محمد الوشيحي

كويتانيك

كما في مسابقات الأكل، عندما يصطف المتسابقون أمام طاولة الطعام، ومع انطلاق صافرة البدء، تتسابق يمنى الواحد منهم مع يسراه لحشر الأكل في الفم، والتهام الطبق في أقصر وقت… كذلك يجب أن تفعل الأغلبية البرلمانية الكويتية مع الإصلاحات المتفق عليها، يجب أن تلتهمها باليمنى واليسرى، وفي أقصر وقت قبل انطلاق صافرة النهاية، وإن توقفت لقمة في البلعوم، فعلى الإعلام أن يتولى مهمة ضرب ظهر الأغلبية كي “تنسَلِت” اللقمة، وتفسح المجال للأخريات.
الحقيقة التي بطعم الحنظل هي أن الأغلبية البرلمانية هشة، وأهش من الهشة، تم تجميعها في مصانع الصين، وبلا كفالة من المصنع، وستتناثر قطعها مع أول ضربة، كما حدث مع “تكتل الكتل” في السنوات الماضية (الفرق بين تكتل الكتل والأغلبية البرلمانية الحالية، أن أعداء الأول هم أعضاؤه أنفسهم، واسألوا أحمد باقر ومخلد العازمي وحسين مزيد والآخرين، أما الأغلبية الحالية فأعضاؤها ما زالوا “تحت التجربة والتمرين”).
ولن أعيد اكتشاف العجلة إذا قلت إنني أشتمّ رائحة جبل الجليد الذي ستصطدم به “سفينة الأغلبية”، وأخشى أن يتكبر القبطان على الجبل ويستهين به، فتحل “كارثة كويتانيك”.
المفارقة أن الأغلبية تزداد متانة كلما تعرضت لهجوم من خصومها، أو كلما أقدمت الأقلية اليتيمة، التي فقدت “معيلها”، على ارتكاب فعل ما، كاستجواب رئيس الحكومة مثلاً. ولا أتفق مع من يقول إن استجواب النائب عاشور (أحد أعضاء الأقلية اليتيمة) لرئيس الحكومة يفتت الأغلبية. تفتيت الأغلبية سيكون عبر “الحرب الأهلية الداخلية” لا “العدوان الخارجي”. ولو كان خصوم الأغلبية البرلمانية دهاة لتركوها تتآكل من الداخل “كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله”، والنار لا تحتاج إلا إلى فتيلة، والفتيلة موجودة عند “كتلة العدالة” التي ترى أن فرض الحجاب على النساء، وتقنين عمليات التجميل، وقضية الاختلاط، ووو، تتساوى مع قوانين العدالة الإدارية وتكافؤ الفرص والمساواة بين الناس.
وأقطع ذراعي من هنا، إذا لم يصبح الحجاب السبب الرئيسي لتشتيت شمل هذه الأغلبية المصنوعة في الصين. وليت كتلة العدالة تتمهل قليلاً إلى أن يتم إقرار الإصلاحات المتفق عليها من الأغلبية، ثم تلتفت إلى الحجاب وعمليات التجميل.
ورغم جدارة عدد من مقترحات كتلة العدالة، فإن بعضها جعل اللصوص وأيتام الفساد الذين يتوقون إلى عودة “المعيل” من جديد، ويفتشون في صفحة الوفيات علّهم يجدون اسم “الأغلبية” كي يشاركوا في دفنها، من باب الواجب… جعلتهم يفركون أيديهم فرحاً في انتظار سماع نشرة الأخبار التي تعلن وفاة الكتلة الصينية.
أكرر، لن تتفتت الأغلبية البرلمانية ولن تموت إلا لسببين اثنين: إما قوانين تكون مثار اختلاف شديد بين أعضائها، كقانون الحشمة، أو استجواب فجائي استعراضي يُقدّم بلا تنسيق! لهذين السببين فقط ستنشب “الحرب الأهلية” ويقتل الأخ أخاه، وتغرق “كويتانيك”.

حسن العيسى

يا الله تزيد النعمة على ديمقراطيتكم

على مهلكم يا جماعة الكتلة، فالديمقراطية ليست كما تفهمون بعقولكم المتطرفة، فهي ليست مجرد صندوق انتخابات، والغلبة فيه تكون لمن حاز الأغلبية، وبالتالي يصبح من حق هذه الأغلبية المزعومة أن تشرع كما تشاء باعتبارها ممثلة للأمة، فليست الأمة هي أنتم وحدكم مع عاداتكم وتقاليدكم المحنطة، كما أن فهم الدين ومرامي الشرع ليست مسائل خاصة بكم وبشيوخكم حين يرمون إلى انتقاء أكثر الأفكار تشدداً وتعصباً من الفقه ويختارونها كنموذج يسيرون على هديه، متماهين مع صورة الفنان عبد الحسين عبد الرضا في محكمة الفريج حين زجر الحاضرين بمقولة “هذا الشرع واللي مو عاجبه ياكل تبن”، فالفقه في النهاية هو الفهم البشري لأحكام الشرع، وليس أمراً منزلاً من السماء، والناس لا يجوز أن تحكم علاقاتهم الاجتماعية قواعد مطلقة لا تتبدل ولا تتغير مع تبدل الزمان وتغير المكان.
لو كانت الديمقراطية التي يجب أن ينظر إليها على أنها وسيلة للرقي والمحافظة على حريات البشر وحقوقهم في المساواة والكرامة دون النظر إلى دينهم ومذاهبهم وأصولهم، وعليه فهي ليست غاية تريدون عبرها أن تعتلوا رقاب الناس وتسوسوهم كبهائم، لكان الفوهرر هتلر وحزبه النازي وكذلك موسليني وحزبه الفاشي ملوك الديمقراطية، حين قام الاثنان في استبدادهما على نظرية الحق المطلق للأكثرية بالحكم، وإطاحة القوى المعارضة وفق رؤية عنصرية تقوم على مبدأ تفوق العرق القومي، وبهذا لم تختلف أسس هذين النظامين عن فكرة الحق الإلهي المطلق للملوك في أوروبا العصر الوسيط وقبيل عصر التنوير والنهضة، وكان حكم هذين الحزبين أخطر انحرافاً للنهج الديمقراطي منذ الثورتين الأميركية والفرنسية.
الديمقراطية هي نحن، ولو كنا أقلية، وهي أولاً حكم القانون القائم على صون حريات وحقوق البشر كما استقرت أعرافها في الدول المتقدمة قبل أن تكون صندوقاً للاقتراع، وليس لكم ولا لأحد كائناً من كان أن يصادر الحريات الأساسية التي جاءت بالدستور في الباب الثالث، وقد استوحاها المشرع الدستوري من مبادئ الثورة الفرنسية “فالناس سواسية في الكرامة الإنسانية” (المادة ٢٩)، ومثل مشروع قانون الحشمة و”بربس” منع التعري وفرض الحجاب هي من وحي خيالكم، وتضرب بعرض الحائط “الكرامة الإنسانية”، وتتعارض مع ذلك النص الدستوري حين تفرضون على الخلق زيكم الموحد وكأننا في معسكر حربي أو كأننا أطفال في روضة الكويت المغمة بفضلكم وبفضل من فرضكم علينا كآباء أوصياء!
يعرف المحامي النائب أسامة مناور أن نصوصاً في قانون الجزاء تجرم “التعري” الذي يتشدق به في مشروعه مع كتلته البائسة تحت بند جريمة الفعل الفاضح المخل بالحياء العام، فما حاجتنا لمشروعكم الخائب ومن قال إن ممارسة الناس في طريقة لبسهم وشكلهم هي حرية تتعارض مع حريات الآخرين، كما وعظنا النائب الشيخ أسامة؟! وهل يتم التعدي عليكم أنتم “الآخرون” حين يرتدي البشر ما يخالف قناعاتكم؟! وماذا بقي في هذه الديرة غير أكوام السأم والملل والبشاعة حين سدتم على هذا المجالس التعسة؟
ثم ألا تعتقد جماعة حزب الكتلة أنهم أوقعوا زملاءهم مثل التكتل الشعبي في “حيص بيص” حين زجوا بمثل تلك المشاريع الطفولية على أجندة العمل البرلماني، وبالتالي ستتوه أولويات الأمة من أمور التنمية وإنقاذ الاقتصاد من سرطان الريع والتبديد، ومكافحة الفساد، وغيرها في عواصف الحجاب والنقاب وتعديل مواد الدستور نحو مزيد من “انتقاص” الحريات؟ هل فكرتم في ذلك أم أن أجسادكم هنا وقلوبكم مع ربيع قندهار طالبان، ويا الله تزيد النعمة على هذه الديمقراطية!

احمد الصراف

«علمانيتي».. ودستور الدولة!

«اقتلوهم، اقتلوهم جميعا، فالرب سيختار من يذهب الى الجنة، ومن يذهب الى الجحيم!».
(ابوت ارنولد، الحملة الصليبية الرابعة عام 1205، عندما سئ‍ل عن كيفية التفريق بين المؤمنين وغيرهم)!
***
احتفلت، بيني وبين نفسي، بمرور نصف قرن على بدء تشكيل عقلي الليبرالي، ولم تزدني السنون الا ثقة بأنني كنت ولا أزال أسير على الطريق الصحيح، وان قلبي يتسع لمحبة الجميع، حتى لأشد المخالفين لآرائي ومعتقداتي. أقول ذلك بمناسبة كل ما يثار عن نية الأغلبية المتشددة في البرلمان طلب تعديل المادة الثانية من الدستور، التي يعتقد البعض بشكلية التعديل، وانه لن يغير الكثير من النظام العام! ولكن بالتمعن في الموضوع بدقة أكثر نجد أن وراء هذه المطالبة والالحاح المستمر عليها منذ عقود نوايا وأهدافا خطيرة، وبالتالي يجب ألا يمر هذا التعديل، ولا يجب السكوت عنه، مع شعورنا بأن المقترح سيرفض لا محالة! كما ليس من الحصافة الاعتقاد بأن القوى المسماة الوطنية أو الليبرالية أو التقدمية في المجلس ستقوم بمعارضته ووقفه، فلهذه القوى – ان وجدت – حساباتها، وطالما هادن بعض المحسوبين عليها التيار الديني، ولم يتردد «التقدميون» منهم، والأكثر يسارية في المجتمع، وفي أكثر من مناسبة، من الجلوس مع أكثر قوى التخلف تشددا، التي تنتمي في أفكارها الى القرون الوسطى، والتضامن معها في سبيل أهداف لا يمكن تحقيقها ليس – فقط – لتضارب مصالح الطرفين المعنيين، بل – ايضا – لاختلاف طريقهم، ولو نظريا.
كما رأينا كيف وافق أكثر وزراء التربية «ليبرالية» في التاريخ السياسي للكويت على قانون منع الاختلاط الجامعي من دون أن يرف له جفن، وبالتالي فان التصدي للمادة الثانية لا يمكن أن يكون الا بجهود «شبابية شعبية»، تعي الخطر المحدق بالحريات وتتحرك لوأد المحاولة في مهدها، مرة والى الأبد. أقول ذلك لأنه ليس بامكاني منفردا فعل شيء غير ابراء ذمتي بالكتابة عن الموضوع والتحذير من خطورته.

أحمد الصراف