محمد الوشيحي

اللحية الطويلة تفل القصيرة

علماء النفس “يطلع منهم”، إذ يقدمون أحياناً أفكاراً ونظريات تربوية يمكن اسقاطها على الأوضاع السياسية أو الاقتصادية، أو حتى على رأس الجالس إلى جوارك. من أفكارهم في علوم تربية الأطفال: “إذا رغب ابنك في شيء ضار، وفشلت محاولات ثنيه عنه، فأغرقه فيه ليكتشف حقيقته ويعافه”.
ولو استمع عشاق الدولة المدنية في مصر إلى نصيحتي، لقلت لهم: “أنتم الفئة الأقل، والسيطرة اليوم للإخوان المسلمين يليهم السلف، فبدلاً من أن تعادوا الفئتين فتخسروا، لماذا لا توجهون أصواتكم إلى السلف كي يتغلبوا على الإخوان، فيستحوذوا على البرلمان والحكومة، ويضعوا أيديهم على كرسي الرئاسة، كغنائم انتخابات”. وإن قلتم لي ليش وما الحكمة؟ سأقول: “لأنه لا يفل الحديد إلا الحديد، ولا يفل اللحية القصيرة إلا اللحية الطويلة، ولا يفل الإخوان إلا السلف”. وأجزم أن ربع الشعب المصري أو نصفه، بعد سيطرة السلف على الهواء والماء، سيهاجر ويهرب هروب من احترق بيته، دون أن يلتفت إلى الخلف، وسيبحث عن أبعد رقعة في الأرض ينيخ فيها ركابه، بحثاً عن الأكسجين المفقود في مصر، تماماً كما فعل العراقيون المدنيون بعد سيطرة المالكي وحزبه وحَمَلة فكره على مقاليد البيت العراقي، وبعد أن أصبح المعارض العراقي للمالكي، فجأة، معادياً لآل البيت، وكارهاً للحسين بن علي رضي الله عنهما.
خذوها مني، لا تقاوموا السلف ولا الإخوان المسلمين، كي لا تظهروا بمظهر أعداء الدين، الكارهين للخلفاء الراشدين، فقط انصروا أحدهما على الآخر، تحديداً انصروا السلف على الإخوان، وسيتكفل السلفيون بمصاريف الرحلة، وستصلّون معهم صلاة لا ركوع فيها ولا سجود (صلاة الميت) على آخر مواطن ينتمي إلى الإخوان (بالطبع لا أقصد الموت الجسدي، بل التنظيمي والفكري) إذ سيظهر الإخوان بمظهر العاصين لله المشكوك في منهجهم، والفرقة الضالة المضلة، وسيفوزون بكم دعوة في الأسحار “تشل يمينهم” و”تسكّن ما تحرك منهم وتُحرك ما سكن” و”يشتت الله شملهم ويذل عزيزهم ويعز غريمهم” ووو…
وتدور الأيام فيأتي يوم يخرج فيه تلاميذ المدارس في رحلاتهم المدرسية لتشرح لهم معلمة التاريخ: “هنا كان يجتمع الإخوان المسلمون، وهي جماعة انقرضت، حظرها حسني مبارك، ثم أبادها السلف! هذه آثارهم، وهذه رسوماتهم على الجدران، وهذه أوانيهم التي كانوا يتناولون فيها طعامهم، وهذه وهذه وهذه”.
بعد ذا، ستخلو الساحة للسلف، فيمنعون، أول ما يمنعون، التلفزيونات، وتمتلئ السجون بالفاسقين من مشاهدي التلفزيونات، وتمتلئ ساحات الجلد بالعاصين حالقي لحاهم، وتمتلئ المقاصل بالكفرة هواة الأغاني، ووو، إلى أن “تصفو” سماء مصر من كل “شائبة”، فلا يجد السلفيون من يُقصونه ولا من يجلدونه ولا من يكفرونه، فيلتفت بعضهم إلى بعض، ويشتم الجار منهم جاره فيكفّره وينفّره، عبر الحائط الفاصل بين بيتيهما، ويبدأ تراشق التكفير عبر البلكونات، فيطل هذا من بلكونته على جاره الجالس هو الآخر في بلكونته يتناول إفطاره مع زوجته وعياله: “اللهم اجعل الشاي الذي في يده يتحول إلى قطران مبين، اللهم واجعل التوستاية التي أمامه تتحول إلى حية تسعى فتلتهمه وأولاده وقبلهم زوجته حمالة الحطب، اللهم اجعل واجعل واجعل”، فيرد عليه الثاني بمثل دعائه “وتمنياته” أو بأحسن منها.
وهكذا حتى لا يبقى في بر مصر “عودٌ أخضر”، فيغضب المصريون غضبة لا قبلها ولا بعدها، فيتحولون إلى سيل جارف، ويعتمدون دستور الدولة المدنية العاقلة التي توفر السجادة للمصلي والمصلية، والمسرح للفنان والفنانة.
صدقوني، أنصار الدولة المدنية، لا أمل لكم في هزيمتهم، لذا، احرصوا على توفير المايكروفونات للسلف، وتحملوا تكلفة الكراسي في ندواتهم، وهيئوا لهم ساحات “القصاص”، وانتظروا إلى أن تحين ساعة الصفر، أو النصر.

احمد الصراف

خذوا النفط واعطونا الكتاب

كتب توماس فريدمان في «النيويورك تايمز» (3/10)، أنه عندما يسأل عن أفضل بلد لديه، عدا وطنه، فإنه يجيب: تايوان! فتايوان بلد خال من أي موارد طبيعية وأرضه صخرية ويقع في بحر تتلاطمه العواصف من كل جهة، وبحاجة لاستيراد كل شيء حتى الرمل والبحص، ومع هذا يمتلك رابع أفضل احتياطي مالي في العالم، لأنه اختار الحفر في عقول أبنائه بحثاً عن الإبداع بدلاً من الحفر في الأرض بحثاً عن المعادن، فالبشر هم طاقته الوحيدة غير الناضبة والقابلة للتجديد. ويقول إنه وجد إجابة لتفوق تايوان في دراسة لمنظمة OECD الإقليمية عن علاقة مخرجات التعليم في 65 دولة في مرحلة الثانوية، مقارنة بما تحققه كل منها من دخل من مصادرها الطبيعية، وأن هناك علاقة سلبية بين الثراء المتحقق من الموارد الطبيعية، كالنفط، وبين مخرجات التعليم وما يحصل عليه الطلبة من معرفة ومهارات، وأن الظاهرة عالمية. وبيّنت الدراسة أن طلبة سنغافورة وفنلندا وكوريا وهونغ كونغ واليابان حققوا أفضل النتائج بالرغم من خلو دولهم من الموارد الطبيعية، بينما حقق طلبة ثانويات قطر وكازاخستان والسعودية والكويت وسوريا والجزائر والبحرين وإيران أسوأ النتائج، وحقق طلبة لبنان والأردن وتركيا، الأقل في مواردهم الطبيعية، نتائج أفضل. وأن طلبة دول مثل البرازيل والمكسيك والأرجنتين، الغنية بالموارد الطبيعية، حققوا نتائج متواضعة في الوقت الذي حقق فيه طلبة كندا وأستراليا والنرويج، الذين تتمتع دولهم بغنى الموارد نفسه، نتائج جيدة، لأن هذه الدول حافظت على ثرواتها بطريقة سليمة، وأعادت إحياءها، واستغلت العوائد بطرق سليمة، وابتعدت عن استهلاك ما حققته من ثروات في الرواتب والمنح، كما يفعل البعض بجنون واضح. ويقول فريدمان إنه يمكن قياس تقدم دولة ما في القرن الـ 21 من خلال ما تنفقه على «خلق» المدرس الناجح، وتربية الأبناء وزرع الجدية فيهم والاهتمام بمقرراتهم، وليس بما تمتلكه من ذهب وألماس ونفط، فمستوى مخرجات التعليم هو الذي سيحدد قوة أمم المستقبل وثراءها وليس الدخل من الموارد الطبيعية، ولو نظرنا إلى جنسية غالبية الشركات المدرجة في سوق ناسداك، بخلاف الاقتصادات الكبرى، لوجدنا أن جميعها فقيرة في مواردها الطبيعية، فالمعرفة والمهارات هما عملة المستقبل. (وأعتقد أن سبب تميز اقتصاد دبي وشعب البحرين عن بقية «المشايخ والممالك» يعود لفقرهما النفطي)! ويختم فريدمان مقاله بأن من المفيد أن يكون لدى دولة ما نفط وغاز وألماس، ولكنها تصبح بلا جدوى إن لم تستغل بطريقة سليمة، خصوصاً أن هذه الموارد تضعف أي مجتمع في المدى البعيد، إن لم يتم الاهتمام بالتعليم والإيمان التام بالثقافة، فالذي يحرك الإنسان ليس الذي يأتي إليه طوعاً، بل ما يدفعه ليحضره بنفسه.
وقد ذكّرني مقال فريدمان بمسابقات مزاين الإبل، واختيار أفضل تيس وأجمل نعجة، وهذا ربما لا بأس به كتسلية، ولكننا نصبح دولة بائسة عندما نعطي التيس أهمية أكبر من التعليم! كما ذكّرني المقال بما سبق أن ذكرته في محاضرة للأستاذ إبراهيم البليهي من أننا، كخليجيين، لا يمكن أن تقوم لنا قائمة والنفط موجود، وأن الحاجة هي التي ستجعلنا ننهض! ولكني اكتشفت أخيراً أننا في خضم شراهتنا للصرف، وإهمالنا التعليم، وجمعية معلمينا خير مثال، فإن النفط سينضب بأسرع ما كنت أتصور، وبالتالي لا حاجة لحرق آباره! وتساؤلي قبل الأخير هو: لماذا يهتم البعض كل هذا الاهتمام بتوفير أفضل التعليم لأبنائه، ولو على حساب راحته، وتفشل الحكومة في توفير الأمر ذاته لأبنائها، على الرغم من أن مواردها وقدراتها أعظم بكثير؟ وأخيراً: ألم يحن الوقت لنصحو من «سكرة البترول»؟

أحمد الصراف