم، تاركين امثاله على الارض.. وهم فاغرو الافواه!
أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

ردود «المعلمين والمعلمات»

 

ليسمح لي الأخوة والأخوات المعلمين والمعلمات وكذلك المسئولين بوزارة التربية والتعليم أن أشير إلى أن السلسلة التي نشرت هنا في الأسابيع الماضية تحت عنوان: «المعلمون والمعلمات… المنقذون والمنقذات»، لم تهدف إطلاقا إلى إثارة «المشكلات» أو تأجيج الوضع! ولو كان الأمر كذلك، فسيكون كل ما تكتبه الصحافة من نقد تحت طائلة التحريض، وهذا ليس صحيحا.

لكن الغاية، هي إيصال وجهة نظر الكاتب مستندة إلى قراءة للمشكلة، ولم نهمل تعقيبات العاملين في قطاع التعليم، باعتبار أنه حال من التواصل، وسأقدم هنا بعض الردود التي وردت أخيرا:

– هذا التعقيب ورد من «ضائعة» قالت فيه: «أشكرك على على هذه اللفتة الكريمة للفئة المنسية وأوافقك فيما جئت به، وتعليقي هنا تحديدا على هذه الجملة: (ارتباطا بالنقطة السابقة، انتشرت مقولة إن «الكثير من المعلمين والمعلمات ليسوا أهلا للمهنة»، لذلك، فإن مستوى التعليم (دراسيا) ومستوى التوجيه (أخلاقيا)، وأريد القول أن من تتحدث عنهم هم العلة اللي اشترتها الوزارة من حر مالها! فهناك شريحة كبيرة من المدرسين أجبروا على العمل مدرسين على رغم عدم امتلاكهم لمؤهل التربية بسبب عقد الابتعاث الذي ألغي قبل بضعة أشهر… الوزارة تبتعث الطلاب في مختلف التخصصات وعندما يتخرجون لا تجد لهم سوى وظيفة مدرس مهما كان اختصاصه… فالوظائف الإدارية في الوزارة شاغرة لفئة معينة… حتى وإن ألغي القرار لا يستطيع هؤلاء المدرسون تقديم استقالاتهم على الفور بعد أن ضاعت منهم فرص عدة، فهل سيجدون وظيفة أخرى بين لحظة وضحاها؟!».

– من معلمة تعاني من التمييز الطائفي كتبت تقول: «لن يكون هناك إصلاح للتعليم إلا بعد مكافحة الفساد في وزارة التربية والتعليم! فهناك مسئولون طائفيون وعنصريون، وأصبحت الوظائف تعطى للأهل والأصدقاء والأحباب».

– من مدرس محايد، كتب يقول: «لا ضير في الاعتراف بأن هناك مشكلات كثيرة تعاني منها وزارة التربية والتعليم، وهي وزارة كبيرة والله يكون في عون وزيرها! لكن من المهم القول إن سلبية بعض إدارات المدارس وعدم رغبتها الجادة في تقديم حلول لتلك المشكلات تضاعف من حجم المشكلات، والقول إن المسئولين لا يتجاوبون مع ما تطرحه الإدارات من تقارير بالنسبة إلى المشكلات القائمة صحيح، إلا أن هذا يجب ألا يكون سببا للتوقف… لابد من مواصلة المشوار لحين الوصول إلى حل».

وبعد، سيكون هناك كلام كثير يطول ويطول بشأن أوضاع المعلمين والمعلمات، لأنهم – كما قلت – المنقذون وهم الذين يستطيعون تشكيل صورة المستقبل للأجيال القادمة، فلا أحد يتمنى استمرار حال الإنتاج المتدني في العمل، والسلبية في الحياة العامة، والتضارب في المفاهيم بدءا من المواطنة، انتهاء عند الحقوق والواجبات.