احمد الصراف

التجمّل بالحضارة

في يوم قارس البرودة، قررت الذهاب الى وسط مدينة لندن لشراء بعض الكتب. استقللت الحافلة أو الباص الأحمر، وجلست في اقرب مقعد للباب، وهو الجزء المخصص لكبار السن والعجزة ولكنه كان خاليا تقريبا. لففت نفسي جيدا، فقد كان الطقس باردا حقا، وما ان سارت الحافلة بضعة أميال حتى تذكرت أنني في زيارتي الأولى للمكتبة نفسها ترجلت في محطة بعيدة قليلا عنها، واضطررت للسير كيلومترا تقريبا، ولكني اليوم على غير استعداد للمشي حتى لعشر خطوات، خاصة أن المطر بدأ بالهطول. وهنا سألت سيدة كبيرة في السن كانت تجلس بجانبي، لخلو الحافلة من قاطع التذاكر، عن أقرب محطة لــ«مخزن فويلز للكتب»، فقالت لي، دون تردد، بأن علي الترجل بعد محطتين، وهذا ما فعلته، وما ان سرت بضع خطوات باتجاه سير الباص حتى وجدته قد توقف وترجلت منه العجوز نفسها التي سبق ان سألتها، واتجهت نحوي، بعد أن انطلق الباص في طريقه، وقالت: ايها الشاب، وكنت وقتها شابا فعلا، أعتذر لك بشدة، هذه ليست محطتك، بل هي بعد محطتين أخريين من هنا! شكرتها، ووقفت في مكاني أنتظر الباص التالي، واستغربت وقوفها معي، وهي تحمل المظلة بيدها لتقيني من المطر، فسألتها إن كانت هذه محطتها فنفت ذلك وقالت إنها ترجلت من الحافلة لكي لا تجعلني أسير لثلاثة كيلومترات على الأقل في هذا المطر! نظرت لتلك السيدة، التي ربما كانت في الثمانين من العمر وسألت نفسي، لو كنت مكانها وفي سنها هل كنت سأترجل من الحافلة، في هذا البرد والمطر، لأخبر شخصا غريبا واجنبيا، ربما لن التقي به مرة أخرى في حياتي، بأنني أخطأت، وأضحي بدفء الباص؟؟
تذكرت تلك القصة، التي مر عليها الآن أكثر من 44 عاما، عندما قمت يوم 10 يناير بنشر ملاحظة أعلنت فيها عن إقامة «مركز تنوير»، ولا علاقة له بمركز «سيئ الذكر»، ندوة للمفكر إبراهيم البليهي في الجمعية الثقافية النسائية، يوم الأربعاء، 11 يناير، في الوقت الذي كانت الندوة في يوم نشر الملاحظة نفسه، أي الثلاثاء. وفي محاولة متواضعة لسداد ما لتلك السيدة من دين «حضاري» في عنقي، قمت في السادسة والنصف من يوم الاربعاء، 11 يناير، بالذهاب الى الجمعية الثقافية، ووقفت على باب قاعتها بانتظار من سيأتي في ذلك اليوم لحضور الندوة، حسب ملاحظتي، لأخبره بخطئي، وأعتذر له! لم يطل انتظاري كثيرا حيث أتى شخص وأخبرته، بالخطأ وتبعته سيدة وفعلت الشيء نفسه معها، وتركت الجمعية بعد السابعة بدقيقة، فلست مسؤولا عن الاعتذار لمن يأتي متأخرا!
شكرا لك يا سيدتي يا من علمتني كيف أحاول أن اكون متحضرا.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

«الجابرية.. والحسّ الوطني»

عندما تكون ناخباً في إحدى الدوائر الانتخابية.. ويكون واحد من المرشحين أو أكثر في دائرتك يتبنى فكراً لا يتناسب وتوجهاتك، وخطاً سياسياً لا تتوافق معه.. فانك لا تتبنى هذا المرشح، وبالطبع لا تصوّت له. عند هذا الحد الأمور طبيعية. لكن عندما تعلن رفضك لمنهج هذا المرشح، ثم، وكردة فعل، تتبنى مرشحاً مناوئاً له من دون أن يكون قريباً منك، وتدعم مرشحاً على النقيض منه من دون أن يكون مقنعاً لك، فقط لأنه على خلاف واضح مع الأول.. فهذا يسمى عناداً وسوء اختيار. هذا ما يحدث بالضبط مع بعض المجاميع من مكونات المجتمع الكويتي!
لأنَّ المرشّح الفلاني اسلامي.. متشدد.. وهّابي..! فهم، كردة فعل، عندهم استعداد لتبني مرشح عبثي.. سيئ الطرح.. تحيطه الشبهات من كل مكان! وعندما تسأل أحدهم عن السبب يقول لك «يا أخي شوف التطرف والتأزيم عند ربعكم؟! يا أخي ما يفيد فيكم إلا فلان مع سوئه ورداءة مسلكه»! والنتيجة ضياع للوطن.. بعد ضياع الممارسة الديموقراطية.
قد نكون، أو يكون ربعنا سيئين في نظر صاحبنا، لكن الساحة ممتلئة بمن هو صالح أو أقل سوءا وفقا لمقاييسه! فلماذا يعاند نفسه.. ويعاند وطنه ومستقبله.. وينتخب أولئك الذين اجمع الناس على سوئهم؟! انه عندما يعاند «حدس» أو «السلف» أو «الشعبي» أو حتى «الوطني».. فليس من اللائق ان يعاند وطنه ومستقبل أجياله.. فلتذهب «حدس» و«الشعبي» إلى الجحيم.. لكن حرام اضيّع الوطن من أجل ردة فعل والساحة ممتلئة بالبدائل الجيدة!
هذا الخطاب أوجهه إلى اخوة لنا.. كويتيين مثلنا.. تجمعنا معهم مصلحة الوطن.. وحبه.. والحرص عليه.. ونوابهم دعموا الحكومة في الفترة السابقة.. بزينها وشينها.. فياليت ان نتعلم جميعا من التجارب السابقة ونعمل على تبني ما نعتقد انه لمصلحة الكويت.. والكويت فقط بكل تجرد.
•••
• بيان ما سمي «دواوين الكويت».. مع تحفظنا على مضمونه.. إلا ان التوقيع عليه باسماء الدواوين يعطيه مصداقية وشرعية.. صحيح انني ما كنت اتمنى ان يصدر في هذا التوقيت، لانه كان واضحا ضد خط المعارضة السابقة.. والخوف ان يكون البديل هو الاتجاه المعاكس او هكذا يفهم منه، ولولا وجود بعض الاسماء، الذين نكن لهم كل احترام وتقدير، خصوصاً صاحب الديوان الذي صدر منه، لقلنا انه توجه حكومي للدفع ببعض المرشحين الموالين، لكنني اعرف جيدا ان عهد جابر المبارك هو عهد جديد ونهج جديد في التعامل مع القوى السياسية والمعارضة السياسية، لذلك اتمنى ألا يفهم هذا البيان بشكل خاطئ حتى وان تم اخراجه بشكل خاطئ!
•••
• عبدالرحمن العنجري.. مرشح مميز.. ونائب سابق من النوع الفريد.. بدأ مشواره النيابي عضواً في التكتل الوطني وبعد فترة قصيرة ادرك ان الحق أحق بالاتباع، وإن خالف رغباته.. فاتجه لدعم القضايا الشعبية والوطنية التي تبنتها كتلة «التنمية والاصلاح» و«التكتل الشعبي».. حاربه اصدقاؤه.. وصمد في مواقفه مفضلا قناعاته على مصالحه.. اليوم تتم معاقبته من تياره القديم.. فهل تتم مكافأته من التيارات التي تبنى مواقفها.. أم يخسر الاثنين؟!