محمد الوشيحي

السبابة لا تحمي الطنب

أواه يا صاحبي القطري، قلت له، خيمة الكويت الخليجية، كما تعلم، مثبتة بخمسة أطناب (حبال، مفردها طنب)، السعودية وقطر والبحرين والإمارات وعمان. ومنذ سنتين داوم عدد من أبناء الليل في الكويت، من الساسة وأصحاب وسائل الإعلام، على حز هذه الحبال بسكاكينهم بهدف قطعها، دون أن يدركوا أن الخيمة إذا تقطعت أطنابها وقعت على أدمغتهم المباركة وأدمغتنا معهم. الطنب البحريني هو الأكثر تعرضاً للحز، يليه السعودي، والآن بدأ حز الطنب القطري. ويا سبحان الله “ارجع البصر كرّتين”، كما يقول الخالق في كتابه الكريم، لتكتشف أن وسائل الإعلام هذه والساسة هؤلاء هم ذاتهم الذين دفعوا بالنائبين “المشبوهين” إلى البرلمان. ولا أحتاج إلى التذكير بأن أبناء الليل لم يُقدِموا على فعلتهم هذه إلا بعد أن حققوا نجاحات باهرة وأرقاماً قياسية في خلخلة الخيمة الكويتية من الداخل، والآن ها هم يحزون الأطناب تنفيذاً للبند “رقم 2″، ولا أدري ما هو البند “رقم 3” في بروتوكولاتهم التي كشفت لنا خيبة “بروتوكولات حكماء صهيون”. ولم يكذب شاعر الحرب خلف بن هذال عندما قال: “من دون صهيون بذّتنا صهاينّا”*. وأظن أن على حكومتنا الجالسة في “صدر الخيمة”، أن تدرك أن استخدام سبابة التهديد والتحذير مع أبناء الليل هؤلاء لن يجدي نفعاً، وأن عليها أن تبدأ منذ اللحظة باستبدال الحبال العادية بأطناب من الفولاذ النقي، وأن تتعهد هذه الأطناب بالسهر والحراسة، وتمنع الاقتراب منها وتصويرها، أو فلتستعد للمبيت في العراء، وتحمل حرارة القيظ وزمهرير الشتاء. وألف رحمة على الشاعر الذي قال في غابر العصر: “يمنىً بلا يسرى تراها ضعيفة / ورجلٍ بلا ربعٍ على الغبن صبّار … والطير بالجنحان محلى رفيفه / وإذا انكسر حدا الجناحين ما طار … أحدٍ على جاره حصاةٍ محيفة / وأحدٍ على جاره بخَتري ونوّار”**. والكويتيون على جيرانهم “حصاة محيفة”، والشهود أربعة ثقات. ولكل من تهمّه خيمة الكويت الخليجية ويخشى عليها أقول: “احرصوا على متابعة نشرات أخبار الساعة التاسعة كل ليلة، وانتظروا دور الطنب الإماراتي، وبعده العماني، فالسكاكين حادة، وسبابة التهديد لا تحمي الأطناب”. *** *بذّتنا: شغلتنا وأزعجتنا. ** لم أذكر اسم الشاعر لاختلاف الرواة حوله، وإن كانت غالبية الرواة تذهب إلى أنه الرويس. و”بختري ونوار” زهرتان برّيتان، ويقصد الشاعر أن بعض الجيران كالأرض الجرداء (الحصاة) التي لا ماء فيها ولا نبات، وبعضهم كالأرض التي تنبت أفضل الأزهار البرية. وأخشى على اليمنى الكويتية أن تصبح بلا يسرى.

حسن العيسى

جيفة الدستور

مشروع قانون الحشمة الذي ستقدمه “الكتلة” وهي بالفعل كتلة الهم والغم وغياب الأولويات التشريعية أشبهه “بالدبا” أو “الدبى” وهذه تعني، كما وصفها حمد السعيدان في الموسوعة الكويتية “صغار الجراد، الذي كثيراً ما كان يغزو الكويت في الماضي، إما عبر الصحراء أو بصحبة الأعشاب والعرفج التي يجلبها الحطابون، وأشهر غزو للدبا حدث في الكويت كان خلال الفترة ما بين 1 حتى 24 مايو  1890 حيث أصاب المزارع وملأ الآبار وأنتنها، وكانت تعرف بسنة الدبا…”، مشروع قانون الحشمة وما صاحبه من مشاريع حظر عمليات التجميل وقبله قلع الكنائس من الكويت وحظر بنائها الذي تنطع ملاكه بأنه يهدف إلى تحصين العادات والتقاليد الحميدة هو “دبا” سيغزو حريات البشر ويلتهم أبسط حقوقهم الشخصية في طريقة لبسهم وعيشهم وذوقهم وشكل أجسادهم، وهو يفترض أن الكويت صورة خليجية لشاطئ سان تروبيز في فرنسا، مع أننا نتذكر الحكمة الشهيرة لوزير الداخلية السابق، الله يذكره بالخير، الشيخ جابر الخالد حين رد على ممثلي “تورا بورا” في المجلس السابق بعد أن أثاروا الكلام الفارغ عما يحدث في الجزر الكويتية فقال: “لو بحثنا في الكويت من شمالها إلى جنوبها لن نجد حتى امرأة واحدة تلبس “أوزار”، فأي حشمة وأي تعر مزعومين يتحدث بهما هؤلاء الغلاة في مجلس الأمة؟!”. الخطورة اليوم لتلك المشاريع الفاقدة للفكر الإنساني الحضاري ليست في هذا المشروع أو ذاك المصادر لحقوق البشر وحرياتهم، أو بالأصح ما تبقى لنا من حريات، بل في ما تؤشر وتنذر به مثل تلك المشاريع في ظل الغياب التام للوعي الجماهيري بخطورتها، خصوصاً بالنسبة للمرأة، فالقادم، وأنا أجزم بذلك، أعظم، فلن يقتصر إسهال مشروع “الدبا” على “الحشمة”، بل سيمتد شيئاً فشيئاً إلى كل صغيرة وكبيرة في حياتنا اليومية، وستقلب قوانين الدولة رأساً على عقب بحجة أسلمة القوانين والحفاظ على العادات والتقاليد، وكأنه توجد حقيقة قوانين كافرة ومرتدة، فإما تستتاب أو يقام عليها الحد! اليوم قانون الحشمة الذي هناك احتمال كبير أن يبصم عليه نواب الأغلبية مراعاة لمشاعر الجماهير المؤمنة، وغداً سيحرق قانون الجزاء والإجراءات الجزائية وما تضمنه كل منهما من الحدود الدنيا في الحفاظ على الحريات، وبكلام أصح ستعني مثل تلك القوانين رمي دستور الدولة المنتهك في سلة القمامة، وغداً سيكون هناك قانون لفرض الحجاب، وبعده فرض النقاب، وبعده منع المرأة من العمل أو الخروج من المنزل بغير محرم، ومن بعده إقامة الحد علي أي مشتبه فيه أو فيها في جريمة الزنا أو غيرها من جرائم الحدود أو التعازير، ومازال ماثلاً أمامنا مشهد تلك المرأة المسكينة بشريط “يوتيوب” بقندهار الأمس، التي جلست في ملعب كرة القدم ليقف جزار من طالبان خلفها ويرديها مقتولة بطلقة رصاص واحدة في مؤخرة رأسها، من دون أن نعرف أي محاكمة أو أي أصول إجرائية اتبعت في محاكمتها! القادم أعظم وأكبر، (أذكر أن العبارة منسوبة لابن العم خالد السلطان)، فماذا سيبقى لدرة الخليج بعد ذلك؟!، وكيف سيحرق حزب الدبا المنظومة التشريعية التي بناها الآباء المؤسسون في نهاية الخمسينيات بعون من الراحل الكبير عبدالرزاق السنهوري…! ماذا سيبقى لنا من هذه الديمقراطية الكسيحة حين جثم فوق صدرها أعدى أعداء الحقوق والحريات الإنسانية وخصوم الجمال والفن والبهجة، ونسينا أن حكم القانون وصيانة الحد الأدنى من حقوق البشر يتقدمان أي كلام عن الديمقراطية. لنقف عند هذا الحد ونتذكر هذه الأبيات من شعر للمرحوم خالد العدساني في وصف سنة “الدبا” قد جاء كالسيل يعدو ليس يمنعه شيء فما مل من شيء ولا قفا فلم نر طرقا الا وقد ملئت ولا جدارا ولا سقفا ولا غرفا وأصبحت جملة الآبار منتنة كأن في جوفها من ريحها جيفا…  والآن، وبعد مرور أكثر من قرن على سنة “الدبا” ما رأيكم لو وضعنا كلمة “أفكار” بدلاً من “آبار”، فلن يتغير معنى رائحة الجيف، وهي بالتحديد جيفة الدستور.

احمد الصراف

ثروات العقول

توقفت طويلا أمام ما ذكره المخرج الإيراني أصغر فيرهاردي عندما أعلن عن فوزه بجائزة الأوسكار عن فيلم «انفصال»، كأفضل فيلم أجنبي، حيث ذكر أنه يهدي الفوز لشعبه، (وليس للمرشد الأعلى، كما جرت العادة)، وان شعبه يحترم كل الثقافات والحضارات، وينبذ الحقد والكراهية (وهنا ايضا أرسل رسالة ضمنية لمن يهمه الأمر). كما أظهر إنسانية واضحة في رسالته القصيرة، ورفض كل ما يمثله نظام ملالي وطنه من معاداة للمحبة والتآخي! وقد ذكرتني كلمته بقصة ذلك الطبيب الإيراني المعروف الذي وقف وزوجته في مطار مهراباد، الذي ربما اصبح اسمه، ككل شيء آخر، «خميني»، بانتظار الانتهاء من إجراءات خروجهما، عندما طلب منهما رجل الأمن التبرع بحليهما ومجوهراتهما لدعم مجهود الحرب مع العراق! وفعل الطبيب ما طلب منه، كبقية المسافرين الآخرين، وهنا نظر الرجل لخاتم صغير في اصبعه وطلب منه خلعه، فهو لن يغادر بجزء من ثروة الشعب! وهنا نظر الطبيب بأسى لذلك الرجل البائس وقاله له، وهو يشير إلى رأسه، هذه هي ثروة الشعب التي أقوم بإخراجها! ولم يفهم رجل الأمن الرسالة، وتركه يغادر بـ«عقله» إلى الغرب، مع مئات آلاف غيره من خيرة المهندسين والاختصاصيين والخبراء إلى الغرب. ولو أرادت قوى الغرب والصهيونية والاستعمار والاستكبار والاستحمار مجتمعة الإضرار بإيران لما نجحت في تفريغها من أهم ما فيها، وهو عقول ابنائها، كما نجح في ذلك نظامها الديني، الذي سره التخلص من كل اصحاب العقول!
الطريف، او المؤسف، في الموضوع أن حكومة ملالي طهران سبق أن منعت الفيلم الفائز من العرض، ولكن انسجاما مع الفرحة الشعبية، اضطرت، وإن على مضض، للترحيب بالفوز، قائلة، بطريقتها الملتوية كالعادة، انه يمثل تعبيرا عن «انتصار» الثورة الإيرانية ضد النظام الصهيوني، و«بداية انهيار» النفوذ الإسرائيلي في أميركا! ولو لم يفز الفيلم لقالت ان في الأمر مؤامرة إمبريالية صهيونية، وهذا أمر محير حقا!
الطريف أيضا أن الكثيرين يعتقدون بوجود مؤامرة ضد فوز العرب والمسلمين بالجوائز والميداليات العالمية سواء نوبل أو الأوسكار وغيرها، ولكني أتحرق شوقا لمعرفة اسم انتاج أو عمل فني أو ثقافي أو أدبي واحد من أعمالنا، ألهم العالم وفاقت مبيعاته كل التوقعات وبهر بإنتاجه او إخراجه الملايين ولم يفز بأي جائزة عالمية!

***
• ملاحظة (1): يتوافر لدينا رابط فيلم «الانفصال»، الناطق بالفارسية، والمترجم إلى الإنكليزية. يرجى إرسال رسالة قصيرة بذلك على الإنترنت.
• ملاحظة (2): بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، فإننا نشارك «الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية» في دعوتها للتجمع بهذه المناسبة في ساحة الإرادة غدا الخميس 2012/3/8 من 5 والى 7 مساء.

أحمد الصراف