محمد الوشيحي

خذوها مني… عينٌ وربع

أثناء الحرب الدامية في أميركا بين الهنود الحمر – سكان أميركا الأصليين – والغزاة البيض، قال مستشار الحرب لجيش الغزاة جملة حملها القادة العسكريون على محمل من الجدية يليق بها: “مصيبتنا ليست في هذه الجموع، مصيبتنا في تلك المجموعة الصغيرة”. كان يتحدث عن المجموعة الصغيرة التي تحيط بقائد قوات الهنود الحمر “الثور الجالس”، وهي مجموعة مشكّلة من عدد من الانتحاريين، الذين تطوعوا للالتفاف من خلف جيش الغزاة ومهاجمة مراكز القيادة، بهدف إشغالها عن إدارة المعركة، بعد أن يقسم الواحد من الانتحاريين هؤلاء أمام زملائه على ألا يعود إليهم مرة أخرى. وكان لا يعود.
قال مستشار الحرب في جيش الغزاة جملته تلك، وأردف: “يجب أن نتعامل معها قبل أن تتعامل معنا”. وبالفعل تم ذلك، وكانت خطته واحدة من أهم أسباب هزيمة الهنود الحمر.
ولو كنت أنا مكان السلطة أو الحكومة ما كنت انشغلت بالبرلمان وتفاصيله و”جموعه” وتجاهلت “الحراك الشبابي الصامت”، الواقف هناك، والذي يسعى إلى “بتر” المعادلة السياسية الحالية و”زراعة” معادلة سياسية أخرى تحل محلها، شبيهة بالمعادلات السياسية الأوروبية، بهدف تحويل الكويت إلى “إمارة دستورية”، يرأس حكومتها مواطن من خارج الأسرة الحاكمة، مع بقاء الحكم، بالطبع، محصوراً في الأسرة الحاكمة، في ذرية مبارك الصباح (مبارك الكبير) تحديداً كما نص الدستور.
أقول، لو كنت مستشاراً للسلطة لنصحت بأن يتم تخصيص أقل من عين واحدة لمراقبة البرلمان وخطواته؛ ثلاثة أرباع عين واحدة تكفي وتزيد. أمّا العين والربع، أو بقية النظر، فتركز على “تلك المجموعة الصغيرة من الشبان” التي تركت الصدام يدور، والتفّت من خلف الصفوف لفرض سيطرة الشعب على القرار السياسي.
لن أطلب، لو كنت مستشاراً للسلطة، قمع هؤلاء الشبان أبداً، ولا إخراس ألسنتهم وقطع الهواء عنهم، بل الجلوس معهم للتفاوض وتخفيض سقف مطالبهم، باستخدام المناورات السياسية والخطط الاستراتيجية، وأولها عدم المكابرة.
وها هي “ذقني” أمامكم، معشر القراء، وأعلن استعدادي لمسحها من الخريطة، بعد أن أمسح “شنبي” وحاجبيّ الكريمين، إذا لم يكن الانتصار حليفاً للشبان، عاجلاً أم آجلاً. أقول هذا والأدلة تتزاحم أمام عيني… منها، وهذا الأهم، إيمان الشبان التام بقضيتهم، وإخلاصهم لها، وعزيمتهم التي تخجل عزيمة البحارة، وصبرهم الذي يمكّنهم من التصدق بكميات منه للفلاحين دون أن ينقص أو يتأثر، ودهاؤهم القتالي، وخبرتهم التي اكتسبوها من الحروب السياسية السابقة مع السلطة، ومن خلفهم التأييد الشعبي الذي يتكاثر يوماً بعد يوم لمسعاهم، إضافة إلى نشرات الأخبار التي تنقل ما يدور في العالم من سيطرة الشعوب على مقاليد الأمور، فتبث فهم روح الحماسة… في مقابل سلطة تعاقدت مع “الوقت” على حمايتها، واعتبرته من القوات الصديقة! وأحاطت نفسها بمستشارين، يدّعون أنهم “أحفاد روميل” في الدهاء، في حين لا يستطيعون تسويق “علكة”، مجرد علكة، للشعب، فما بالك بالرؤى السياسية، ولا يجيدون إلا الغمز بالعين اليسرى.
وكنت سابقاً قد أعلنت “انتصار الأقلية المعارضة” عندما كانت في لحظات ضعفها، استناداً إلى إيمانها بقضيتها، وإخلاصها لها، في مقابل “أغلبية” تعرف قوافل الشام واليمن ما الذي يجمعها ويفرقها.
راقبوا معي ما الذي سيفعله الشبان، تحت غطاء ضوضاء البرلمان، وسترون بأنفسكم النتائج قريباً. لم أقل جداً.

حسن العيسى

وين رايحين؟

كانت أمس الأول جلسة خيبة للبرلمان، وبالتأكيد ستلحقها من دون حساب جلسات خيبات أكثر وأكثر، مادام تمترس هذا المجلس بالنهج الطائفي والتخندق في بؤر تصفية حسابات قديمة ورد ديون مستحقة من المجلس الماضي، أي المجلس التابع لحكومة الشيخ ناصر المحمد. يفترض أن هناك فكراً قانونياً كحد أدنى يقدم المشورة لأعضاء المجلس، هذا بالإضافة إلى الأعضاء الحاليين من رجال القانون، وكان أولى أن يعلم مكتب المجلس أن تغيير صيغة البلاغ المقدم إلى النيابة عن اقتحام أو إتلاف مرفق عام إلى “دخول” ذلك المرفق بمعية وقبول أعضاء في المجلس لن يغير شيئاً من “تكييف الواقعة” التي قدم فيها البلاغ أساساً، فلن يقرأ القاضي الفروقات اللفظية التي أملتها اعتبارات السياسة بين البلاغ الأول لمكتب المجلس القديم المتهم بالتبعية لحكومة الأمس، وبلاغ “الصفح” الثاني، وعفا الله عما سلف، لمجلس الأغلبية الدينية، فهناك الوقائع من شهود وصور فوتوغرافية وهي التي ستملي على القاضي قناعاته في النهاية، أو يفترض ذلك، وعلى ذلك فلا جدوى من تعديل مفردات البلاغ من قبل مكتب المجلس قانوناً، إلا أن للسياسة اعتبارات تبناها المكتب مسايرة لحكم الأغلبية البرلمانية، ولها عذرها في الاعتبار السياسي، فالذين دخلوا أو اقتحموا المجلس ومن شايعهم هم أغلبية أعضاء مجلس اليوم.
وقد يفهم من ذلك أن فيها بعض التجاوز للسلطات، وتدخلاً في أعمال القضاء، فبمجرد تقديم البلاغ، وليس الشكوى، لم تعد الواقعة ملكاً للمبلغ، وإنما تبقى تحت هيمنة السلطة القضائية، لكن للسياسة اعتبارات لا يفهمها حكم القانون. من جهة أخرى، لم يكن هناك داع لمعركة الديكة في الجلسة بين الأغلبية الحاكمة للمجلس والأقلية (التي كانت أغلبية بالأمس) حين وضعت الأخيرة الأعلام السوداء أمامها احتجاجاً على بلاغ الصفح الثاني، فهذا حقهم في التعبير عن رأيهم، في الوقت الذي تضيق فيه يوماً بعد يوم حرية التعبير في الدولة ببركة الفكر الأصولي المهيمن في مجلس النواب ومسايرة الحكومة له، ولا علاقة بين العلم الأسود والموالاة للمذهب الجعفري هنا، فوضع العلم الأسود مجرد عملية رمزية للاحتجاج، ولا أكثر من ذلك، ولن يختلف الأمر لو وضع المعترضون وشاحاً أسود، إلا أن الفهم المذهبي القاصر عند بعض النواب شطح بهم إلى ما لا يمكن أن يقبله العقل أو المنطق، فكان الهمز والغمز في الآخر الذي لم يكن له أي مبرر.
الدولة تنتظر الكثير من نواب اليوم، فالتحديات في المنطقة بين احتمالات حرب إيرانية- أميركية أو ضربة إسرائيلية للمفاعلات الإيرانية، وقبلها الحرب الأهلية المأساوية في سورية وانعكاساتها على الساحة الكويتية كل ذلك أهم وأكبر من أن تضيع سلطة التشريع أولوياتها في تصفية حسابات قديمة، وجر البلد إلى تحزب مذهبي وديني منغلق على ذاته يرفض الآخر. وفي الداخل هناك معارك الكوادر والميزات المادية لمعظم النقابات والتي تقود من إضراب إلى آخر يضرب اقتصاد الدولة في الصميم، ويتعين أن يقرأ المجلس والحكومة معاً هذا الأمر ليتم التوازن بين اعتبارات العدالة والإنصاف، من ناحية، في تقرير المزيد من الكوادر، واعتبارات إرهاق ميزانية الدولة بتلك الكوادر من ناحية اخرى. ليس هذا وقت الجدل والعراك في جنس الملائكة، ولا أحد يريد أن تضيع الدولة وحلم الأجيال في الرخاء والتنمية الحقة حين نغرق في مستنقعات القلق لما يجري اليوم، فارتقوا بخطابكم السياسي، واسألوا أنفسكم: “وين رايحين”؟!

احمد الصراف

من أين نبدأ؟! (2-2)

يتطرق ويتيكر في أحد فصول كتابه القيم للعلاقة «المريضة» بين المواطن والدولة بسبب دكتاتورية وسلطوية غالبية حكومات العرب الذين يتعاملون – غالبا – مع مواطنيهم على أنهم «رعايا»، وما عليهم سوى الطاعة والولاء مقابل ما يحصلون عليه من «خيرات»! وفي فصل آخر يتطرق بريان ويتيكر الى أهم القضايا، التي تواجه المجتمعات العربية، وهي المتعلقة بالسياسة الدينية Politics of God، وكيف اجتاح المد الديني المنطقة برمتها على مدى السنوات الثلاثين الماضية، بسبب «المرض العربي»، بعد أن اصبح المعتقد الديني يمثل لعشرات الملايين منطقة أمان واطمئنان في عالم ممتلئ بالشكوك واليأس. وقال ان اللجوء الى الدين بدأ مع الهزيمة النكراء التي أوقعها الاسرائيليون بالعرب في حرب 1967، ورماهم في أحضانه، وتعزز اللجوء الى الدين بعد الانتصارات التي حققها «المجاهدون الأفغان» على السوفيت الكفار، وما تبع ذلك من نجاح «حزب الله» في اخراج الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان، وبالتالي تولدت قناعة لدى الكثيرين بأن النصر العسكري يمكن تحقيقه بالالهام الديني، وبالتالي أصبح الدين – كما يقول ويتيكر – هوية وانتماء وتضامنا في وجه القوى الخارجية المستبدة! ويقول الكاتب محذرا بأن اعتبار الدين هوية له مخاطر نفسية وسياسية كبيرة، كما أن المد الديني انتج «أنواعاً» جديدة من التدين الأكثر تطرفا في تفسيراته، وهذا جعل تقبل الآخر دينا وثقافة وفنا، أو حتى محادثة شفهية أكثر صعوبة. ويقول ان المساواة في الحقوق والواجبات لا يمكن أن تتحقق بغير الحرية الدينية، وهذا هو العائق الأكبر أمام أي تقدم ايجابي في المجتمعات العربية. كما أن حرية التدين تتطلب حيادية الدولة دينيا، أي فصل الدين عن الدولة، وهذا أمر لا بد منه لأي خطة اصلاح جادة.
كما يتضمن كتاب ويتيكر فصولا عن «الوساطة» والفساد الحكومي والرشى والعمولات غير القانونية، وهو كتاب – كما يبدو – جدير بالاطلاع على الرغم من مرور سنوات على نشره، واصبح اكثر أهمية مع الثورات العربية، التي جرت دولها لبرلمانات أكثر تخلفا وانغلاقا، ولو كان لدى مسؤولينا من يقرأ ويستنتج ويحلل لكان بالامكان الاستفادة من تجربة الأمة الايرانية مع الحكم الديني، ولكنهم يا ولدي لا هم هنا، ولا بالهم هناك.

أحمد الصراف