سامي النصف

لبنان وديموقراطية الكسور المتكسرة

هناك طرف أخطأ للأسف الاجتهاد في المعادلة اللبنانية الحالية وأرى شخصيا ان قوى المعارضة هي المتسبب ليس بالإشكال الحالي بل ما سينتج عنه من إشكالات مستقبلية مدمرة حيث يمكن وبسهولة ان تفوز المعارضة في الانتخابات المقبلة، إلا أن الثقافة السياسية التي خلقتها ستبقي لبنان على صفيح ساخن الى الأبد، حيث أعطت قوى 8 مارس الضوء الأخضر لقوى 14 مارس لتكرار ما تقوم به هي هذه الأيام من احتلال العاصمة وتعطيل أعمال الحكومة ومنع انتخابات الرئاسة.

في ديموقراطيات العالم أجمع تفوز احدى القوى بالأكثرية فتحكم ويصبح لديها ضوء أخضر فيما تقوم به وتفعله دون عرقلة، وتتيح لها المعارضة بالمقابل عمل ما تريد انتظارا للانتخابات اللاحقة التي يقرر فيها الشعب إما الرضا عن مسار الحكومة ومن ثم التجديد لها أو إسقاطها واعطاء الدور والحرية الكاملة للمعارضة كي تحكم وتقوم بما تراه صائبا.

سؤال: هل تبرر حرب الـ 33 يوما الصيف الماضي تشكيل حكومة وحدة وطنية بالإرغام؟!

الجواب: بالقطع لا فجميع دول العالم كأميركا وروسيا والصين واليابان وغيرها دخلت حروبا عالمية أكبر وأخطر واستمرت سنوات عدة بقي فيها الحزب الحاكم في الحكم والمعارضة في المعارضة، فواضح ان مبدأ تشكيل حكومة وحدة وطنية ابان الحرب أو السلم يتم «برضا» الطرفين وليس بالإرغام واحتلال العواصم.

هل يحق للأقلية ان تفرض مبدأ الثلث المعطل على الأكثرية؟! في البدء الثلث المعطل خاص فقط بالموارنة في لبنان ولا يوجد له مثيل في العالم أجمع وقد وضع كترضية لهم كي يتخلوا عن بعض صلاحيات رئيس الجمهورية التي دارت حولها حرب لبنان وكضمانة بأن مجلس الوزراء الذي انتقلت اليه الصلاحيات لن يساهم بالاضرار بهم وتذويبهم عبر طلب الوحدة مع سورية أو إعلان جمهورية إسلامية.. الخ، ان الثلث المعطل، أو حتى 1% المعطل لا فرق، يلغي بالكامل أهم أسس الديموقراطية ولا يصبح للأغلبية الانتخابية حتى لو كانت 99% أي دور وواضح ان قوى 14 مارس عندما تصبح في المعارضة ستطالب بالمثل وستصبح ديموقراطية لبنان العريقة ديموقراطية عبث وتعطيل دائم حيث لن يتفق أبدا الثلث مع الثلثين والا لما كانت هناك توجهات أغلبية ومعارضة متباينة.

هل تصح المطالبة بتوافر نصاب الثلثين لاختيار الرئيس وما الخطأ في طلب المعارضة الحصول على رئيس «توافقي» ينتخبه جميع النواب بدلا من نصفهم؟! في البدء شرط الثلثين سيعطل جميع انتخابات الرئاسة المقبلة حتى الأزل، حيث ستكون هناك دائما أقلية معارضة تزيد على الثلث في لبنان ستحرم الأغلبية من اختيار الرئيس عبر بدعة مقاطعة الجلسات التي لم تحدث قط في تاريخ لبنان.

وكلمة رئيس توافقي هي كلمة خيالية وشرط استحالة إن لم تكن هذه المرة ففي المرات المقبلة، فلو قال طرف اختار توني لقال الطرف الآخر اختار جوني والعكس صحيح، ولم نسمع قط على سبيل المثال ان الأقلية في أميركا تقول لماذا ننتخب رئيسا ديموقراطيا أو جمهوريا بنصف الأصوات، فلنبحث عن رئيس «توافقي» يمثل الجميع وننتخبه بكل الأصوات.

آخر محطة:
1 – نأسف ان تتحول أقدم وأعرق ديموقراطية عربية وإسلامية وشرق أوسطية الى ثقافة الكسور أي الثلث والثلثين والنصف + 1 وننتهي بكسر يكسر الآخر.

2 – حقيقة الإشكال في لبنان هي ان احدى القوى الإقليمية تريد إيصال رسالة واضحة للفرقاء وهي ان بوابة الرئاسة اللبنانية مازالت تمر عبرها.