محمد الوشيحي

عليكم بتواير الوزراء

لمسات بسيطة كانت تنقص متابعي استجواب النائب عاشور لسمو رئيس مجلس الوزراء… بيانو وشمعتان ومنظر عاشقين متعانقين يقسم أحدهما للآخر: “معك إلى آخر محطات العمر”. ولا أظن أن عاشقاً يبحث عن الهدوء سيجد مكاناً أفضل من الكويت في فترة ما قبل وأثناء استجواب رئيس الوزراء الحالي، في حين لم يكن ينقص استجوابات رئيس الوزراء السابق إلا صافرات الإنذار، ونزول الناس للملاجئ، وإعلان الكويت “دولة منكوبة”، لشدة الصراخ والعويل والنحيب والولولة التي قامت بها وسائل الإعلام “التابعة”. مشكلة الأقلية الحالية أنها تريد أن تفعل كما فعلت المعارضة في البرلمان السابق، عندما أقلقت الحكومة السابقة وطردت النوم من عينيها. وإذا كانت غضبة المعارضة السابقة مغلفة برعد مزمجر مرعب وبرق لامع يخطف العيون وعواصف عاتية وأمطار غزيرة تغرق الطرقات وتسيل منها الوديان، فإن غضبة الأقلية الحالية جاءت على شكل ثلاث قطرات من المطر، لا رعد فيها ولا برق، لم توقظ حتى عنزة من قيلولتها. وإذا كان استجواب عاشور لرئيس الحكومة كقطرات مطر ثلاث، فإن استجواب النائب القلاف لوزير الإعلام سيكون بحجم قطرة واحدة، تك وبس. وبالطبع لن يخلو استجواب وزير الإعلام من الأداء المسرحي وتعبيرات الوجه ومط العيون والشفاه. فيا أصدقائي نواب الأقلية المنكوبة، تذكروا قول المثل: “ما كل من هاز الجبل يرقاه”، وترجمته ما كل من أقدم على صعود الجبل استطاع ذلك. وصدقوني، للاستجوابات رجالها وشروطها وفنها، وليس عيباً أن تفشلوا في أمر ما، بل العيب أن تستمروا في الفشل. دونكم أنا، فقد أردت أن أصبح لاعب كرة قدم، ولم يبق نادٍ رياضي لم أسجل قيدي فيه، لكن أحداً من المدربين لم يهده الله فيوافق على ضمي للفريق، لأنني، بحسب ادعائهم، لا أفرق بين حلبة الملاكمة وملعب الكرة، ثم إن قوانين الكرة تسمح بأن يمرر اللاعب الكرة بين رجلي خصمه، لكنها لا تسمح للاعب الذي مرت الكرة بين رجليه أن يبطح خصمه على الأرض ويجثم على رقبته وصدره، لذا كان قرار الطرد من النادي يأتي كلمح البصر، وكنت أنتقم من المدربين عبر عجلات سياراتهم وسيارات الإداريين فأفرغها من الهواء، وأحياناً أخطئ فأغزو عجلات سيارات أولياء أمور الناشئين. ولا يشعر بسعادتي، وأنا مختبئ أراقب المدرب وهو واقف إلى جانب سيارته يضع كفيه على وسطه أو على رأسه، إلا مجرب. لهذا، أقترح على كتلة الأقلية أن توفر الوقت على نفسها وعلى البلد، فتترك الاستجوابات، وتتجه إلى عجلات سيارات الوزراء. وبدلاً من أن تلتقط الصحافة صوراً للنائب المستجوب مع أمين عام البرلمان، ستلتقط صوراً للنائب المستجوب مع عجلة سيارة الوزير المراد استجوابه. فكروا في الأمر وستجدون أن إفراغ عجلات سيارات الوزراء من الهواء أشد عليهم من استجواباتكم لهم.

حسن العيسى

بين حزب البيجاما الكويتي وريادة الغنوشي

يجاهد متزمتو الدولة الدينية في مجلس النواب الكويتي لتفصيل الدستور على شكل “بيجاما” نوم قصيرة (تتناسب مع ثقافتهم) يرتدونها في المساء، وفي النهار ينزعونها حسب متطلبات العمل السياسي ولكسب اللاوعي الجماهيري. فمرة يطالبون بتعديل المادة الثانية من الدستور لتصبح الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع، بما يعني احتمال تفجير كل القوانين السائدة في الدولة حين يرى فقهاء اللاعقلانية أن القوانين السائدة كافرة. ومرة أخرى يتقدم أمراء حضارة الربيع العربي في دول البترودولار باقتراح يسوقونه على أنه “وسطي” يتمثل في تعديل المادة ٧٩ من الدستور، بحيث لا يجوز تقديم أي قانون يخالف الشريعة، وكأن الشريعة مجرد نصوص جامدة وتفسير فقهي واحد هم وحدهم دون غيرهم أحباره يفسرونه ويؤولونه كما يملي عليهم العقل المنغلق عن الثقافات والفلسفة الإنسانية. وفي كلتا الحالتين لا فرق في النهاية بين المطلبين حين ينتهيان إلى وأد “بقايا” الدستور، وما تبقى لدينا من ذكرى عابرة عن الدولة المدنية عشنا قليلاً تحت ظلالها أيام الستينيات.  يحدث هذا في الكويت التي تحيا في بحبوحة خيرات أسعار النفط ودعوات الصالحين، ونطالع في تونس المحرومة من بركة الزيت الأسود خبراً عن قرار حزب النهضة الإسلامي يرفض فيه فرض الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع، ويكتفي بمادة في دستور ٥٩ تقرر أن دين الدولة هو الإسلام وأن العربية لغتها الرسمية. من يفسر هذا بأن حزب النهضة الإسلامي يحكم بائتلاف سياسي مع أحزاب أخرى علمانية هو الذي فرض مثل هذا الطرح الذكي من النهضة يعد تفسيره ناقصاً، فحزب النهضة لم ينزل وعيه التقدمي من السماء، ففي تونس فرض نظام بورقيبة منذ استقلال الدولة في أربعينيات القرن الماضي نظاماً شبه علماني في التدريس وفي القوانين وفي الثقافة التونسية بوجه عام، ورغم استبداد النظام البورقيبي فإنه وضع أرضاً صلبة للدولة المدنية للمستقبل، ورغم معاناة قادة حزب النهضة مع النظام “البورقيبي” وخلفه زين العابدين، فإن الثقافة التونسية المنفتحة فرضت نفسها على رؤية حزب النهضة لواقع الدولة، وفي هذا لا يوجد اختلاف كبير بين تاريخ تونس أيام بورقيبة وكمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة. مثل هذا التاريخ شبه المشترك في تركيا الكمالية وتونس البورقيبية لم يحدث في أي من الدول العربية القومية بشكليها الناصري أو البعثي، فرغم عداء تلك الدول القومية العروبية للتيارات الدينية واضطهادها لها، فإنها تناست الواقع الاجتماعي، ولم تحاول أن تنهض بالتفكير العلمي في دولها، وآثرت تلك الدول القومية العروبية الوسطية الانتهازية أن تبقي الباب مفتوحاً لخلط الدين بالسياسة، وجاء السادات في مصر والنميري في السودان ليحركا وفق مصالحهما الاستبدادية الحركات الدينية السياسية، وضرب القوى القومية الناصرية، وبقية الحكاية نعرفها حين انقلب السحر على الساحر في مصر، وهو السحر ذاته الذي قلب بن لادن المناضل ضد “الكفار” السوفيات في أفغانستان ليرفع السيف في ما بعد على حليف الأمس الساحر الأميركي. الأنظمة العربية الفاقدة للشرعية الديمقراطية اليوم التي تريد مسايرة “ربيعها” المغبر حتى تتجنب “شروره”، ضيعت بوصلتها، بسبب جهلها المركب في معنى التقدم والتغيير، فالعلة ليست علة حكم مستبد فقط، وإنما هي “علل” شعوب مغيبة الوعي التاريخي والعلمي لعقود ممتدة، والثورات الحقيقية التي تغير مستقبل شعوبها ليست “تغييراً” في شكل النظام الحاكم، وإنما في وعي الناس أي الجمهور، وتخليصه من هيمنة الأسطورة والخرافة في ثقافته، وفصل الدين كمنظومة أخلاقية إنسانية تخص الإنسان وفرديته والسياسة كتطلع للحكم. وهذا لن يحدث في “الربيع” العربي في الغد القريب، ويبقى على القوى التقدمية أن تتطلع للتجربة التونسية الفريدة كمدرسة يمكن أن يتعلموا منها الكثير لتأسيس الدولة المدنية، أما حال جماعة البيجاما الدستورية في الكويت، فلا جدوى منهم، فقضيتنا معهم خاسرة، والرهان على حماية سلطة الشيوخ لما تبقى من حرياتنا الفردية، هو رهان خاسر مقدماً، وليس على التقدميين كقلة يتقلصون يوماً بعد يوم في أمواج الدينيين غير الاعتماد على الذات، وقبل كل شيء عليهم فتح نوافذ الحوار مع الجماعات الدينية المعتدلة والمنفتحة على الآخر من طراز مدرسة الغنوشي والسائرين على دربه، فبهم يوجد بعض الأمل للتغيير.

احمد الصراف

رويترز والبنا

أجرت وكالة رويترز لقاء مع جمال البنا، شقيق مؤسس تنظيم الإخوان المسلمين، وهو مفكر «إسلامي» كبير وله أكثر من مائة مؤلف وعشرات المقابلات التلفزيونية والمقالات المستنيرة، قال فيه ان من الأفضل لمصر حاليا أن يقودها رئيس «علماني»، وإن الخلط بين السياسة والدين مآله الفشل، مؤكدا أن شقيقه لم يكن ليقر خطط «الإخوان» في الحكم الآن، وأن هناك فرقا كبيرا جدا بين وضعهم فى الأربعينات والآن، وأن طموحات حسن لم تكن سياسية، بل جعل الإسلام منهج حياة! وحول المخاوف من صعود «الإخوان» والسلفيين، قال ان هناك تخوفات حقيقية لأن الرؤوس التي ترأس «الإخوان» والسلف ليس لديها أفكار من يحيا حياة العصر، أو يفهم كيف تنهض الدول فيه! وقال إن جماعة «الإخوان» صارت أكثر تشددا بمرور السنين في شأن حقوق المرأة بسبب انتشار الفكر الوهابي المتشدد، مضيفا أن السعودية حولت النساء إلى «شبح أسود»، وهنا يشير للنقاب والقفازات السوداء التي ترتديها النساء في المملكة، وأن الحجاب ليس من الإسلام وإنه تراث خليجي (!!). وقال انه يرفض خلط الدين بالسياسة، ويخالف في ذلك «الإخوان» الذين يرفعون شعار «الإسلام هو الحل». ويضيف «أي دولة تقوم على الدين لا بد أن تفشل، وتجربة ذلك موجودة في الإسلام والمسيحية». واوضح ان هؤلاء حققوا النجاح الانتخابي بدعم من شعور السخط الذي عانوه لعشرات السنين بسبب الاستبداد وليس بسبب تأييد شعبي لبرنامجهم، كثيرون من الذين انتخبوهم كانوا يقولون: «جربنا الاشتراكية والناصرية والقومية العربية، فلماذا لا نجرب الإخوان؟».
ويعتقد البنا أن من مصلحة مصر أن يحكمها رئيس ليبرالي، قائلا إن المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي كان الأنسب لرئاسة البلاد لكنه أعلن انسحابه من السباق!
هذه ليست شهادة رجل عادي، وشاب غر، بل هي شهادة مفكر كبير جاوز التسعين، ولا يزال متوقد الذهن عالما بما يقول، فمتى يأتي وقت الانصات لصوت العقل، وتغليب المنطق على العاطفة؟

أحمد الصراف