سامي النصف

الأعراف الديموقراطية والكرة الجهنمية

  يردد كثيرون أن أقدم وأعرق ديموقراطية في العالم، ونعني الديموقراطية البريطانية، هي عبارة عن دستور وأعراف غير مكتوبة ومن ثم يستطيع من يريد من النواب ان يفعل ما يشاء دون حسيب او رقيب، ما لا يعلمه «السميعة» ان أعراف الديموقراطية البريطانية لها صفة الإلزام وهي ليست كلمات تقال بل يقوم صلبها وعملها على أسس ومبادئ راسخة أهمها نظام «السابقة» كحال نظامهم العدلي اي ان حدوث أمر ما في الماضي وقبوله يجعله عرفا ملزما في المستقبل.

***

لتلك الأسباب وحفاظا على رونق وصحة ممارستنا الديموقراطية المستقبلية السليمة، اعترضنا على كثير من الأمور التي حدثت إبان الحكومة السابقة والتي حدثت بحجة الرغبة في إسقاطها، والإسقاط للعلم قد يسره وسهله الدستور ورسم خارطة الطريق الصحيحة للوصول إليه عبر المواد ذات الصلة وهو أمر قد تحقق بتحول موقف كتلة العمل الوطني للمعارضة ولم يكن هناك داع على الإطلاق لخلق ممارسات وأعراف برلمانية خاطئة مثل رفض قرارات الأغلبية (المتغيرة) وتفاسير المحكمة الدستورية واللجوء للشارع ومخالفة القوانين والتحريض على السلطة والتعدي على رجال الأمن.. إلخ، وقلنا في حينها وفي أكثر من مقال انها ستدمر الحياة السياسية الكويتية المستقبلية كونها ستصبح ممارسة مقبولة تجعل البلد يعيش على صفيح ساخن حتى.. قيام الساعة.

***

ومنذ الأيام الأولى لعمل الحكومة الحالية، بدأت الممارسات السابقة الخاطئة تؤتي ثمرها، وذلك عن طريق تكرارها عملا بمبدأ «ليش حلال عليكم وحرام علينا»، وبالطبع من يدفع الثمن هو الكويت ومستقبل شعبها، حيث ننشغل بتلك الأزمات السياسية المتلاحقة عن رؤية التطور المذهل القائم لدى الجيران ممن تتغير معالم بلدانهم إلى الأفضل مع كل يوم يمر.

***

ومن غرائب الممارسات السياسية الخاطئة جدا او الكرة الجهنمية المستمرة في تدمير ماضي وحاضر ومستقبل الكويت القول بأن الاستجواب هو حق دستوري «مطلق» للنائب مهما أساء استخدامه او تكسب ماليا وانتخابيا منه على مبدأ «الاستجواب لأجل إعادة الانتخاب وزيادة أصفار الحساب»، او وجهه للمسؤول الخطأ أو حتى دمر البلد وأوقف حاله لأجله، بينما الذهاب للمحكمة الدستورية او اللجنة التشريعية او طلب سرية الجلسات او تأجيل الاستجواب، وهي جميعا حقوق دستورية مطلقة للحكومة، امور «محرمة» عليها والغريب العجيب ان الداعي للأمرين المتناقضين.. توجه واحد!

***

آخر محطة:

(1) كتب الجار المختص د.محمد مقاطع وأيده في المقال الصديق خليفة الخرافي حول عدم دستورية حل مجلس الأمة السابق وهو أمر يستحق التوقف عنده، وقد سبق للمحكمة الدستورية المصرية وفي أكثر من مرة ان أصدرت أحكاما نافذة بحل المجالس التشريعية وإعادة الانتخابات العامة فيها.

(2) وكتب الزميل مصطفى الموسوي مقالا قبل الأمس انتقد فيه قرار كتلة العمل الوطني بدعم قرار حل المجلس التشريعي السابق وهو أمر محق، وقد كتبنا في حينه ان فساد بعض النواب في الكونغرس الأميركي او اي مجلس تشريعي آخر لا يدعو لحله (ما ذنب النواب الآخرين؟!) بل لمحاسبة النواب المخطئين من قبل لجان القيم وتحويلهم للجهات القضائية المختصة، كما ذكرت في حينه ان المزاج العام المؤجج لا يسير مع توجه كتلة العمل الوطني الهادئ ومن ثم فإن عودتهم قضية غير مؤكدة، وقد زاد الطين بلة عدم تكاتف ودعم نواب تلك الكتلة لبعضهم البعض في الدوائر المختلفة إبان الانتخابات كحال نواب الكتل الأخرى وعدم تشاورهم مع أحد أو لعبهم لعبة التحالفات بطريقة صحيحة.. قديما قيل: «النصيحة بجمل»!

(3) كتبت د.ابتهال الخطيب ناقدة تصويت 6 آلاف لصالح صالح الملا وألفين للمرشح محمد بوشهري في الدائرة الثالثة، وأعتقد ان نقدها جانبه الصواب ويمهد لنكسة أخرى للتيار الليبرالي والوطني والتقدمي، فحتى في أميركا تنجح الدوائر ذات الأغلبية السوداء المرشحين السود والبيضاء البيض واللاتينية المرشحين اللاتينيين، ولو رشح الملا وبوشهري في الدائرة الأولى لكانت الأرقام على الأرجح معكوسة ونتيجة السقوط واحدة، فالأقل حيازة للأصوات لا ينجح ولا ينجح الآخر معه.

احمد الصراف

ثوراتنا والمشاعر المختلطة

قيل في تفسير «المشاعر المختلطة» إنها تشبه شراء رجل سيارة جديدة، وطلبت «حماته» تجربتها، وبعد دقائق تتصل الشرطة لتعلمه بوقوع حادث لحماته في سيارته، وهنا تنتابه مشاعر مختلطة، فهو من جهة يتمنى الشر لحماته، ولكنه يتمنى في الوقت نفسه ألا تصاب مركبته بخدش!
***
تساءل الزميل خليل علي حيدر في مقال له عن قدرة «الضمير الشيعي» على تحمل ما يحصل في سوريا من مذابح، وسكوته عن محاصرة المدن وضرب بيوت الناس بالدبابات والصواريخ، وقتل سكانها من دون تمييز، وهو هنا يشير لأقوال وتصريحات عدد من النواب في مجلس الأمة، وهو تساؤل مشروع يقابله تساؤل مشروع آخر يتعلق بسكوت «الضمير السني»، أو بالذات المتشدد دينيا، عما يحدث في البحرين، حيث لاتزال الأغلبية فيها تعاني الأمرين من نظام حكم يشكو من الفساد والانحياز، وسوء معاملة مواطنيه! وبالرغم من منطقية التساؤلين، فإن من الصعب ألا تنتاب الإنسان المحايد، الذي يحاول أن يكون أكثر إنصافا، مشاعر مختلطة. فمن جهة لا يقبل عاقل بقاء حكم دكتاتوري فاسد لأكثر من اربعين عاما في السلطة من دون تغيير، ولكن من جانب آخر لا يمكن قبول استبدال حكم دكتاتوري حزبي بآخر دكتاتوري ديني، قد يكون اكثر تسلطا واصعب إزالة مستقبلا! فصناديق الانتخاب في مصر مثلا هي التي أوصلت كل هذه النسبة الكبيرة من الأميين سياسيا وإنسانيا الى قاعة البرلمان، ويمكن أن تعيدهم للقاعة نفسها، المرة تلو الأخرى، قبل ان يكتشف المواطن المصري «الغلبان» مدى ما اقترفه من خطيئة في حق وطنه!
ولو نظرنا الى البحرين، فإننا نجد أن المتشددين لدينا ولدى أكثرية الدول العربية، ومعهم قطاع كبير آخر، على علم تام بما تعانيه الأغلبية فيها، وهم ربما يشعرون بضرورة الوقوف معهم، لكنهم يخشون من أن يعود عليهم موقفهم هذا بالوباء مستقبلا! فالجانب المستفيد من اي تنازل لن يتوقف عن المطالبة بالمزيد، وهنا مكمن خوف الجانب الآخر الذي يعتقد بأن من الأفضل له رفض اي مطالب، وعدم الرضوخ لها منذ البداية، لكي لا تكر السبحة!
وحيث ان أحداث سوريا أكثر مأساوية ووصلت الأوضاع فيها لما يشبه الكارثة، فإن تمني أي أمر سيكون خارج المنطق، ولن يجد أذنا صاغية حتما، وبالتالي نتجه صوب البحرين، ونضم صوتنا لأصوات آلاف الأحرار، ونطالب السلطات البحرينية، وعلى رأسها ملك البحرين، بإطلاق سراح المعتقلين في سجون المملكة، ومنهم المناضل وداعية حقوق الإنسان عبدالله الخواجة الذي يقضي عقوبة سجن غير محددة.

أحمد الصراف