محمد الوشيحي

الشوط الثاني

كل الحكاية أن الشوط الأول انتهى، وبدّل لاعبو الفريقين أماكنهم… أتحدث عن البرلمان الكويتي.
وللواقفين بعيداً عن الأحداث الكويتية، والمنشغلين بالأحداث السورية واليمنية والمصرية وغيرها، إليكم سأحمل طبقاً صغيراً من المطبخ الكويتي، تلتهمونه وتواصلون شؤون حياتكم.
أكتب إليكم هذه الرسالة، وأنا أقهقه بسبب انفعالات “الفريق الأسود”، فريق الغالبية السابق، وهو يهدد ويتوعد ويحدث الجلبة كي لا نستمتع بسيمفونيات النصر.
تلك أيام، كان فيها اللون الأسود هو الغالب في البرلمان، الذي تحول إلى “مجلس شورى”، يرتدي نوابه البشوت الفارهة ويمتطون السيارات الفارهة ويقبضون الأموال الفارهة، في حين تنهمر من عيون الشعب الدمعات الفارهة. كانت مرحلة فارهة القبح.
كانت الريح تهب من جهة الفساد. كانت قوية في وجه الوطن. وكان الوطن، بعد أن طارت غترته وسقط عقاله، يحتمي خلف جذوع الشجر كلما هاجت الريح.
في تلك الفترة، برز مجموعة من شبان المعارضة الغاضبين يحملون الألوية الحمراء، فأفسحنا لهم الطريق خشية أن يدهسونا، كان هديرهم مخيفاً، كانوا يزمجرون. وكنا قبل بروز هؤلاء الشبان نُعتبر من المعارضة الشرسة المتوحشة، فأضحينا، مقارنةً بهم، معارضة أليفة، ناعمة، لا مخالب لها ولا أنياب، تتمدد على شاطئ الريفيرا، وتتناول آيس كريم الجوز، في حين أن أول ما يلفتك في شبان الألوية الحمراء هو أنيابهم البارزة، وحواجبهم المعكوفة إلى الأعلى، كسن الفيل، كان منظرهم مهيباً.
تقدم الشبان الصفوف، فاصطف خلفهم “نوابهم”، وتوحدت الخطوة على وقع الطبلة العسكرية، وتوحدت الصيحة العسكرية، وبدأوا معركتهم، فكان النصر حليفاً للشبان، والنصر لا يحالف الجبناء.
واستعدنا البرلمان، وأعدناه “برلماناً” بعد أن تحول إلى مجلس شورى، ومنه إلى حديقة تلهو فيها الحكومة وأتباعها. وبدّل اللاعبون أماكنهم، فانتقل “نوابنا” إلى يمين الشاشة، ونواب السواد إلى يسارها، بعد أن فقد فريق السواد لاعبه الرئيسي، وبدأنا تسجيل الأهداف، الهدف تلو الآخر.
ويا لمحاسن “الطُرَف”، لم يكتف الفريق الأسود بتبديل مكانه، بل بدل قناعاته أيضاً، فأصبح، وهو الذي يرفض “التأزيم”، سيد التأزيم.
كل الحكاية، أن الفريق الأسود عندما كان هو المسيطر، نشر السواد والفساد، فجاء الفريق الأبيض الآن، لا ليمحو السواد فحسب، بل ليحاسب من “سوّد” وجه الوطن.

احمد الصراف

المتاجرة بالثأر

نشر السيد رشيد الخيون مقالا في جريدة «الاتحاد»، ذكر فيه أن ليس هناك حدث دخل الوجدان «الشيعي» مثل مقتل الحسين عام 61 هـ. في المقابل، ليس من حدث وظف، على مدى العصور، في السياسة والحزبية والتجارة بحجم توظيف هذه القضية، وان مع العاطفة النبيلة تجاه عاشوراء، الذي امتد إلى عشرة أيام، في فترات لاحقة، وصار شعاراً لغايات دول وسلاطين، لا لقتيل كربلاء. وهنا نسأل: كيف جُعل ما يؤدى في عاشوراء، م.ن كل.ّ عام، على أنه شعائر الله، وهذا ليس في القول الشائع الذائع على لسان الناس فحسب، وإنما يُثقف به في كتب وتعاليم، م.ن هذا عنوان كتاب لآية الله محمد مهدي الآصفي «الشَّعائر والش.ّعارات الحُسينية» (النَّجف 2009)، الذي يُلازم فيه بين الشعيرة والشعار، ويرفع الأخير ثأراً مفتوحاً؟ واستطرد الكاتب في القول: الآصفي سعى في كتابه المذكور إلى تكريس ثقافة الثأر، ولم يجعل لقتل الإمام الشهيد تاريخاً محدداً ولا مسؤولية رجال بعينهم، إنما أطلق الحدث إلى مدى الدهر. كله، والأجيال المتعاقبة قاطبةً، وعليها أن تمثل دور القاتل والمقتول، ليس بما يسمى السبايا أو التشبيه في العاشر م.ن محرم، إنما على الحقيقة لا المجاز، حتى ظهور المهدي المنتظر. فمن السنة 61 هـ، ومروراً بلحظة الغياب سنة 326 هـ، وحتى زمننا وما بعده يجب ألا تخلو الدنيا من تقابل الحسين وقاتله إلى أبد الآبدين! مع علمنا أن مؤلف الكتاب ليس بالمعمم الثانوي، إنما يعد من الجيل الثاني في حزب طلب إقامة نظام إسلامي، في ظله ينام المواطن ملء جفونه، والآصفي يقدم على أنه آية الله، بمعنى أنه بلغ درجة الاجتهاد، وأن له مقلدين، وهكذا، باسم الحسين، يخلد الثأر فاعلاً في الصدور ضاخاً الكراهية في الرؤوس ضد المختلف، من له رأي مخالف تجاه مذهب أو دين يصنف عدواً للحسين. كما يرى المشاركون في المواكب، وبدافع حماسة العاطفة الجمعية، أن كل من لا يلبس السواد ولا يلطم صدره ويفلق هامته أنه مطلوب بدم الحسين، وعلى مدى الأزمان والأحقاب، كم يصير للحسين أعداء في هذه الدنيا. وأضاف أن الآصفي قال في ديمومة الثأر: «إن هذا الص.ّراع يمتد من جيل إلى جيل، ومن أرض إلى أرض، وما أصدق الكلمة المعروفة: كل أرضٍ كربلاء وكل يوم عاشوراء» (ص 14). لا أدري متى يرى الآصفي الشروع بالعُمران، وهو رجل كان حزبياً وغض الطَّرف عن فكرة الانتظار ليُقيم دولة إسلامية، وعاش في ظل دولة كان يُجاهد لتحقيق مثلها بالعراق، فهل انتهى فيها هذا الصراع الأبدي، وقُرت العدالة المثالية؟! وهل المنتظر أو الموعود مهمته الثأر؟! فما هذا التزييف للعقل، وتشويه لشخصية كبيرة، غير أنه دور يُنفذ باسمه، والمستفيد هو، المبشر بهذه الثقافة. فدعوا الناس يبكونه لأنهم يحبونه، لا يحملهم على الثأر مثلما تحملهم عليه باسمه هذه الكائنات الحزبية. وانهى الخيون مقالته بالقول: اتقوا الله في الحسين أولا، وفي الشيعة ثانياً، مما تثقفون به من خلود عاطفة الثأر، واشغال العراقيين، والشيعة، عن البناء وفضح المفسدين. وأن مصلحة الحسين تكون بتفوق أتباعه علميا، لا بتركهم مقاعد الدراسة طوال محرم وصفر وفي مناسبات ولادات ووفيات بقية الأئمة.

أحمد الصراف