أحد المبادئ العامة الواجب تعلمها ضمن لعبتنا السياسية هو ان الديموقراطية في صلبها هي الإيمان بالرأي والرأي الآخر، أما منهاجية «ما أريكم إلا ما أرى» أو «ان قولي صواب لا يحتمل الخطأ وقولكم خطأ لا يحتمل الصواب» فتلك هي الديكتاتورية المقنعة البغيضة بعينها مهما حاولنا ان نجملها أو نضفي عليها ما أنزل الله من مسميات جميلة.
الآن وبعد استقالة وزير النفط أصبح بالإمكان الحديث عما دار حول «مبدأ التدوير» بعقل بارد ليس فيه دعم لشخص زيد أو استقصاد لشخص عبيد حتى لا نبكي كعادتنا على اللبن بعد سكبه فنبحث عن تلك الأداة التي يمكن ان تفك في القادم من الأيام والسنين أزمات كبرى فلا نجدها.
فالاستجواب كأي أداة حادة أخرى يمكن ان يحسن استخدامها فتوجه من خلاله أصابع القصور الإداري أو الفساد المالي تجاه أحد المسؤولين وهنا لا خلاف على الإطلاق في ضرورة المحاسبة القصوى لمن قام بالتجاوز والتعدي، وهذا هو الوضع في أجواء مثالية تستهدف مصلحة المجتمع والحفاظ على المال العام.
إلا أن الواقع المعيش يظهر في بعض الأحيان استقصاد نائب أو أكثر، أحد الوزراء لذاته أو لموقفه الصحيح من إحدى القضايا أو لرفضه الخضوع للطلبات الشخصية والواسطات، مشهرين سلاح الاستجواب ضده، في وضع كهذا وخاصة مع التغييرات التي طرأت بعد قفل الحكومة – مشكورة – حنفية التنفيع والقفز على القوانين لكسب التأييد، ستجد الحكومة، ومع كل الشرفاء من نواب ومواطنين، انها في ورطة.
فالأخذ بخيار استكمال الاستجواب سيعني السقوط المحتم للوزير المستهدف الذي سنفترض كفاءته ونزاهته وحاجة البلد لقدراته المميزة، حيث أصبح من الصعوبة بمكان ولأجل غير مسمى حشد حتى 3 نواب يتحدثون ضد الاستجواب – أي استجواب – لما يرونه من مخاطرة على فرصهم في النجاح في الانتخابات اللاحقة، فمبدأ السلامة يقتضي إما دعم الاستجواب أو على الأقل عدم الظهور بمظهر من يدعم الوزير أو الحكومة خوفا من مقولة انه متنفع منهم.
حينها ستجد رئاسة الحكومة ومعها كثير من النواب المحرجين من غير المقتنعين أصلا بالاستجواب، ان الحل يكمن في الأخذ بالخيار السهل أي التدوير ونعني بالطبع هنا تدوير الوزراء الأكفاء النظفاء ممن أصابهم سهم الاستجواب الخاطئ، أما من هم غير ذلك فلا يستحقون إلا تركهم لمصيرهم المحتوم على منصة الاستجواب، وفي غياب ذلك الخيار السهل قد تلجأ الحكومة للأخذ بالخيار الصعب أي الحل الدستوري من زاوية ان ذلك الاستجواب أو تلك الاستجوابات غير مبررة وتعني عدم التعاون بين الحكومة والمجلس.
ان القياس الصحـــيح للأمور يدعو الى وضعها في حجـــمها الصحـــيح دون افتـراض «المبـالغة غير العقـــلانية» فيــها ثم القياس عليــها كمن يطــالب بإســـقاط حق الاستجواب عبر المبـــالغة والقول ماذا لو قدم كل عضو من الخمسين نائبا استجوابا ضد 16 وزيرا، او مثل ذلك من يرفض التدوير عبر الافتراض المبالغ فيه والقول وماذا لو دورت الحـــكومة «كل» وزير يستجوب، فواضح ان افتراضية كهذه والتي لم تحدث إلا مرات نادرة جدا في السابق ستعني استخدام المجلس أداة الاستجواب تجاه من «يبالغ» في استخدام أداة التدوير دون الحاجة لإيقاف مبدأ التدوير ذاته.
آخر محطة:
في الخلاصة الاستجواب والتدوير هما أداتان دستوريتان لا يجوز منعهما أو المبالغة في استخدامهما.