الديموقراطية هي الرأي والرأي الآخر، كنا قد حذرنا في الماضي من التحول إلى منهاجية الدوائر الخمس وقلنا ان علاج أمراض الوضع الانتخابي السابق من واسطات وشراء أصوات وفرعيات هو بمواجهتها بالتشريعات الرادعة والوعي الوطني والابلاغ عنها بدلا من تخبئتها تحت السجادة عبر القفز إلى خيار تغيير الدوائر الذي سيتسبب كما ذكرنا آنذاك في استفحال وانتشار تلك السلبيات وبالمقابل فقدان كثير من الوجوه الخيّرة في المجلس لكراسيها النيابية وقد أتى تحقيق الزميلة «الوسط» امس الأربعاء ليثبت صحة توقعنا الذي كان أقرب للبديهية بنظرنا.
يخبرني صديق من أهل الكويت عمل لمدة ربع قرن في احدى الوزارات التي تولى أمورها ذات مرة وزير شعبي بقصته المأسوية فيقول: تركت عملي يوم الاربعاء وأنا مسؤول كبير في الوزارة ومكتبي عليه صوري وشهاداتي وداومت يوم السبت لاجد احد مفاتيح الوزير الانتخابية ممن يعملون في الوزارة يجلس على مكتبي وبيده قرار تعيينه السريع في ذلك المنصب مما جعلني اطلب احالتي للتقاعد ثم اجلس في البيت، التحول إلى منهاجية الحكومة الشعبية سيعني ضرب تلك التجربة المرة بعدد الوزارات ومن ثم الاستباحة التامة للميزانية العامة للدولة وتفشي المظالم من قبل اتباع التوجه السياسي لرئيس مجلس الوزراء الشعبي لذا «لا» لذلك الخيار بنظرنا.
خطآن لا يعملان صوابا واحدا، اذا كان التحول الى منهاجية الدوائر الخمس خطأ جسيما فان التحول الى خيار الدائرة الواحدة غير المعمول به في جميع الديموقراطيات الأخرى في العالم هو خطيئة كبرى ما بعدها خطيئة، فالديموقراطية في البدء والمنتهى هي تمثيل عادل لجميع ألوان الطيف السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلد، مهما صغر وهو ما يحققه بكفاءة وجدارة تعدد الدوائر الانتخابية وتنوعها، اما الدائرة الواحدة فستظهر لونا أو لونين سياسيين متحالفين فقط، في مجتمع لا يحترم حقوق الاقليات، وسيلغي ويعادي ويقمع 51% منه الـ 49% الباقين، لذا «لا» لخيار الدائرة الواحدة.
وتجربة الاحزاب التي دمرت واحرقت لبنان والصومال والعراق (أكثر من مائة حزب طائفي وعنصري والخير لقدام) وفلسطين وافغانستان الخ، يراد لنا وبسذاجة بالغة ان نقبل بها حتى نمهد الارض لحروب أهلية قادمة بين الاحزاب، ان الوقت المناسب لانشاء الاحزاب هو ذلك الزمن البعيد الذي نلحظ فيه بالعين المجردة اختفاء التخندقات الطائفية والفئوية والقبلية القائمة وارتفاع الوعي السياسي والوطني الى درجة نعلم بها ان النفوس قبل النصوص لن تقبل بتكوين الاحزاب على معطى تلك التخندقات الحادة القائمة، ان السماح بتكوين الاحزاب هذه الايام ونحن في عز بروز التخندقات غير الوطنية القائمة سيعني اعطاء تلك الامراض الطارئة صفة الشرعية وبقاءها للابد، لذا فاللاء الثالثة هي ضد انشاء الاحزاب المشتتة للمجتمعات، خاصة في ظل عدم وجود تكافؤ وعدالة بين التجمعات والتكتلات القائمة، حيث يمتلك البعض منها الثروات والملايين والمقرات والآلاف من الاتباع ولم يبق له إلا اللوحة والاشهار ومنافسون لا يملكون شيئا.
آخر محطة:
قلت في برنامج حواري ضمني والدكتور عبدالمحسن جمال وبث من بيروت في 7/11 ان اشكالات الديموقراطية في المنطقة العربية وليس في الكويت فقط تكمن في مفاهيم عدم التسامح المتجذرة في ثقافتنا السائدة التي تغلب عليها مقولة الشاعر «لنا الصدر دون العالمين أو القبر» وقارنت ذلك بديموقراطية الهند ذات الـ 1.2 مليار نسمة التي تقل ازماتها السياسية عن ازمات الكويت ذات المليون نسمة بسبب ثقافة التسامح التي تطغى على المجتمع الهندي، في 11/11 كتب الكاتب الاميركي الاشهر توماس فريدمان مقالا في «الهيرالد تريبيون» وجريدة الشرق الأوسط تطابق تماما مع ما قلناه حيث ذكر ان الديموقراطية العربية يسيطر عليها مفهوم «Rule Or Die» وهو ما يخلق اشكاليتها وقارن ذلك بالديموقراطية الهندية، وقد اثنى على مقالته «لا مقولتي» الزميل د.وائل الحساوي في زاويته بالامس.
الجانب الايجابي فيما حدث انني سبقته بالفكرة ولم يسبقني والا لادخلني الزميل المبدع بدر الكويت ضمن منتداه الالكتروني المختص بمن يقتبس افكار غيره!