سامي النصف

أزمة الديموقراطية في الكويت

منعت الرقابة العربية في الماضي أحد أكثر الافلام العالمية نجاحا وهو فيلم «لورنس العرب» على معطى صورة اول برلمان عربي عقد في دمشق بعد تحريرها من الأتراك في الحرب الكونية الاولى كونه اظهر النواب العرب وهم يتكلمون جميعا في وقت واحد، كما ان بعضهم قفز على الطاولة مشهرا سلاحه في وجه زملائه، وقد كانت دلالات الفيلم القائم على ما خطه لورنس العرب في كتابه «أعمدة الحكمة السبعة» ان للديموقراطية اوجها عدة عند تطبيقها ولا يمكن فصلها قط عن الثقافة السائدة في كل مجتمع تقام به.

فديموقراطية مصر الملكية أثرت بها ثقافة الباشوات والنواب والعُــمَد القادمــين من الأرياف ممن كانوا يمثلون الأغلبية في حزب الوفد والمشتهرة بالتســامح، كما ان مبادئ الثــورة الســتة التي أُعلنـــت بعد يوليــو 52 نصّت على الأخذ بالخــيار الديموقراطي إلا أنها سقـــطت أمام ثقــافة الرئيس عبدالناصر ونائبه القوي عبدالحكيم عامر الصعيدية القــــادمة من بلدتيهما «أسيوط» و«المنــيا» التي ترى «قلة مرجــلة» فيمن يسكت عن نـــقده من قِبَل خصــمه او عدوّه، كما تقتـــضي الممارسة الديمـوقراطــية الصحيحة.

في العراق كان نوري السعيد يدفع بمثقفي بغداد للترشّح مع ابناء الزعامات الدينية والقبلية في المناطق المختلفة، ويعمل على إنجاحهم رغم ان كثيرا منهم يتخذ بعد ذلك مواقف عدائية منه. ويقول رئيس الوزراء احمد البابان في كتاب ذكرياته ان نوري السعيد قال لأحد أقطاب المعارضة ممن طالبوا بتعديل الدوائر والحرص على نزاهة الانتخابات: لو قمنا بذلك لتقلّص عددكم من 50 نائبا الى 5 وكانت حجة نوري السعيد في فعله ان الديموقراطية حتى تُمارس بشكل صحيح تحتاج الى كم كبير من التعليم والثقافة والوعي السياسي، الذي لم يكن متوافرا في ذلك الزمن في مناطق كثيرة من العراق.

ومن يقرأ دستور حزب البعث الذي انشأه دكاترة في جامعة دمسق يجده يدفع بقوة اتجاه الأخذ بالديموقراطية وتقبل الرأي والرأي الآخر، إلا ان الممارسة اللاحــقة اثبتت عكس ذلك نظرا لتداخل ثقــافة ارياف الدول التي وصل حزب البعث لسدة الحكم فيها وهي ثقافة يسود في جانب منها العنف – بعكس الثـــقافة السائدة في أرياف مصر – وترى في جـانب منها ان الحلول الوسط مع الخصم او ما يسمى compromise هو تنازل وتخاذل لا يجوز الأخذ به وخير منه خيار الدم.

يشتهر الكويتيون في حاضرتهم وباديتهم – لأسباب تحتاج الى تحليل في مقالات لاحقة – بحب التنازع والخلاف والشقاق الذي لا يخلو منه بيت في الكويت وقد انتقلت تلك الثقافـــة المجتمـــعية للديموقراطية الكويتية، فشـــهدنا – ومنذ اليوم الأول – صراعات تتلوها صراعات وازمات تلد ازمات، لذا لا يمكن تصـــوّر معالجة اشكالات الديموقراطية الكويتية دون معالجة الثقافة «التناحرية» وعقلية النزاع السائدة في المجتمع الكويتي والحديث ذو شجون.

آخر محطة:
احدى الثقافات المجــتمعية الطارئة التي تتأثر بها الديموقــراطية الكويتية هذه الأيـــام، هي عدم الغضــاضة من استــخدام الوســائل غير الســوية للوصول للغنى والثراء الذي أصـــبح هو المعيار الوحيد للرقــي والنجاح، ومثـــل ذلك كراهـــية العمل المخلــص والــجاد واعتبار النزاهـــة والأمانــة غباء وحمقا و«لا حول ولا قوة إلا بالله».

احمد الصراف

الرأي والرأي الآخر

السيد خالد السلطان – وهو بالطبع ليس المهندس خالد سلطان العيسى رجل الأعمال المعروف، ولكن يبدو انهم ب’السلف’ سواء- كتب مقالا غطى صفحة كاملة من عدد ‘الوطن’ ليوم 23/10، تكلم فيه وباسهاب عن ‘النظرة الشرعية للكاريكاتير’، وبواعث الاستهزاء من خلال رسومها وأضرار السكوت عن المستهزئين، وعقوبة الاستهزاء والموقف من المستهزئين الى آخره.. باروللي.. باروللي!! وهذه ملاحظاتنا على المقال:
اولا: رسم الكاريكاتير السياسي فن حديث، ولا اعرف بالتالي لماذا كتابة صفحة كاملة عنه وترك بقية فنون الرسم والتصوير الاخرى جانبا وهي الاكثر قدما وشيوعا، والتي تعتبر اقرب واصدق تمثيلا للشكل البشري، المحرم تصويره ورسمه حسب وجهة نظر البعض من اهل التطرف والتزمت!
ثانيا: ركز الكاتب على ان الرسم الكاريكاتيري يستغل في السخرية من انظمة حاكمة، وفي الطعن والاستهزاء، حسب وجهة نظره، من تعاليم الدين والمتمسكين به! ونسي الكاتب ان صورة فوتوغرافية واحدة يمكن ان تكون ابلغ من الف كلمة وألف كاريكاتير، والامثلة على ذلك كثيرة! كما ان الكثير من الكتابات والروايات والمسرحيات والافلام تقوم ب’الجرم’ ذاته فلم لم يحرمها صراحة ويخلصنا من كل هذه الفنون والابداعات؟!
ثالثا: ذكر الكاتب، حرفيا، ان رسم صور لذوات الارواح، كصور البشر والحيوانات، وباجماع العلماء السابقين والمعاصرين، يعتبر من كبائر الذنوب! والمصورون هم ‘اشد الناس’ عذابا يوم القيامة يعذبون بكل صورها!
فاذا كان هذا مصير رسامي الكاريكاتير.. فما العذاب الذي سيلقاه في الآخرة مجرمون وسفلة من امثال صدام وموسيليني وهتلر وستالين او هولاكو وغيرهم من آلاف القتلة عبر التاريخ؟ رابعا: نسي الكاتب ان رسم الكاريكاتير لا يختلف كثيرا عن الرسوم الموغلة في القدم التي اكتشفت داخل الكهوف، والتي عرفنا منها الكثير عن حياة الانسان الاول. كما ساعدت رسوم الحضارات القديمة، كالفرعونية، والقريبة من الرسوم الكاريكاتيرية، في فهم الكثير عن اسرار حضارات من سبقونا!
خامسا: لا يمكن اليوم وفي هذا العالم المعقد الذي نعيش فيه والمملوء بالاخطار، السفر بغير جواز، وهذه الوثيقة لا تعني شيئا من غير صورة صاحبها الفوتوغرافية المحرمة.
سادسا: الرسوم الكاريكاتيرية التي رسمت للمشتبه في اقترافهم جرائم اغتصاب وقتل رهيبة، ساعدت في إلقاء القبض على الآلاف منهم، وهو الامر الذي لم يكن ليتم لولا تلك الرسوم، التي يصفها السيد بالمحرمة! واخيرا، والقائمة طويلة، بالرغم من ان الكاتب خصص صفحة كاملة في الكتابة عن مختلف عواقب وشرور واحكام رسم الكاريكاتير، فإنه لم يخصص ولو سطرا واحدا للكتابة عن رأيه ‘الفقهي’ في اولئك الذين يعملون ويكتبون ويقبضون مالا من صحف هي الاكثر استعمالا للرسوم الكاريكاتيرية!
أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

حين يصبح السؤال أخرسَ!

 

هو سؤال نمطي لا يتجدد أبدا في بلادنا، ولربما راود الآلاف من الناس قبلي، ولكنه لم يفارقني طوال عطلة نهاية الأسبوع الماضي! ولا أدري صراحة لماذا اشتريت “وجع الدماغ” هكذا بلا مقدمات ولا هدف! ولكني خاطبت نفسي قائلا: “يا رجل، هذا دليل على أنه لا يزال لديك إحساس. احمد ربك”!

ولكن ما السؤال؟ سأطرحه على نفسي وعلى الملأ، في نهاية هذه الأسطر، ولكن قبل ذلك أود لو تمكنت من أن أمهد له بمقامات تجدونها هنا:

– حدثنا الراوي ابن أبي البحرين الأصلي… فقال: ما الذي يجري بين صحبي وأهلي؟ وما الذي ألمّ بالحكومة والمعارضة في الترحال والحل… بين شد وجذب في ملفات وقضايا بعضها بسيط وبعضها يستعصي على الحل؟ وكيف تمضي السنون والوقعة مستمرة في وادٍ وسهل… حتى شاب لها رأس الشاب وانتظر بسببها موته الكهل؟ وما كان من الراوي إلا أن صمت عن الكلام المباح؛ لأنه طلب العافية فاستراح.

– حدثنا الراوي أبوالاعتصام السلمي، فقال: سأجمع صحبي ورفاقي وأبناء عمي وسنطرق كل أبواب العدالة بحثا عن أنصار في وجه الظلم. وسنرفع كل الرايات حين يشتد الحر ويحل البرد وتهب السرايات، ونتلو من أجل النصر الأذكار والآيات. وما مات من طالب بحقه حتى لو صبره مات!

– حدثتنا حديقة السلمانية عن أيام جميلة مضت دونما رجعة بين فلانه وفلتانيه، إذ كان الناس في مودة ورخاء بلا طائفية ولا تمييز ولا مهاترات برلمانية، حتى ألمت بها الحسرة، وزاد من عذابها بعدُ الأمل في الصلاح بعد خراب البصرة، وقالت: يا ويلتي على أبناء الديرة قد سقطوا في حفرة، فيا ليتها ترجع أيام الناس في البلد قبل النفط والطفرة. فبكت وبكت حتى طاحت صفرة!

– حدثتنا أمينة بنت الصريح، عمّا كانت تظن أنه الطريق الصحيح… بعد أن وجدت بين السنة والشيعة من يقول إنه الذابح ومن يقول إنه الذبيح، فأوصت جارتها صابرة، بأن النتيجة الى بلاء صائرة، فالكل يدعي أنه على الوطن حريص، وصار الناس بين وطني رائد وصاحب ولاء رخيص، وبين من يملك الفن في حب الوطن، وبين من يثير الأحقاد والضلال والكفر والفتن، فما كان من أمينة بنت الصريح إلا أن كتبت وصيتها وتمنت أن يبنى لها بعد موتها ضريح، حتى يصبح مزارا للمؤمن والكافر، والبر والفاجر، وتباع فيه الولاءات بالتذاكر.

– حدثنا وحدثنا وحدثنا… صاحب بيانات صحافية هنا، وناشر كرامات هناك، ولبيب يفهم بالإشارة، أن ما يحدث لن يجر إلا الخسارة، وليس أمامي الا أن اطرح سؤالي الذي اخبرتكم عنه منذ البداية يا كرام: ترى، متى ستنتهي معاناتنا اليومية، من السياسة الى القضايا الاجتماعية؟ ومتى يصبح الوطن للكل والكل للوطن؟

ترى صدقوني بنروح ملح!