سامي النصف

صباح الخير يا دستورنا العظيم

رغم وجود دساتير سابقة في الكويت لمجلسي 1921 و1938 الا ان الآباء المؤسسين الذين عقدوا اولى جلسات لجنة الدستور في 17/3/1962 لم يتعصبوا او يغضبوا ويطالبوا بعدم المساس بالدساتير السابقة، بل راعوا متغيرات العصر وارتضوا ان يخلقوا دستورا جديدا مختلفا تماما عما مضى وتظهر 944 صفحة ممتعة من محاضر تلك الجلسات كم الرقي والصبر وطول البال والعظمة والتسامح والسمو الذي ساد تلك الجلسات وتعامل شخوصها مع بعضهم البعض حيث لا تجد كلمة جارحة او خارجة.

وواضح من قراءة محاضر تلك الجلسات ان دستورنا الحالي هو صناعة كويتية بحتة، اي اننا لم نحضر دستورا من الخارج قد جرب وطبق وسدت ثغراته لدى الآخرين واصبح جاهزا للعمل الفوري به عندنا، بل آمن الآباء المؤسسون بأن الدستور الذي خلقوه هو قيد التجربة ووليد اجتهاد قد يخطئ أو يصيب، لذا عولوا كثيرا في موافقتهم على الامور الخلافية على ان الممارسة اللاحقة ستكشف اوجه القصور التي سيتم تصحيحها بعد 5 سنوات من التطبيق، وهو ما لم يحدث قط.

وقد خُلق الدستور ضمن اجواء محيطة في منطقة لا ديموقراطية فيها وتسودها اجواء قمع السلطة لذا ركز على اعطاء ضمانات مضاعفة لنواب المجلس خوفا من تعسف الحكومة والوزراء تجاههم مكتفيا باعطاء ضمانة عدم طرح الثقة برئاسة الوزراء كحماية للحكومة، وقد اثبتت التجربة ان الوزراء اصبحوا هم الطرف المستضعف في علاقة السلطتين حيث اصبح عمر الوزير في الوزارة لا يزيد على عمر الفراشات او الزهور، مما مهد الطريق لتقدم الدول الخليجية الاخرى المستقرة سياسيا علينا.

وتبدأ جلسات لجنة الدستور بكلمة معبرة للمرحوم حمود الزيد الخالد قال فيها «ان دستور الكويت هو الاحدث لذا يجب ان يكون دستورا مثاليا تقتدي به الدول العربية»، وفي الجلسة الرابعة يطلب السيد يعقوب الحميضي ويدعمه السيد حمود الخالد ان يكون نظام الحكم في الكويت رئاسيا، اي ان يصبح رئيس الدولة هو رئيس الحكومة كي نضمن استقرار الحكم، ويطلب الشيخ سعد العبدالله ان يتقدم الخبير القانوني بمذكرة عن عيوب ومحاسن النظامين الرئاسي والبرلماني وينتهي النقاش فيما بعد باختيار نظام جديد غير مجرب في العالم يجمع بين النظامين الرئاسي والبرلماني.

وقد تطرق دستورنا العظيم لمناح عديدة في الممارسة السياسية، ولا اعلم مدى التزامنا بتطبيق روح ونصوص مواده كالمادة 29 المتعلقة بتساوي الناس امام القانون والمادة 30 الخاصة بكفالة الحريات الشخصية والمادة 35 حول حرية الاعتقاد ورعاية الدولة لحرية القيام بشعائر الاديان المختلفة والمادة 44 الخاصة بمنع رجال الامن من حضور اجتماعات الافراد والمادة 50 الخاصة بفصل السلطات وتعاونها وعدم السماح بنزول سلطة عن بعض او كل اختصاصاتها للسلطة الاخرى والمادة 56 الخاصة بتعيين الوزراء واعفائهم والمادة 82 التي تكتفي في هذا العصر بشرط الكتابة والقراءة لمنصب عضو مجلس الامة والمادة 89 من اللائحة حول عقوبات الاخلال بالنظام والاصرار على الكلام في الجلسات وغيرها من مواد.

واحسن ما نختم به المقال مقتطفات من كلمة المرحوم الشيخ عبدالله السالم التي ألقاها في يناير 1962 والتي قال فيها «انصحكم كوالد لاولاده ان تحافظوا على وحدة الصف وجمع الكلمة حتى تؤدوا رسالتكم في خدمة شعب الكويت الطيب على اكمل وجه واحسن صورة»، وكلمة الرئيس المرحوم عبداللطيف الثنيان الغانم التي ألقاها بعد الانتهاء من تلاوة مشروع الدستور في نوفمبر 1962 والتي من ضمنها «ان النصوص على عظم قدرها ليست كل شيء في حياة الشعوب، وانما العبرة بتطبيقها وبالروح التي تسود هذا التطبيق»، فهل استمعنا حقا وطبقنا نصح آباء الدستور العظام أم قمنا بعكس ما طلبوه منا تماما؟

احمد الصراف

غرائب الأطباع

تهتم المنظمات الانسانية الدولية والحكومات الغربية بأوضاع العمالة في دول العالم الثالث بشكل عام، والاسلامية والخليجية بشكل خاص.
قضية الاستعباد والاتجار بالبشر ليست بالجديدة ولا بالغريبة، فقد كانت دوما جزءا من التاريخ البشري، وكان اليونانيون قبل 2500 عام يقصرون حق المشاركة في الديموقراطية على الاحرار، دون الارقاء، كما تعامل الكثير من الاديان، مع ظاهرة العبودية كحقيقة مسلم بها، ووضعت لها مختلف التشريعات والقواعد المنظمة وفرقت حتى بين عقوبات جرائم الاحرار عن تلك التي تطبق على الارقاء، وبالرغم من ان الاسلام حاول التقليل من ظاهرة العبودية بوضع مخارج عدة للتخلص من الرقيق والاتجار بالبشر بيعا وشراء واستغلالا، فان الفتوحات الاسلامية الواسعة التي تسارعت وتيرتها في العهد الاموي، وما بعد ذلك، والتكاثر البشري وحب الاحتفاظ بالاماء، بدلا من عتقهن، كانت الزيادة فيها اكثر تسارعا من مشجعات قطع روافد الاستعباد، وبالتالي لم يكن غريبا استمرار كل هذه القرون في منطقة الجزيرة وحتى وقت قريب جدا، والكويت كان عهدها بالرق حتى ستينات القرن الماضي، واستمرت الظاهرة لما بعد ذلك في دول خليجية اخرى، كما انها لا تزال متفشية بشكل كبير في مناطق من السودان، وبشكل اكثر انتشارا في موريتانيا، وبعض دول افريقيا الفقيرة جدا.
من الحقائق التاريخية ان بريطانيا سبقت دول العالم اجمع في محاربة تجارة الرق، وكان القانون الذي اصدره البرلمان البريطاني قبل ما يزيد على 200 عام الركيزة التي انطلق واعتمد عليها الاسطول البريطاني في مصادرة السفن التي كانت تحمل الرقيق من افريقيا بصورة خاصة، واعادتهم لبلادهم. كما كانت الولايات المتحدة الاميركية، بخلاف كل الدول الغربية الاخرى، الاكثر استرقاقا للبشر في التاريخ، كما دفعت الثمن الافدح، ولا تزال، نتيجة سياسة التفرقة العنصرية التي كان يتبعها الكثير من ولاياتها حتى سنوات قليلة مضت! ولا يمكن نسبة الفضل في تحريم الرق دوليا لغير الدول الغربية التي سعت مجتمعة، وبقوة،لاصدار الميثاق العالمي لحقوق الانسان، وهو الميثاق الذي لا تزال الاكثرية من الدول العربية والاسلامية تتحفظ على الكثير من بنوده المهمة.
ما يجري من انتهاك لأبسط حقوق الانسان في الكثير من دول الخليج، ومنها الكويت، لايمكن النظر اليه بغير منظار العبودية والاستغلال البشع لحقوق البشر، فظروف معيشة نسبة كبيرة من العمالة في دول الخليج، الخيالية الثراء، تقترب كثيرا من ظروف الرق، فغالبية العمالة الوافدة لا حقوق لها وتجبر على دفع مبالغ كبيرة مقابل دخول جنة العمل في دول الخليج ولا تكتشف سوء المنقلب الا بعد وصولها وتبخر حتى الرمادي من احلامها، دع عنك الوردي منها!!
الطريف، او المبكي، ان الكثير من الدول المتهمة بالاتجار بالبشر تصف تقارير وزارة الخارجية الاميركية السنوية المتعلقة بطرق تعامل الحكومات مع قضية الاتجار بالبشر، بالتحيز وبكونها نوعا من التدخل في شؤونها الداخلية!! ورفض هذه الدول لملاحظات الخارجية الاميركية يشبه وضع ذلك الانسان الذي يقوم بضرب وكي اولاده والعاملين معه لاتفه الاسباب، وعندما تتدخل السلطة لحمايتهم يتعلل بأنهم ابناؤه وتابعون له وهو بالتالي حر التصرف بمصيرهم!!
والغريب اننا اكثر الناس تشدقا بمقولة ‘الساكت عن الحق شيطان اخرس’!! ومع هذا نهاجم الدول الغربية لانها لم تسكت عن محاولاتنا استرقاق البشر والاتجار بهم.
أحمد الصراف