محمد الوشيحي

بقايا بقايانا

رحم الله أبي وآباءكم وجيلهم الذي استطاع تأسيس منهج تربوي لم تكتشفه كل النظريات التربوية، منهج تم تطبيقه علينا بحذافيره وأظافيره، ومازالت بقاياه وآثاره على جلودنا شاهد عيان. المنهج يقوم على مبدأ “الضرب بقسوة أولاً ومن ثم التفاهم”، هذا إذا اعتبرنا إملاء الأوامر والتهديد والوعيد تفاهماً. وقد تُصافح ظهرك عصا غليظة قبل أن تعرف أسباب المصافحة، وقد تكون تلقيتها بالخطأ، يحدث ذلك، أقصد أن يكون “مرتكب الجريمة” شخصاً آخر، والتبس الموضوع على الوالد، وكنت أنت الأقرب فتفوز بضربة عصا أو دلة قهوة أو ما تيسر من “أدوات التربية”. هو منهج جعلني وإخوتي وأقراننا من أبناء الجيران (كان كبار السن من جيراننا يهددون أبناءهم بوالدي: “تأدبوا أو نبلغه عنكم”، فيتأدبون في الحال) أقول، كنا نتمنى أن تقبض علينا الشرطة – في حال ارتكبنا خطأ، وما أكثر الأخطاء التي نرتكبها –على ألا “يقبض” علينا المرحوم. وكنا على استعداد لقبول العقوبات الدولية، ومصادرة أموالنا في الخارج، وقصف مقراتنا، بشرط ألا نقع في قبضته الكريمة. وحدها عقولنا كانت مرتاحة، فلا حاجة لتفعيلها ولا تشغيلها. هي أوامر، أو قل مبادئ، تُلقى علينا بكميات تجارية وعلينا حفظها وترديدها، أتحدث عن أبناء جيلي من أهل “الصباحية” عندما كانت الصباحية نائية، قبل أن تصبح اليوم من “مناطق الوسط”. خذ عندك مبدأ: “جارك أحق بالفزعة من أخيك، عليك أن تعادي من يعاديه وتصاحب من يصاحبه”، وبالطبع لا تستطيع أن تطرح وجهة نظرك حتى ولو كان جارك المقصود لا يعادل قشرة بصلة في سوق الصرف! وقد تنقلب ضحكاتك مع صديقك إلى تأوهات وأنين بعدما تتلقيان ضربة بعصا أو بما تيسر (الحمد لله أن السيوف لم تعد متداولة) لسبب مهم وحيوي: “ما الذي أوقفكما أمام الباب؟ لماذا لا تجلسان في الديوانية وتتحدثان كما تشتهيان؟ ألا تعلمان أن وقوفكما أمام الباب قد يحرج النساء المارات في الشارع؟”! هكذا. وعليك أن تأخذ المبدأ وتسكت، أو كما يقول جليس السلاطين “كل واشكر”. وإذا كانت العسكرية، وهي العسكرية، تعتمد مبدأ “نفّذ ثم تظلّم”، فإن مبادئ آبائنا تقوم على “نفّذ واحمد الله”. ومع ذا ورغم ذاك، كان جيلاً معجوناً بالرجولة مغلفاً بالصدق حتى آخر قطرة، حسناته أضعاف أضعاف سيئاته. وجاء جيلي، وقررت ألا أمد يدي على أي من أبنائي، والتزمت بقراري، وإن كنت ما أزال في مرحلة تفاوض مع كفي التي تطلب مني إعطاءها الحرية الكاملة للتفاهم مع خد “بو عزوز”، سعود، الابن الأصغر! على أنني أعترف أن قليلاً من قليل، أو بقايا من بقايا، فكر والدي وجيله مايزال عالقاً في بعض مفرداتي مع أبنائي، فالكلمة يجب ألا تُكرر، مرة واحدة تكفي وتزيد، وقد لا يكون هناك حاجة لقولها أساساً. واليوم أشعر بأن الحبل الرابط بين مبادئ والدي ومبادئ ابني على وشك الانقطاع، والمسافات بين جيليهما تتسع، ولا أدري هل هذا أفضل أم أسوأ. الأكيد أن جيل أبنائنا يكبر وينشأ على اتجاه مخالف للاتجاه الذي نشأنا عليه. نحن نشأنا على “أحاديث الأولين” وهم نشأوا وينشأون على “أحدث إصدار”، وما بين هذه وتلك “بيداً دونها بيد”، كما يقول المتنبي، ونحن البيد. وأجزم أن حفيدي سيبني عاداته على أنقاض عاداتي أنا، فما بالك بعادات والدي. والحديث يطول، وقد أطبخه مرة أخرى، وقد لا أطبخه.

سامي النصف

كل نساء الرئيس

تسبب ظلم وطغيان منظومة البعث العراقي الدموية في سقوط نظام الأقلية السنية في بغداد للمرة الأولى في تاريخهم، وسيتسبب ظلم وطغيان منظومة البعث السوري الدموية في سقوط نظام الاقلية العلوية في دمشق وهو الحكم الأول في تاريخهم وفي الحالتين نلحظ مساهمة ما يفترض ان يكونوا أنظمة وحدوية علمانية عروبية بكفر شعوبهم بالعروبة والوحدة والعلمانية.

***

واضح تطابق مسار الرئيس الابن في دمشق مع مسار الرئيس الأب فاذا كان الأب قد قتل الرئيس بشير الجميل فالابن يقتل الرئيس الحريري وكما لاحق الاب القيادي البعثي الكبير صلاح الدين بيطار في باريس وقتله فالابن يخطف القيادي البعثي الكبير شبلي العيسمي من عاليه ويقتله على الارجح، وتمديد الأب للرئيس إلياس الهراوي يقابله تمديد الابن للرئيس اميل لحود.

*** 

وتدمير حماة عند الاب يقابله تدمير حمص عند الابن، اغتيال الوزير الماروني ايلي حبيقة عند الاب يقابله اغتيال الوزير الماروني بيار الجميل عند الابن، كما ان اغتيال الصحافي الكبير سليم اللوزي صاحب مجلة «الحوادث» واسعة الانتشار يقابله اغتيال الصحافي الكبير جبران التويني صاحب جريدة «النهار» واسعة الانتشار، واغتيال الزعيم اليساري اللبناني العالمي كمال جنبلاط يقابله اغتيال الزعيم اليساري اللبناني العالمي جورج حاوي، والانسحاب من الجولان عند الاب يقابله الانسحاب من لبنان عند الابن، ودفع حركة امل للهجوم على المخيمات عند الأب يقابله دفع حزب الله للهجوم على بيروت الغربية عند الابن مما يظهر ان رجال الرئيس الاب ومستشاريه مازالوا يعملون مع الرئيس الابن، والاحداث التاريخية لا تصنعها الصدف.

***

ومن كل رجال الرئيس الى كل نساء الرئيس فضمن الرسائل الالكترونية التي كشفتها «العربية» نجد أن الرئيس بشار أقرب لشهريار زمانه حيث تحيط به النساء الجميلات من كل جانب، وبتأثير طاغ عليه ولا يوجد في هذا السياق أي أثر للطائفية التي يتهم بها الرئيس على ذلك المحيط الأنثوي، فحرمه سنية ولونا شلبي درزية وهديل العلوي علوية وشهر زاد جعفر شيعية الا ان نصائحهن وأعمالهن كما تدل الرسائل لا تقل صقورية عن أقرب مقربيه من الرجال.

***

آخر محطة: قدت ذات مرة الطائرة الأميرية التي اقلت الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، الى دمشق في زيارة رسمية حيث استقبله الرئيس الراحل حافظ الاسد، تركنا الطائرة بعد ساعة من الوصول وشاهدنا في الطريق حافلات تنقل الحرس الرسمي الذي كان منتشرا على جانبي موكب الزعيمين ـ والذي لا يحتوي سلاحه على ذخيرة حية ـ وخلفها عدد مضاعف من الشاحنات الضخمة التي تجمع شبابا ميليشاويا بلباس مدني يحمل الرشاشات ذات الذخيرة الحية كما أخبرنا، وقد سألت مرافقنا عن ماهية هؤلاء الشباب فأجاب: «هدول اللي بيستخبوا خلف السجر (الشجر) وبنادقهم مصوبة لظهور الحرس الرسمي» وعرفت حينها ان النظام يقوم أمنه على الشبيحة بأكثر من اعتماده على جيشه الرسمي.

 

حسن العيسى

حرياتنا تحت ظلال سيوف شيوخنا ومشايخنا

رغم أنف الحكام بأمر الله الجدد في مجلس الأمة وشرطتهم في وزارة الداخلية عقدت جمعية الخريجين ندوة ملتقى النهضة، المحرم انعقاده حسب قوانين الاستبداد والمصلحة العليا للدولة، وبعد أن كان شباب النهضة الخليجيون يلتقون للتفكير في المجتمع المدني في غرف مغلقة بدعوات خاصة للمهتمين بهموم الاستبداد الفكري تحت ذريعة الدين أو أمن الدولة المقدس، تجمع الشباب أمس الأول في لقاء عام مفتوح بصالة الشهيد مبارك النوت، وخطب الشاعر سعد ثقل العجمي بكلمات موزونة نددت بأعداء حرية التعبير، وهم بكثر البعوض في دول “اخرس” العربية، حاضر بعده شفيق الغبرا عن مفهوم الحرية وانه لا معنى للحريات الإنسانية ما لم تقم على أسس مبدأ التسامح مع الآخرين المختلفين معنا. تعقيبات أكثر الحاضرين كانت صوراً من حالات “تنفيس” عن الذات من استمرار اختناق الفكر تحت ذريعة الأمن أو العادات والتقاليد أو الدين، كما يراه فقهاء البؤس في المنطقة. ولأن الحديث عن المجتمع المدني، وهو مجتمع حكم القانون والحريات الفردية وضماناتها الدستورية، عقب السيد التميمي كمتحدث عن أوضاع البدون عن مذاق هذه الحرية حين لاحقته أجهزة الأمن بعدة دعاوى جزائية لمجرد أنه طالب بأن تخضع أحكام منح الجنسية لرقابة القضاء، وكأنه كفر في دعوته، مع أن الكفر الحقيقي بحكم الدستور هو ذلك النص القبيح المحشور في قانون تنظيم القضاء حين حرم السلطة القضائية النظر في قضايا الإبعاد الإداري وبيوت العبادة ومسائل الجنسية، وبهذا تم وصم جبين القانون بوصمة الانتصار السياسي لمبدأ السيادة، وهي ليست سيادة الدولة وسيادة القانون بل سيادة القوي على الضعيف وسيادة الحاكم على المحكومين. كان الحاضرون يتحدثون عن الحرية، وشرد فكري قليلاً عن معنى هذه الحرية، في الوقت الذي أواجه فيه اليوم (وليست هذه المرة الأولى) دعوى جزائية تقدم بها أحد المحامين الكويتيين السائرين بهدي خطى يوسف البدري المحامي في مصر وأمير بلاغات خنق فكر وحريات التعبير بحجج المساس بالدين، فتحية لحماة العقيدة من شرور حرية الاعتقاد والضمير حين يتصدى لها مشايخ التعاسة في محاكم التفتيش الحديثة.

احمد الصراف

تكلفة التعليم.. والكارثة (2-1)

يقال: لكي تعرف تكلفة التعليم.. جرب الجهل!
تطرق الزميل محمد العجيري، رئيس «كونا» السابق، في مقال نشر في «الطليعة» لمشكلة التعليم في الكويت، معلقا على تحقيق القبس الذي بين عدم رضا %85 من المواطنين عن الخدمة التعليمية، وأن نتيجة الاستفتاء كانت حتمية بسبب تراكمات وتخبُّط إدارات متعاقبة فشلت في تطوير التعليم، بما تقتضيه روح العصر، على الرغم من توافر الكوادر والإمكانات المالية لدينا، بل إنها سلكت طريق تسييس التعليم، وإقصاء المخالفين وتقريب المريدين، بغض النظر عن مستواهم الفني، فتحوَّلت وزارة التربية إلى مرتع لقوى الإسلام السياسي. وقال إن تأثير هذه الجماعات مترسخ وظاهر بوضوح لمن يريد، فمحتوى المناهج اعتمد على أسلوب ضخ أفكار معينة ومدروسة لتوجيه النشء لاعتناق أيديولوجيات سياسية تحت غطاء تعليمي ظاهره ديني. فالفكر الذي تم الترويج له ذو اتجاه عقائدي محدد، يهدف إلى بناء جيل مهيأ وبطريقة ممنهجة لتبني هذا الفكر الديني الإقصائي. والخطير في الأمر أنه تمت، وبطريقة متقنة، محاربة الفكر الحر المنفتح الذي يرتكز على قبول الآخر، مهما اختلف معك فكريا. ومن تعوَّد منا فتح حوارات مع أبنائه، يجد أنهم يعودون من المدرسة بأفكار غريبة ومقلقة، فهم إما مرتبكون من معلومة تتناقض مع العقل وطريقة التفكير المنطقي، وإما أنهم يتحدثون بمنطق يجعلهم يزدرون عقيدة الآخر، وبالتالي تأخذهم الحيرة، وتتغيَّر نظرتهم إلى أصدقائهم المقربين، لأنهم على مذهب مخالف.
وحينما تحاول استيضاح الأمر، تجد هذا الفكر موجودا في كتاب الدين، أو ان المعلم ذكره خلال شرحه لدرس معين، وقد يكون غير مادة الدين!
وإذا تصفحنا محتوى الكتب المدرسية، نجد المقرر ممتلئا بالغيبيات التي لا تدع مجالا لإعمال الفكر والعقل وتنمية روح البحث والنقد، وإطلاق وتحفيز الطاقات الإبداعية للطلاب.
فعملية التلقين البائس واجترار المحتوى الإنشائي للكتب تربي جيلا من الخاملين فكريا ممن لا يمكن التعويل عليهم في عملية النهوض بالمجتمع.
وإلى مقال الغد.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

لحظة.. يا شيخ ضاحي

الفريق أول ضاحي خلفان تجمعني به صداقة منذ عشرين عاماً، عرفت خلالها عنه كرمه وتواضعه وطيب معشره. ومعروف عن ابي فارس انه صاحب ديوان في الجميرة، وأن ديوانه عامر بالضيوف من مختلف الأمصار والأطياف.
اليوم، يمتلك الفريق أول ضاحي حساباً في «تويتر»، يغرد فيه صباحاً ومساء، ويعبر عن آرائه الشخصية في القضايا العامة، واحياناً يتبنى الرأي الرسمي للدولة من منطلق موقعه الوظيفي كمدير لشرطة دبي.
ومع احترامي لأبي فارس ولاسلوبه في التعبير عن آرائه، فإن الزمالة والاخوة اللتين تجمعاني معه تلزماني ان اقدم له النصح حرصاً على سلامة المسار الذي يتبناه.
ابتداء اريد ان اؤكد ان التيارات الاسلامية تملأ الكرة الارضية، وأن التيار الأكبر والأكثر تنظيماً وانتشاراً، بشهادة خصومه، هو تيار الإخوان المسلمين، وان هذا التيار هو فكر اكثر منه فقه، وانه منتشر لدرجة ان بعض تياراته لا ترتبط تنظيمياً بالأخرى. لذلك، تجد بعض الافكار هنا ولا تجد من يتبناها هناك! والعكس صحيح. اما التيار الاسلامي في الخليج، والمرتبط فكرياً بـ‍ «الاخوان» وليس تنظيمياً، فهو تيار وسطي معتدل، مواقفه من شيوخه وحكامه في الخليج معروفة ومميزة ولا تتعارض مع مصلحة الوطن، بل ان منطلقات التيار في الخليج وطنية صرفة، ولم يعهد ان اتهم احدهم بالتخطيط لقلب الحكم او الاستيلاء عليه، ولعل ازمة غزو صدام للكويت بينت اصالة هذا التيار وانتماءه لوطنه الخليج الكبير. لذلك، كم تمنيت يا صديقي لو لم تستعجل وتصدر احكامك في هذا التيار كردة فعل لتصريح شيخ دين أو داعية، قد يمثلون انفسهم اكثر من تمثيلهم لانتماءاتهم، هذا اذا اخذنا تصريحاتهم بالتشكيك، مع انني اعتقد انه كان يسعك ان تنظر الى ما ذكروه بالتأويل لهم والتبرير.
اخي الفريق اول ضاحي خلفان، سيظل الخليج بدوله، الصغيرة والكبيرة، واحة امان ومرتعا للدعوة الاسلامية، وسيظل حكامه وشعوبه داعمين للدين واتباعه. ولقد حاول بعض الحكام العرب استئصال شأفة الدين بإصدار الاحكام الجائرة على الدعاة والمصلحين ومحاربة مظاهر الاسلمة في مناحي الحياة، وقد نجحوا في فترة من الزمن في تقييد انتشار الدعوة بين الناس، لكنهم نسوا ان معادن الناس وفطرتهم لا يمكن ان يمحوها حكم بالسجن أو منع من السفر أو طرد من البلاد. لذلك، وعند اول انفراج في الحريات العامة، انطلق المارد من مكمنه وحمل هؤلاء الى سدة الحكم! اليوم نحن في الخليج نعيش بحرية يحسدنا عليها الآخرون، ونمارس عباداتنا كما نشاء من دون تقييد. لذلك من الظلم ان نُقَارن بغيرنا، كما انه من الظلم ايضاً ان نُتَهم بما ليس فينا، سيظل خليجنا واحداً وشعبنا واحداً في أمن وأمان.