سامي النصف

لأجل الكويت هذه اللاءات الثلاث

الديموقراطية هي الرأي والرأي الآخر، كنا قد حذرنا في الماضي من التحول إلى منهاجية الدوائر الخمس وقلنا ان علاج أمراض الوضع الانتخابي السابق من واسطات وشراء أصوات وفرعيات هو بمواجهتها بالتشريعات الرادعة والوعي الوطني والابلاغ عنها بدلا من تخبئتها تحت السجادة عبر القفز إلى خيار تغيير الدوائر الذي سيتسبب كما ذكرنا آنذاك في استفحال وانتشار تلك السلبيات وبالمقابل فقدان كثير من الوجوه الخيّرة في المجلس لكراسيها النيابية وقد أتى تحقيق الزميلة «الوسط» امس الأربعاء ليثبت صحة توقعنا الذي كان أقرب للبديهية بنظرنا.

يخبرني صديق من أهل الكويت عمل لمدة ربع قرن في احدى الوزارات التي تولى أمورها ذات مرة وزير شعبي بقصته المأسوية فيقول: تركت عملي يوم الاربعاء وأنا مسؤول كبير في الوزارة ومكتبي عليه صوري وشهاداتي وداومت يوم السبت لاجد احد مفاتيح الوزير الانتخابية ممن يعملون في الوزارة يجلس على مكتبي وبيده قرار تعيينه السريع في ذلك المنصب مما جعلني اطلب احالتي للتقاعد ثم اجلس في البيت، التحول إلى منهاجية الحكومة الشعبية سيعني ضرب تلك التجربة المرة بعدد الوزارات ومن ثم الاستباحة التامة للميزانية العامة للدولة وتفشي المظالم من قبل اتباع التوجه السياسي لرئيس مجلس الوزراء الشعبي لذا «لا» لذلك الخيار بنظرنا.

خطآن لا يعملان صوابا واحدا، اذا كان التحول الى منهاجية الدوائر الخمس خطأ جسيما فان التحول الى خيار الدائرة الواحدة غير المعمول به في جميع الديموقراطيات الأخرى في العالم هو خطيئة كبرى ما بعدها خطيئة، فالديموقراطية في البدء والمنتهى هي تمثيل عادل لجميع ألوان الطيف السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلد، مهما صغر وهو ما يحققه بكفاءة وجدارة تعدد الدوائر الانتخابية وتنوعها، اما الدائرة الواحدة فستظهر لونا أو لونين سياسيين متحالفين فقط، في مجتمع لا يحترم حقوق الاقليات، وسيلغي ويعادي ويقمع 51% منه الـ 49% الباقين، لذا «لا» لخيار الدائرة الواحدة.

وتجربة الاحزاب التي دمرت واحرقت لبنان والصومال والعراق (أكثر من مائة حزب طائفي وعنصري والخير لقدام) وفلسطين وافغانستان الخ، يراد لنا وبسذاجة بالغة ان نقبل بها حتى نمهد الارض لحروب أهلية قادمة بين الاحزاب، ان الوقت المناسب لانشاء الاحزاب هو ذلك الزمن البعيد الذي نلحظ فيه بالعين المجردة اختفاء التخندقات الطائفية والفئوية والقبلية القائمة وارتفاع الوعي السياسي والوطني الى درجة نعلم بها ان النفوس قبل النصوص لن تقبل بتكوين الاحزاب على معطى تلك التخندقات الحادة القائمة، ان السماح بتكوين الاحزاب هذه الايام ونحن في عز بروز التخندقات غير الوطنية القائمة سيعني اعطاء تلك الامراض الطارئة صفة الشرعية وبقاءها للابد، لذا فاللاء الثالثة هي ضد انشاء الاحزاب المشتتة للمجتمعات، خاصة في ظل عدم وجود تكافؤ وعدالة بين التجمعات والتكتلات القائمة، حيث يمتلك البعض منها الثروات والملايين والمقرات والآلاف من الاتباع ولم يبق له إلا اللوحة والاشهار ومنافسون لا يملكون شيئا.

آخر محطة:
قلت في برنامج حواري ضمني والدكتور عبدالمحسن جمال وبث من بيروت في 7/11 ان اشكالات الديموقراطية في المنطقة العربية وليس في الكويت فقط تكمن في مفاهيم عدم التسامح المتجذرة في ثقافتنا السائدة التي تغلب عليها مقولة الشاعر «لنا الصدر دون العالمين أو القبر» وقارنت ذلك بديموقراطية الهند ذات الـ 1.2 مليار نسمة التي تقل ازماتها السياسية عن ازمات الكويت ذات المليون نسمة بسبب ثقافة التسامح التي تطغى على المجتمع الهندي، في 11/11 كتب الكاتب الاميركي الاشهر توماس فريدمان مقالا في «الهيرالد تريبيون» وجريدة الشرق الأوسط تطابق تماما مع ما قلناه حيث ذكر ان الديموقراطية العربية يسيطر عليها مفهوم «Rule Or Die» وهو ما يخلق اشكاليتها وقارن ذلك بالديموقراطية الهندية، وقد اثنى على مقالته «لا مقولتي» الزميل د.وائل الحساوي في زاويته بالامس.

الجانب الايجابي فيما حدث انني سبقته بالفكرة ولم يسبقني والا لادخلني الزميل المبدع بدر الكويت ضمن منتداه الالكتروني المختص بمن يقتبس افكار غيره!

سعيد محمد سعيد

رأس «الهمبايه»!

 

هذه فسحة للذهاب إلى الوراء، إذ أيام الطفولة ومراتعها وبراءتها وجمالها، سأصطحب معي فيها القراء الأعزاء، علنا نخفف على أنفسنا قليلا من العناء الذي تمثله الصحافة وكتابات الصحافة وأرق الصحافة وبلاويها!

ولا أجد الفرق بين ما كنا نعيشه أنا وأندادي في قرانا الصغيرة، وبين قصة «توم سوير» الشهيرة التي تحولت إلى مسلسل كارتوني بريطاني شهير، إنما الفارق الوحيد بيننا هو أن شعرهم أشقر وبشرتهم بيضاء، بينما شعرنا في الغالب «ليفة» وبشرتنا «جلحة ملحة»!

لماذا أريد العودة إلى ذلك الشريط؟ وسأقولها بصراحة: أريد أن أقنع عقلي بأننا في ذلك الوقت، ما كنا نعيش أو نفهم أو نشعر بالطامة الكبرى التي سقطت على رؤوس أهل البحرين من طائفية وتمييز ورغبة في الاقتتال والاحتراب على أمور دينية ودنيوية… الأمر سيان! ولست هنا أريد العودة إلى سن الثامنة أو العاشرة باستخدام «ساعة الزمن»، ولكنني أريد أن أقول شيئا قد يكون خطيرا بالنسبة إلى كل المواطنين: «لا تتوقعوا للطائفية نهاية في بلادنا، ولا تحلموا بأن تسير الأمور على ما يرام، ولن يحدث ذلك إلا حينما تقرر الحكومة أن تكون قبضتها حديد، لتحطيم كل طائفي، وكل حرامي، وكل مشارك في التقارير والتنظيمات، وكل عميل داخليا كان أم خارجيا، وكل فرد تمتلك عيناه وأذناه ويداه ورجلاه القدرة على توجيه الفعل الموجع للبلد».

أعود إلى أيام الطفولة أحسن…

في قرية «البلاد القديم» كانت هناك عين ماء صافية تسمى عين «أم الرمل»، وكانت هذه العين بمثابة العشق الأسطوري لكل من يعرفها، وليس لأهالي القرية فقط، وكنت من بين مجموعة من الصبية الذين لا تطلع شمس يوم إجازة إلا ونحن في حضن العين، أو متجهين إلى العين بعد العودة من البحر الجميل «سابقا»، خليج توبلي «حاليا»! فالمرور على عين «أم الرمل» يعني البقاء أحياء حافظين للعهد الوثيق مع هذه العين التي تمثل الارتباط بالأرض بالنسبة إلينا… ويا لها من أرض، إذ كنا نحفر على ارتفاع قدم واحد، فنجد تلك الحفرة الصغيرة وقد امتلأت بالماء بعد لحظات قصيرة… الأرض كانت يومئذ زاخرة بالحياة!

فجأة، وجدنا «راس الهمبايه» يباغتنا فجأة! وكنا نشعر أنه يصر على إبعادنا عن عشقنا لهذه الأرض ولهذه العين… عين أم الرمل! «راس الهمبايه» كان شخصا أملس الرأس، ويبدو من هيئته المائلة إلى الحمرة أنه ليس من أهل البحرين إطلاقا، ولم نسمعه قط يتحدث… إنما «يحمر عينيه» ويزمجر بقوة مثل زئير الأسد، فيكفينا هذا لكي نهرب بعيدا كوننا أطفالا وهو شاب ضخم وطويل.

لم نعرف اسمه، إذ كان غريبا، لكنه لم يكن أديبا، لذلك أطلقنا عليه أنا وأصدقائي من أهل القرية «راس الهمبايه» للشبه الكبير بين رأسه وحبة المانجو، وعلى رغم أننا كنا ومازلنا نحب الهمبة، لكن «راس الهمبايه»، سنظل نكرهه إلى الأبد لأنه لايزال يلوث عين «أم الرمل»!