محمد الوشيحي

أكتاف السيدة الباردة

أنا على استعداد لأن “آخذها كعّابي”، وأمشي في طول الأرض وعرضها، من الغلاف إلى الغلاف، بحثاً عمن يراهنني على أن الشعب السوري من بين أذكى خمسة شعوب على مستوى العالم.
لا مقارنة بين العقل السوري وبقية العقول العربية، آسيويّها وإفريقيّها، باستثناء العقلين العراقي واللبناني. ولو كان للعقول بطولة رياضية، لما نزل العقل السوري من منصة التتويج…لكن من أين جاء هذا التفوق؟ الله ورسوله أعلم، لكن يبدو لي أن للمناخ ارتباطاً وثيقاً بالعقل والمدارك.
و”القمع يقتل القمح”، و”البعث يخنق البحث”، وفي سورية يسيطر القمع والبعث، وخيرٌ لك، إن كنت سورياً نابغة، أن تربط طموحك بحبل متين وتكتب عليه “ملح” لتصرف عنه الأنظار، وتخبئ أحلامك بين ثنايا البطاطين، وتتظاهر بالسّفه وتمشي مشية السكران كي ينظر إليك النظام بازدراء ويتركك في حال سبيلك (النظام يتقن كل النظرات إلا نظرة الشفقة)، قبل أن تتدبر تذكرة طيران إلى حيث لا بعث.
وحتى لحظة كتابة المقالة، لم أعرف السبب الحقيقي لكل هذا الفزعة الروسية المستميتة دفاعاً عن بشار الأسد وزواحفه السامة. طرقتُ الأبواب كلها، وسألت، وقرأت، بحثاً عن سبب مقنع لهذه الفزعة فلم أجد.
الأدهى أن السيدة الروسية الباردة تخلت بسرعة عن معطف الفرو الليبي رغم أنه الأغلى والأحلى والأكثر دفئاً، وتمسكت بالمعطف السوريالرقيق الذي يزحم خزاتنها ولا تحتاج إليه ولا ترتديه إلى أن كساه الغبار. فهل فقدت هذه الروسية الباردة الباهتة عقلها أم أنها ندمت على التنازل عن المعطف الليبي بلا مقابل، وقررت تعويض خسائرها بمعطفها البالي هذا.
وإذا كانت المشاريع الروسية العظمى تتكاثر وتتوالد بطريقة أرنبية في ليبيا القذافي، فإنها في سورية لا تملأ معدة العصفور، إلا إذا تم التوقيع في أيام الثورة على مشاريع جديدة مجحفة، ظاهرها البناء وباطنها حماية البعث. ففي الأيام هذه، لن يتأخر بشار ثانية واحدة عن تنفيذ أوامر السيدة الروسية، بدءاً من الاعتناء ببصيلات شعرها وتدليك أكتافها وتقطيع البصل وتنظيف صالة منزلها بعد السهرة، وانتهاء بارتداء ملابس السفرجية والوقوف خلف طاولة طعامها.
السبب الوحيد المقنع في غضبة السيدة الروسية في دفاعها عن بشار وزواحفه، هو أن إيران، المملوءة حد التخمة بالمصالح الروسية، طلبت، أو قل اشترطت، الحماية الروسية لنظام البعث السوري، في مقابل مشاريع ضخمة أخرى في إيران وسورية تُمنحان لروسيا.
وأظن أن على جامعة الدول العربية، إذا كانت نيتها صافية لإيقاف الدم السوري المنسكب، أن تتعهد للسيدة الروسية بتوفير مشاريع كبرى لها في عدد من الدول العربية النفطية شريطة أن ترفع غطاء حمايتها عن بشار. وقتها، سترمي السيدة معطفها في أول حاوية قمامة في الطريق العام إلى حقول النفط.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *