محمد الوشيحي

من خِشته تعرف وجهته

اللهم ارزق ذلك المراهق الفوّال (يعمل صبيّاً عند بائع الفول) المصري البسيط، الذي تساءل مذهولاً: “معقولة… كل حاجة عاوزها حألاقيها في الجنة؟”، فقيل له: “طبعاً كل حاجة… قل كده أنت عاوز ايه من ربك في الجنة؟”، فأجاب كمن يحلم بتحقيق الخيال: “عاوز محل تمليك ع الناصية في الجنة وقدرة فول كبيرة أوي، وأبقى أنا المعلم، والمسلمين كلهم واقفين على باب المحل طوابير طوابير” ثم رفع يديه باستجداء العبد لربه: “ياااا رب”. ويوقفني أحد البسطاء، محدودي التعليم، في السوق ليقنعني بضرورة نجاح نواب المعاملات مهما قبضوا من أموال أو رِشا (جمع رشوة): “أنا معك في وجوب نجاح نواب المعارضة في الانتخابات، لكنني أيضاً أتمنى نجاح من يخدمني وينجز معاملاتي” ويكمل حديثه بكل ما أوتي من جدية: “رئيس القسم في مقر عملي يكرهني (يدوّر علي الزلة)، وأريد مَن ينقلني من القسم، وأحتاج إلى نائب يقوم بهذا الأمر! ستقول لي إنه نائب حرامي؟ وليكن، ألف مليون عافية على قلبه إذا كان يسرق ويخدمنا… أنا في حاجة إلى نوعين من النواب، نائب يعضّ أنف الحكومة إذا لعبت بذيلها (هكذا وصف المشهد) ونائب ينقلني من وظيفتي وينقل غيري من وظيفته إذا ضايقنا رؤساء الأقسام”. أشباه صاحبنا هذا وأشباه صاحبنا الفوال من البسطاء أكثر مما نتخيل، أعدادهم تخوّلهم ترجيح كفة نائب وأكثر من نواب “حاضر عمي”. وقد قرأت عن قائد عسكري برتغالي في العصور الوسطى، كان ينتقي خيرة جنوده من خلال أشكالهم وطريقة أكلهم وجلوسهم ومشيهم. كان يمعن النظر في وجه الجندي لفترة معينة، ثم ينظر إلى طريقة أكله، وكيف يضحك، وكيف يمشي، وكيف يجلس، ووو، ثم يقرر ضم هذا العسكري إلى الكتيبة او رفضه… وأزعم أنني أستطيع أن أحكم على الموقف السياسي للشخص من خلال معرفة سيرته الشخصية، ومن خلال شكله وطريقة لبسه ومشيته وكلامه وضحكاته، وأظن أن أحكامي هذه ستنجح بنسبة كبيرة. وكنت أتفرج في التلفزيون على ندوة أحد المرشحين من النواب السابقين، وهو كبير الخبثاء الذي علمهم النهب والهبش، وكنت أضع الصوت على خاصية “ميوت”، الصامت، وأنتظر تجوال الكاميرا على وجوه الحضور، وجالت الكاميرا عليهم فشاهدت نوعين من البشر، نوعٌ تسيطر عليه روح العبودية والخنوع، ونوعٌ آخر عينه اليمنى على ساعة يده واليسرى على مشاريع الحكومة وأموالها العامة، يريد أن ينهب بأقصى سرعة. وأجزم أنني لو وقفت على باب إحدى اللجان الانتخابية، لاستطعت تحديد الفائزين في هذه اللجنة من خلال وجوه الناخبين… فالخبيث واضح، شديد الوضوح، والرخمة أكثر منه وضوحاً، والشهم تبدو على وجهه دلائل الشهامة، والصدوق كذلك، والكذوب، واللص، والساذج، ووو… ومن خلال معرفة شخصية الناخب، يمكننا معرفة اختياره، فلا يمكن للشهم أن ينتخب لصاً، ولا يمكن للرخمة أن ينتخب حراً إلا ما ندر، ولن أصدّق من يقسم لي إن “موضي علف” سينتخب حسن جوهر أو أحمد السعدون أو مشاري العصيمي أو عبد الله الأحمد أو أياً من أحرار الكويت. لن أصدق. هي هكذا… من خشّته * تعرف وجهته. * * * •  الخشّة: المحيا أو الوجه.

حسن العيسى

وسعوا صدوركم

منذ الأسبوع الفائت والصحافة تردد كل يوم تقريباً تهديدات وزارة الداخلية للبدون بأنها لن تسمح لهم بالمزيد من المظاهرات والتجمعات، وأن تجمعهم (البدون) في تيماء في الجمعة الماضية كان “العشاء الأخير”، فالوزارة يبدو أنه قد نفد صبرها من تلك التجمعات، ولم تعد تتحمل المزيد وكأنها في كل تجمع للبدون كانت تفرش لهم الورود وتبسط لهم السجاد الأحمر، ولم تكن تلاحقهم بعصي وهراوات القوات الخاصة في حواري مساكن البؤس لجماعات البدون. وزير الداخلية بدوره قدم وعوداً وتعهدات شخصية لحل أوضاع البدون، ولا أحد يذكر أن وزيراً قبل الشيخ أحمد الحمود قدم مثل تلك الوعود بتجنيس المستحقين لها من إحصاء ٦٥ وأبناء الكويتيات من المطلقات والأرامل، ومن خدموا في السلك العسكري… إلخ، وهذه نقطة يجب أن تحسب في ميزان الوزير، إلا أن الكثير من البدون -ولهم عذرهم– تتملكهم مشاعر اليأس من مثل تلك الوعود، فهم يرون أن الدولة وعدتهم بالكثير في السابق، ولم يتحقق الكثير من وعودها في الحصول على الجنسية لمن يستحق، ولا بتوفير الحد الأدنى من المساواة في المعاملة الإنسانية مع إخوانهم الكويتيين، فأكثر ما تم تحقيقه لهم هو مجرد تأكيدات الجهاز “المركزي” لمعالجة أوضاع غير محددي الجنسية، بتوفير شهادات الميلاد والوفاة والعلاج الطبي ومنح دراسية في المدارس الخاصة لبعضهم تكفل بها بيت الزكاة وبيوت الخير…! ولابد هنا من وقفة صغيرة تظهر حجم اليأس من صدقات الدولة لهم، فقد ذكرت جريدة الراي قبل فترة عن أحد البدون الذي ذهب للعلاج في أحد المستشفيات الحكومية، فتم رفض علاجه – حسب خبر الراي – بالرغم من أنه قدم جواز سفره الكويتي، لكن إدارة المستشفى لم تعترف به، فما كان من ذلك البائس إلا أن مزق جواز سفره أمام “سلطات” المستشفى، عندها تم إبلاغ الشرطة واقتيد المريض “البدون” إلى سجون أمن الدولة، ربما لاستكمال علاجه في غرفها المظلمة…! تلك كانت حكاية محزنة تخبرنا عن الكم الكبير لحالة الإحباط النفسي لفئات البدون، وتظهر أزمة الثقة الكبيرة بين السلطة والبدون، وأزمة البدون الأكبر أن متنعمي الجنسية الكويتية لا يشاركونهم همهم، وقلة من يكترث لهم من أصحاب الأقلام ومدعي الحريات حسب الوصفات الكويتية، والمطلوب الآن أن يتسع صدر السلطة بعض الشيء، فلن يهتز أمن الدولة ولن تزلزل أركانها إن خرج بعض البائسين غداً للتعبير عن بؤسهم، فقليلاً من “وساعة الصدر” يا وزارة الداخلية.

احمد الصراف

عندما مات الحبيب *

عاجل الموت «سوامي» وهو شاب، وجلست زوجته وابنه ووالداه حوله يبكونه بحرقة، فقد كان معيلهم الوحيد، زارهم «مهاراج جي»، حكيم القرية، ليعزيهم بولدهم، فتشبثوا بتلابيب ثوبه وهم في حزن شديد، الدموع تنهمر من مآقيهم، يستعطفونه كي يعيد الحياة لحبيبهم ووالدهم ومعيلهم وفلذة كبدهم، الذي مات قبل يومه بكثير، فما الذي سيحدث الآن لابنه وزوجته ووالديه، بعد ان أصبحوا محرومين من كل شيء، فقد كان نعم الزوج والسند وعماد الأسرة الوحيد، وانهم جميعا يشعرون باليأس والعجز التام في غيابه، فهم لا شيء، لا شيء ابداً من غيره! وعندما لم تجد محاولات «مهاراج جي» في مواساتهم والتقليل من حزنهم، وتصبيرهم على بلواهم، بعد تزايد بكاء الجميع ومطالباتهم اياه باعادة «سوامي» الى الحياة، نهض الحكيم من مكانه وطلب قدحاً من الماء، ثم وضعه بجانب الجثة الهامدة وقال لهم إن على كل من يرد عودة «سوامي» للحياة شرب قدح الماء، وسيموت عوضاً عنه! هنا بانت علامات الاستنكار على وجوههم فقال لهم: ألم تقولوا إنه كان حبيب الجميع ومعيلكم الوحيد وان حياتكم أصبحت مستحيلة من غيره، فلم لا يموت أحدكم، وانتم جميعاً بلا نفع بعضكم لبعض من دونه؟ لم لا يضحي أحدكم بنفسه لتستفيد البقية من عودة «سوامي» للحياة؟ تعالي أيتها الزوجة ألم تقولي إنه كان الوحيد الذي يضع الخير على الطاولة، لماذا لا تستبدلين جسده بجسدك؟ فقالت الزوجة ان لديها ابنا صغيراً بحاجة إليها، ويجب ان تعيش من أجله! وعندما وجه الحكيم نظراته للاب تردد هذا وقال ان لديه زوجة مريضة تعتمد عليه، وان مات فمن سيعتني بها، وهنا حول «مهاراج جي» نظراته للأم فقالت هذه ان ابنتها ستأتي لتلد عندها بعد أيام وليس هناك من يعتني بها، وهي بحاجة اليها، هنا نظر الحكيم للطفل وقال له: أيها الصبي ألا تريد ان تضحي بحياتك لكي يعود والدك إلى الحياة ويعيل أمك وجدك وجدتك، ويحميهم من المرض والجوع؟ وقبل ان ينطق الصبي بكلمة ضمته امه الى صدرها قائلة: هل انت مجنون؟ انه طفلي الوحيد ولا يمكن ان أعيش من دونه، وهو لم يعش حياته بعد! وهنا ابتسم «مهاراج جي» وقال من الواضح ان هناك حاجة لبقائكم جميعاً على قيد الحياة، والوحيد الذي لم يكن له غرض في هذه الدنيا قد أخذه الموت منكم! والآن لنكمل اجراءات دفنه فقد تأخر الوقت كثيراً!
ولو تمعنا في هذه القصة الرمزية، لوجدنا ان الحب يبقى طالما بقيت الحياة، أما بعد ذلك فلا تبقى إلا ذكريات الأوقات الجميلة! والحياة ستستمر بنا أو بغيرنا، ببكاء ونواح ولطم، أو بابتسامة وسعادة ومرح، فلم نختار الأسوأ ونترك الأفضل والأجمل؟
* قصة من التراث الهندي

أحمد الصراف