حتى لا تتحول ديموقراطيتنا المعلنة الى ديكتاتورية مقنّعة يخفي قفازها الحريري القبضة الحديدية التي تختبئ تحته، وكي لا تتحول مقولة «قولي صواب لا يحتمل الخطأ وقولك خطأ لا يحتمل الصواب» الى منهاجية حياة يومية يعيشها مجتمع، تقيد من خلالها العقول وتكمم الأفواه وتمنع تعدد الآراء، ومن ثم تدمر في طريقها أسس الحياة الديموقراطية الصحيحة التي نحلم بها لنا ولأجيالنا من بعدنا.
تجري في العالم المتقدم طوال الوقت حوارات ديموقراطية راقية ومتواصلة تتصل بشكل الدوائر الانتخابية المستقبلية خاصة مع المتغيرات الديموغرافية المعتادة من توالد وهجرات دون تخوين أو تكفير من طرف لطرف آخر، في «مجتمع من يجرؤ على الكلام» القائم في بلدنا وضمن ديموقراطيتنا، سادت في الماضي وإبان النقاش حول الخيار بين استمرار الدوائر 25 أو التحول الى خيار الدوائر الأخرى، منهاجية الخوف والقمع الفكري الشديد مما ألزم الصمت القسري ما يقارب نصف أعضاء مجلس الأمة ممن كانوا مرتاحين من وضع دوائرهم الانتخابية من حيث معرفتهم بالناخبين ومعرفة الناخبين بهم، واستبدال الرأي والرأي الآخر باختراع كويتي هو الرأي والرأي المشابه.
وفي جميع الديموقراطيات الأخرى يجري كل صباح حديث نافع ومفيد حول الدساتير وما تحتاجه من تعديلات ضرورية تدفعها الى الأحسن والأفضل، وتفرضها حاجيات الناس ومتغيرات الزمن ونتائج التطبيق ودروس وعبر الممارسة الطويلة، لدى ديموقراطية نصف القرن الكويتية تحولت تلك البديهيات والمسلمات التي تحدث في جميع ديموقراطيات العالم الأخرى الى أداة إرهاب وإرعاب وصلت الى حد التفكير في إصدار تشريع يجرم ويخون من يتحدث ولربما من يفكر بها، فهل هذا من الديموقراطية الحقة بشيء؟!
وما ان تحدث أزمة «واحدة» في الديموقراطية المتقدمة وليس أزمات يومية تلد أزمات كحال من يحاول إقناعنا بأننا نعيش عهد «ديموقراطية احنا غير الكويتية»، حتى يتداعى حكماء ومفكرو وساسة تلك البلدان للقاء السريع ودراسة أسباب تلك الأزمة ثم العمل الجاد لمنع تكرارها كي لا تشغل البلد وتعطل بالتبعية قضايا التنمية فيه، لدينا كلما زادت الأزمات زاد تباعد – بدلا من تلاقي – التوجهات السياسية المختلفة وبدأ كل طرف بادعاء العصمة من الخطأ والقاء تبعات ما قام به على الآخرين.
وفي المجتمعات والديموقراطيات المتقدمة يضرب كل طرف المثل والقدوة الحسنة بنفسه فالتضحية واجبة عليه قبل ان يطلبها من غيره والجميع يضحي لأجل الوطن ولا يطلب أحد – كحالنا – ان يضحي الوطن بمصالحه لأجله، لدينا من يطلب من الآخرين بأن يهدئوا اللعب بينما يقوم هو بالتصعيد، ومن يطالب الآخرين بعدم اساءة استخدام الأدوات الدستورية بينما يبيح لنفسه اساءة استخدامها، ويحاسب المسؤولين لو قفز أحدهم إنشاً واحداً على القوانين المرعية لأسباب إنسانية بينما يختص هو بالقفزات الماراثونية العالية على تلك القوانين لأجل المصالح الشخصية.
آخر محطة:
للمعلومة، تتطلب ممارسة الديموقراطية الحقة كما هائلا من التسامح والاعتدال في الآراء والطلبات، كما تقوم على التفنن في إيجاد حلول وسط الطريق مع التوجهات الأخرى، وليس من الديموقراطية بشيء ما نراه يمارس يوميا لدينا من مقولة إما أن تأخذ طريقي أو عليك بالطريق العام بعيدا عني My way or the High way.