سامي النصف

كويت المركز المالي وخصخصة «الكويتية» (1- 2)

الديموقراطية هي الرأي والرأي الآخر، تكرر في المدة الماضية اتخاذ قرارات يتم النكوص عنها وهو امر ما كان ليتم لو سمع الرأي الآخر فيها، قضية تخصيص «الكويتية» والمسار الذي تسير به لي فيهما رأي تسنده خبرة قاربت العقود الأربعة في مجال الطيران ومعرفة واطلاع واتصال شخصي بمن قام بعمليات الخصخصة في انجلترا والاردن ولبنان واندونيسيا ومصر وغيرها.

في البدء تعني الخصخصة اعادة الهيكلة للوصول في النهاية الى الربحية، لذا فدائما ما تبدأ الخصخصة بالقطاعات «السهلة» مضمونة الربح ثم تنتهي بالقطاعات الصعبة الخاسرة واهمها قطاع الطيران، لدينا وكالعادة بدأنا بالعكس ولاشك في ان فشل عملية تخصيص الكويتية المؤكد سيعني ايقاف مشاريع خصخصة القطاعات الاخرى في الدولة لاجل غير مسمى حيث سيشار دائما لتجربة «الكويتية» الفاشلة.

كذلك اعتادت الدول ان تبدأ عملية الخصخصة عندما تكون الميزانية العامة للدولة في اسوأ حالاتها حيث تتجه الحكومات للسلطات التشريعية والنقابية عبر اعطاء خياري الخصخصة أو افلاس القطاع المعني لعدم توافر الموارد المالية لدعمه، اما نحن فنعرض عملية الخصخصة ونحن في اوج انتعاشنا الاقتصادي، ولدينا فوائض اموال لا نعرف كيفية التصرف بها، كما قامت جميع التجارب الاخرى على عملية تسويق كامل لنهج الخصخصة يتضمن جميع او اغلب المرافق العامة لا قطاعا واحدا هو الاصعب كحالنا.

وفي هذا السياق كنت قد التقيت بالفريق الذي قام بخصخصة «البريطانية» عندما استضافهم مكتب د.محمد مقاطع قبل سنوات وكان مما قالوه انهم بدأوا عملية الخصخصة في عشرات المرافق الصغرى، وعندما نجحت فقط تحولوا الى قطاع الطيران، ومثل هذا ما سمعته من السيد عادل قضاة رئيس برنامج التخصاصيين في الاردن عندما زرته في مكتبه في عمان وهو صاحب احدى التجارب الاكثر نجاحا في العالم حسب تقارير الامم المتحدة حيث تم تخصيص 86 قطاعا منها الكهرباء والاتصالات والفوسفات وجميعها مضمونة الربح قبل التوجه لقطاع الطيران الذي تم توفير حماية له قاربت 8 سنوات حتى يقوى ويقبل القطاع الخاص شراءه ولم يعرض على حاله – كحالنا.

وفي غياب خطة تحديث الاسطول وعقد جميع شركات الطيران الخليجية المنافسة اضافة الى «اليمنية»، صفقات جاوزت 400 مليار درهم في معرض دبي الاخير للطيران لتحديث اساطيلها مما سيتسبب في مزيد من التأخير لعمليات تسليم الطائرات في حال طلب «الكويتية» المستقبلي لها، سيطرح تساؤل محق عن ماهية المستثمر الذي سيرتضي شراء شركة طيران خاسرة تمتلك اسطولا متهالكا ولا تملك خطة او حجوزات مستقبلية لاسطولها او وعودا بتسليم مبكر لتلك الطائرات!

لقد كان بالامكان الالتزام بخطة تحديث الاسطول السابقة (الافكو) التي تبدأ في عام 2008 وتنتهي في 2012 او بديل لها وسيدفع ثمنها تباعا المشتري الجديد حال بدء تسلم الطائرات وتشغيلها كحال الكويتية بعد التحرير والتي انتهت قبل مدة قصيرة من تسديد اثمان تلك الطائرات بدلا من الوضع المجهول القائم الذي يهدد مستقبل الآلاف من العاملين بالمؤسسة، وللعلم عرضت بعض دول اوروبا الشرقية شركات طيرانها ذات الاساطيل القديمة في السوق بسعر «دولار واحد» ولم تجد مشتريا.. والى الغد.

اخر محطة:
وضع «الكويتية» اقرب لمريض تكالبت عليه الامراض ثم أتاه من أوصل اليه الاوكسجين والدم الجديدين (عبر عمليات تحديث الاسطول الماضية) وبدأ يتعافى ويرى ابناؤه الامل في شفائه وفجأة اتى من اوقف شرايين الحياة تلك وسحبها بحجة ان هناك طبيبا قادما بعد سنوات هو من سيقوم بتلك العملية متناسيا ان الطبيب الجديد قد يأتي متأخرا ويرى ان المريض الذي امامه قد اصبح ميتا اكلينيكيا بسبب الاهمال ومن ثم فلا امل ولا رغبة للطبيب الجديد في علاجه.