سامي النصف

حديث ما بعد العاصفة

أحد المبادئ العامة الواجب تعلمها ضمن لعبتنا السياسية هو ان الديموقراطية في صلبها هي الإيمان بالرأي والرأي الآخر، أما منهاجية «ما أريكم إلا ما أرى» أو «ان قولي صواب لا يحتمل الخطأ وقولكم خطأ لا يحتمل الصواب» فتلك هي الديكتاتورية المقنعة البغيضة بعينها مهما حاولنا ان نجملها أو نضفي عليها ما أنزل الله من مسميات جميلة.

الآن وبعد استقالة وزير النفط أصبح بالإمكان الحديث عما دار حول «مبدأ التدوير» بعقل بارد ليس فيه دعم لشخص زيد أو استقصاد لشخص عبيد حتى لا نبكي كعادتنا على اللبن بعد سكبه فنبحث عن تلك الأداة التي يمكن ان تفك في القادم من الأيام والسنين أزمات كبرى فلا نجدها.

فالاستجواب كأي أداة حادة أخرى يمكن ان يحسن استخدامها فتوجه من خلاله أصابع القصور الإداري أو الفساد المالي تجاه أحد المسؤولين وهنا لا خلاف على الإطلاق في ضرورة المحاسبة القصوى لمن قام بالتجاوز والتعدي، وهذا هو الوضع في أجواء مثالية تستهدف مصلحة المجتمع والحفاظ على المال العام.

إلا أن الواقع المعيش يظهر في بعض الأحيان استقصاد نائب أو أكثر، أحد الوزراء لذاته أو لموقفه الصحيح من إحدى القضايا أو لرفضه الخضوع للطلبات الشخصية والواسطات، مشهرين سلاح الاستجواب ضده، في وضع كهذا وخاصة مع التغييرات التي طرأت بعد قفل الحكومة – مشكورة – حنفية التنفيع والقفز على القوانين لكسب التأييد، ستجد الحكومة، ومع كل الشرفاء من نواب ومواطنين، انها في ورطة.

فالأخذ بخيار استكمال الاستجواب سيعني السقوط المحتم للوزير المستهدف الذي سنفترض كفاءته ونزاهته وحاجة البلد لقدراته المميزة، حيث أصبح من الصعوبة بمكان ولأجل غير مسمى حشد حتى 3 نواب يتحدثون ضد الاستجواب – أي استجواب – لما يرونه من مخاطرة على فرصهم في النجاح في الانتخابات اللاحقة، فمبدأ السلامة يقتضي إما دعم الاستجواب أو على الأقل عدم الظهور بمظهر من يدعم الوزير أو الحكومة خوفا من مقولة انه متنفع منهم.

حينها ستجد رئاسة الحكومة ومعها كثير من النواب المحرجين من غير المقتنعين أصلا بالاستجواب، ان الحل يكمن في الأخذ بالخيار السهل أي التدوير ونعني بالطبع هنا تدوير الوزراء الأكفاء النظفاء ممن أصابهم سهم الاستجواب الخاطئ، أما من هم غير ذلك فلا يستحقون إلا تركهم لمصيرهم المحتوم على منصة الاستجواب، وفي غياب ذلك الخيار السهل قد تلجأ الحكومة للأخذ بالخيار الصعب أي الحل الدستوري من زاوية ان ذلك الاستجواب أو تلك الاستجوابات غير مبررة وتعني عدم التعاون بين الحكومة والمجلس.

ان القياس الصحـــيح للأمور يدعو الى وضعها في حجـــمها الصحـــيح دون افتـراض «المبـالغة غير العقـــلانية» فيــها ثم القياس عليــها كمن يطــالب بإســـقاط حق الاستجواب عبر المبـــالغة والقول ماذا لو قدم كل عضو من الخمسين نائبا استجوابا ضد 16 وزيرا، او مثل ذلك من يرفض التدوير عبر الافتراض المبالغ فيه والقول وماذا لو دورت الحـــكومة «كل» وزير يستجوب، فواضح ان افتراضية كهذه والتي لم تحدث إلا مرات نادرة جدا في السابق ستعني استخدام المجلس أداة الاستجواب تجاه من «يبالغ» في استخدام أداة التدوير دون الحاجة لإيقاف مبدأ التدوير ذاته.

آخر محطة:
في الخلاصة الاستجواب والتدوير هما أداتان دستوريتان لا يجوز منعهما أو المبالغة في استخدامهما.

احمد الصراف

لقمة الأسد

وافقت الحكومة قبل عشر سنوات لمجموعة من الجهات على تأسيس شركة ‘الخدمات عامة’ لتقوم بمهمة تخليص معاملات المواطنين والوافدين لدى دوائر الدولة مقابل رسوم رمزية.
تناوب على إدارة الشركة مجموعة من عتاة المتقاعدين وأكثرهم من الفاشلين إداريا، ولم توفق الشركة بالتالي في إقناع أي جهة بقبول خدماتها أو جديتها!
مع بدء تآكل رأسمال الشركة وتذمر مالكيها من فشل الإدارة في تحقيق أي نجاح يذكر، قامت جهة مالية قوية محسوبة على حركة الإخوان بإقناع الملاك، عدا طرف ضعيف واحد، بالخروج برؤوس أموالهم منها ومن ثم تخفيض رأسمالها إلى الخمس فقط، والقيام بعدها مباشرة، أي في يوليو 2002، بتوقيع عقد ‘مبهم’ ومليء بالغموض مع د. محمد الجار الله، وزير الصحة الأسبق، المحسوب، وبشكل خفي، على حركة الإخوان المسلمين، يحقق للشركة ملايين الدنانير ربحا سنويا من دون مقابل جدي يذكر!
وهذه أهم بنود العقد الذي كان من المفترض أن تقوم الشركة بموجبه بتركيب نظام كمبيوتر يحتوي على التاريخ الطبي لكل مقيم، بحيث يمكن لطبيب أي مستشفى أو مركز صحي الاطلاع عليه بمجرد ‘كبسة’ زر!! وكل ذلك مقابل استيفاء الشركة لمبلغ دينار واحد من المقيم، من غير الخدم وموظفي الحكومة:
1 – تتكفل الشركة بتدريب موظفي الحكومة على الأعمال موضوع العقد، وبأي عدد كان، خلال السنتين الأخيرتين منه!! وهذا لم يتحقق منه شيء بعد مرور أكثر من 15 شهرا على تاريخ استحقاقه، حيث إن العقد ينتهي في 10/7/2008!
2 – تستوفي الشركة رسم دينار عن كل بطاقة!! وهذا غير صحيح إطلاقا، حيث تفننت الشركة في استيفاء ضعف هذا المبلغ في حالات كثيرة.
3 – تلتزم الشركة بتمويل برامج تعزيز التوعية الصحية!! وهذا بند مبهم وغير واضح ومر على الجهات الرقابية، ربما من دون تعليق. كما لم يتحقق منه شي وملموس، خصوصا أن البند الأخير في مذكرة التفاهم نص على قيام الشركة بدفع مبلغ 25 ألف دينار للصحة مقابل هذه البرامج! فمن الذي سيقوم بتطبيق البرنامج، الشركة أم الدولة ونحن لم نر من أي الطرفين شيئا بخصوص هذه التوعية؟!
4 – من مهام الشركة حسب أهم بنود العقد (رابعا) توريد وتركيب الأجهزة والبرامج والشبكات وتقديم إحصائيات دورية وتسليم النظام بكامله للوزارة، بعد الربط بين المراكز الصحية والمستشفيات وبين الوزارة والهيئات الأخرى!! وهذا لم يتم تحقيقه بعد مرور أكثر من 4 سنوات!
5 – تلتزم الشركة بتشغيل المشروع في مدة، أقصاها شهران من تسلمها للمواقع!! لكنها تأخرت في التشغيل لسنة تقريبا. وعلى الرغم من أن البند 12 نص على غرامة تأخير 100 دينار عن كل يوم عمل، فإن الوزارة لم تقم بتطبيق الغرامة!!
6 – نص العقد على كون الأجهزة والبرامج مطابقة لمعايير ISO9001 وFCC وأن تكون مرخصة، وهذا ما لم تقم الشركة بإثباته!
7 – العقد ينص على ساعات عمل صباحية ومسائية!! وهذا لم يطبق في جميع المراكز!!
وأخيرا، وبما أن للوزارة الحق في فسخ العقد أو إنهائه إذا أظهر طرفه الآخر إهمالا في تنفيذ التزاماته، وحيث إن أي جهة كانت، غير ملاك الشركة المعنية، لم تستفد إطلاقا، أكرر إطلاقا، من هذه الخدمة السخيفة التي انحصرت في إصدار بطاقات بلاستيكية لا تعني شيئا لأن غالبية – إن لم يكن كل – مستوصفات ومستشفيات الحكومة تصر على إبراز البطاقة المدنية قبل تقديم العلاج للمريض، وحيث إن الشركة ستتمكن، مع انتهاء مدة العقد، من تحقيق أرباح صافية تزيد على الملايين دون جهد يذكر أو مخاطرة حقيقية، فإن من المصلحة العامة إنهاء هذا العقد بتاريخ انتهائه في 19/7/2008 والتفكير بصورة جديدة في أسلوب أكثر فاعلية!
أحمد الصراف