حال المواطنين الشركاء في الوطن الواحد كحال المساهمين في أي شركة مساهمة تستفيد ادارتها مما يقترحونه من سبل لتحسين عوائدها المالية، لذا فمع تمتع الكويت هذه الأيام بثروات غير مسبوقة في تاريخها وجدنا ان من الحكمة تسليط الضوء على فلسفة التصرف بالثروات النفطية في الدول الأخرى ذات الظروف المشابهة.
يرى أهل النرويج وهم أحد أكثر شعوب أوروبا ذكاء وحنكة ضرورة استخراج أكبر كمية من النفط المخزون في اقصر مدة وتحويله إلى استثمارات في السندات والأسهم الزرقاء ذات العوائد المالية المرتفعة، وتعتمد تلك الفلسفة على عدة أسباب منها ان الاستثمارات المالية تنمو وتكبر وتزيد، فمائة دولار يحصل عليها من بيع برميل نفط يتضاعف سعرها كل سبعة اعوام من استثمارها فتصبح مائتي دولار، اما بقاء البرميل تحت الارض فلا عائد ماليا له مع احتمال كبير بانخفاض سعره الى النصف أو الربع طبقا للظروف المتغيرة التي لا يمكن التحكم بها، فتصبح المائة دولار 50 أو 25 دولارا بعد اعوام من الانتظار.
وواضح ان كلفة سعر البرميل في الكويت تقل عن الدولار الواحد لذا فبيعه باسعار هذه الايام المرتفعة جدا لا ضرر منه، اضافة الى حقيقة ان البترول كمصدر للطاقة كحال الفحم سابقا قد يستبدل سريعا بالوقود النظيف أو مصادر الطاقة البديلة خلال سنوات قليلة خاصة بعد الانباء الأخيرة عن ان المخزون النفطي الحقيقي في العالم أقل كثيرا من نصف ما هو متوقع سابقا، ومن ثم سينضب مخزون كثير من الدول المنتجة خلال العقدين او العقود الثلاثة القادمة ومن ثم لا يمكن للعالم ان يعيش على مخزون نفطي لبلدين أو ثلاثة وعليه ايجاد البديل خلال تلك المدة، ان الايمان بخيار «تحويل النفط الى اموال سائلة» يعني الاسراع في عمليات تطوير حقول الشمال وباقي حقول الكويت.
من جانب آخر تعتمد دول كالامارات وقطر والسعودية ومصر وغيرها على تحويل عوائد النفط إلى منشآت وبنى أساسية ضخمة على كل شبر من أرض الوطن طبقا لحقيقة ان الاجيال القادمة قد لا تجد الموارد المالية لتعمير الأرض بعد نضوب البترول او الاستغناء التدريجي عنه، لذا فما فائدة – حسب تلك الفلسفة – توريث اراض عامة قاحلة خالية من المشاريع خاصة ان اغلب دول المجاعات والفقر في العالم تملك حاليا اراضي شاسعة لا يرغب احد في تعميرها؟ لذا فمن الأفضل ان نورث أراضي معمرة مدرة للمال لا خالية أو مدمرة.
بالمقابل هناك توجه قوي في الكويت يدعو لعكس ذلك حيث ما ان يقترب المستثمرون المحليون او الاجانب من الأراضي العامة لاقامة المشاريع الجالبة للاموال عليها حتى يتم الاعتراض على ذلك بحجة عدم التفريط باراضي الدولة ومن ثم يصبح الخيار هو اما انتظار تعمير الخزينة العامة لتلك الصحاري وهو أمر مكلف جدا ويحتاج لعشرات السنين، او توريثها للاجيال المقبلة كاراض قاحلة عليهم في ذلك الزمن البعيد ان يجدوا الأموال غير المتوافرة آنذاك لتعميرها بعد تضاعف اسعارها عشرات المرات، ان الدول حتى الغنية منها تستجدي المستثمرين والسائحين للقدوم ونحن نتسابق على طردهم حتى اصبحنا ولا فخر الدولة الاولى في العالم في تصدير المستثمرين والسائحين.
آخر محطة:
الاستثمار الأمثل للأموال العامة يمر بعمليات اصلاح واسعة لا تختص بالسلطة التنفيذية وحدها بل يجب ان تمتد للسلطتين الثانية والثالثة والمرجو الاطلاع على بعض تقارير منظمة الشفافية العالمية حول المنهج الامثل لعمليات الاصلاح في السلطات الثلاث وليس في احداها فقط.